الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ السُّنة الشريفة - فقه حديث الرفع

تتمة الجهة السادسة من فقه الحديث:

لا إشكال في عدم شمول الحديث لبعض الآثار من قبل النجاسة كأثر لملاقاة النجس، فإنَّ موضوع النجاسة هو الملاقاة فإذا حدثت اضطراراً فالحديث لا يرفعها النجاسة بلا إشكال، وإنما الكلام في أنَّ خروج مثل هذا الأثر عن الحديث هل هو خروج تخصيصي أو خروج تخصصي؟

ذهب السيد الخوئي قده الى أنه خروج تخصصي بمعنى أنَّ الحديث لا يشمل مثل هذه الآثار أصلاً، وذلك بدعوى أنَّ الحديث يشمل الآثار التي تترتب على فعل المكلف ولا يشمل الآثار التي تترتب على شيء لا بما هو فعل للمكلف وإنما بلحاظه في نفسه، من قبيل ترتب النجاسة على ذات الملاقاة لا على الملاقاة بما هي فعل للمكلف، ولذا تترتب النجاسة عليها حتى لو صدرت من غير اختيار من المكلف، فمثل هذه الآثار لا يشملها الحديث، كما لا يشمل قضاء الفائت نسياناً وذلك لأنَّ وجوب القضاء مترتب على ذات الفوت لا الفوت بما هو فعل للمكلف.

واستدل عليه بأنَّ الاضطرار يتعلق بفعل المكلف وليس هو موضوع الأثر في محل الكلام بحسب الفرض، فما هو موضوع الأثر لا يتعلق به الاضطرار وما يتعلق به الاضطرار ليس موضوعاً للأثر، ففي مثال الملاقاة ما يتعلق به الاضطرار هو الفعل الذي تحدث به الملاقاة، وهذا الفعل ليس هو موضوعاً للأثر، وما هو موضوع للأثر - وهو الملاقاة - ليس هو فعلاً للمكلف ولا يتعلق به الاضطرار.

وبعبارة أخرى هو يدعي أنَّ الحديث ناظر الى فعل المكلف إذا تعلق به الاضطرار فيرفع الآثار المترتبة عليه، وليس في الحديث قابلية على رفع آثار أخرى لا تترتب على فعل المكلف، والنجاسة في المثال ليست من آثار فعل المكلف وإنما هي أثر للملاقاة لا بما هي فعل للمكلف.

واعترض على هذه الدعوى باعتراضين:

الاعتراض الأول وهو يبتني على فهم أنَّ السيد الخوئي قده كأنه يذكر قضيتين:

الأولى: كل أثر يترتب على شيء لا بما هو فعل للمكلف لا يشمله الحديث، من قبيل النجاسة المترتبة على الملاقاة.

الثانية: كل أثر يترتب على شيء بما هو فعل للمكلف لابد أن يكون الحديث شاملاً له.

والاعتراض عليه بأنَّ هناك آثار تترتب على فعل المكلف ولكنه ليس مشمولاً للحديث بالإجماع، وينقض عليه بموردين:

الأول: إتلاف الأمين شيئاً نسياناً أو اضطراراً وقالوا فيه بالضمان، وهو يعني أنَّ الحديث لا يشمله مع أنه أثر لفعل المكلف.

الثاني: مس الميت فإنَّ له أثر شرعي وهو وجوب الغسل، وهو أثر للمس بما هو فعل للمكلف، فينبغي أن يلتزم أنه إذا حدث اضطراراً أو نسياناً فلا يجب الغسل به، ولكنهم لا يلتزمون به.

الاعتراض الثاني: أنَّ ما ذكر قد يتم في باب الاضطرار لكنه لا يتم في باب النسيان، فيقال ما يتعلق بالاضطرار ليس موضوعاً للأثر الشرعي حتى يرفع بالحديث، وما يترتب عليه الأثر الشرعي بحسب الأدلة ليس مورداً للاضطرار، كالملاقاة فإنَّ المكلف إنما اضطر الى الفعل والملاقاة ترتبت عليه، وهذا يمكن قبوله في باب الاضطرار وأما في باب النسيان فلا فإنه كما يمكن أن يتعلق بفعل المكلف يمكن أن يتعلق بغيره أيضاً، فيمكن أن يقال إنَّ المكلف نسي الملاقاة مع أنها ليست فعلاً له، وأثر الملاقاة النجاسة فلابد أن يكون الحديث شاملاً لها.

الجواب:

أما الاعتراض الأول: فيمكن أن يقال إنَّ كلام السيد الخوئي قده يمكن أن تفسيره بوجه لا ترد عليه هذه الاعتراضات وهو إنَّ الميزان عنده هو أن يكون الفعل مسنداً الى المكلف، وكأنه يرى أنَّ طرو واحد من هذه العناوين يوجب ضعف الإسناد عرفاً، والوجدان يساعد على الفرق بين إسناد الفعل الى العامد وإسناد نفس الفعل الى المضطر أو الجاهل أو المكره ...الخ، وحينئذٍ ترتفع الاعتراضات المتقدمة.

أما الاعتراض الثاني القائل بالفرق بين الاضطرار وبين النسيان فبناءً على الاحتمال المتقدم في كلام السيد الخوئي قده لا يوجد فرق بينهما فكل منهما يمكن أن لا يكون الحديث شاملاً له، وذلك باعتبار أنَّ الميزان هو ليس تعلق العنوان بالفعل، وليس هو ما يكون فعلاً للمكلف، وإنما الميزان هو انتساب الفعل الى المكلف، فكل فعل يُسند الى المكلف ويكون الأثر مترتباً عليه بما هو مُسند الى المكلف يكون مرفوعاً بحديث الرفع إذا طراً عليه واحداً من هذه العناوين، ومن الواضح إنَّ هذا الميزان كما يصح في باب الاضطرار كذلك يصح في باب النسيان، بل يصح في سائر الفقرات المذكورة في هذا الحديث، وعليه فالحديث لا يشمل النجاسة التي تترتب على الملاقاة إذا حصلت اضطراراً أو تعلق بها النسيان لأنَّ الأثر ليس أثراً للملاقاة باعتبار انتسابها للمكلف بخلاف ما يمكن أن يكون أثراً للفعل باعتبار انتسابه الى المكلف كالكفارة والحرمة والحد.

وبناءً على هذا الميزان يصلح أن يقال إنَّ الحديث لا يشمل كل الأمثلة المتقدمة، فوجوب الغسل أثر لمس الميت ولكن لا باعتبار انتسابه الى المكلف وإن ترتب على ذات المس بأي وجه حصل، فلا تكون هذه الآثار مشمولة لهذا الحديث.

رأي السيد الشهيد قده

إنَّ الميزان في شمول الحديث لمورد هو أن يكون الاختيار والعمد دخيلاً في ترتب الأثر على موضوعه، فالآثار على هذا على قسمين:

الأول: آثار تترتب على موضوعها لكن الاختيار والعمد دخيل في ترتبها، وهي مشمولة للحديث وترتفع هذه الآثار إذا طرأت عليها إحدى هذه العناوين

الثاني: آثار تترتب على موضوعها مطلقاً، أي سواءً صدر موضوعها بالاختيار أم لا وسواءً صدر عمداً أم سهواً وخطأ، وهذه الأثار لا يشملها الحديث.

وهذا الميزان يتحقق هذا في موارد:

الأول في الفعل الذي يتعلق به الحكم الشرعي التكليفي حيث يشترط فيه الاختيار لا محالة.

الثاني إذا كان الفعل موضوعاً للحكم الشرعي ولكنه يتضمن بنفسه القصد والاختيار كما في المعاملات، فإن صدر العقد عن إكراه فلا يكون مشمولاً للحديث.

الثالث ما إذا كان الفعل موضوعاً لحكم تكليفي ولكن يُستظهر من دليله أنه إنما رُتب عقوبة ومجازاةً كالكفارة.