الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ السُّنة الشريفة/ فقه حديث الرفع

تتمة الكلام في الوجه الثاني للإستدلال على عدم شمول حديث الرفع للقسم الثالث، وحاصله:

إنَّ ظاهر العناوين المذكورة في الحديث الشريف أنها مأخوذة على نحو المُعرفية والمُشيرية الى الأفعال، أو قل هي حيثيات تعليلية للحكم بمعنى أنها تكون سبباً في ثبوت الحكم لغيرها، وهذا من قبيل حيثية الإسكار بالنسبة الى ثبوت الحرمة لذات الخمر، فالخطأ والإضطرار ونحوها من هذا القبيل بمعنى أنه تُفيد ثبوت الحكم لما يُشير إليه هذا العنوان، وهو الفعل بعنوانه الأولي فيتجه الرفع اليه، ومعنى رفع الفعل بعنوانه الأولي هو رفع آثاره، فالحديث يختص برفع الآثار الثابتة للأفعال بعناوينها الأولية، وهذا يثبت عدم شمول الآثار للقسم الثالث لأنها غير ثابتة للفعل بعنوانه الأولي وإنما ثابتة للفعل بالعناوين المذكور في الحديث، فالحكم في الحديث - وهو الرفع - يكون ثابتاً لما تُشير إليه هذه العناوين وهو الفعل بعنوانه الأولي، فالأثر الثابت للقتل بهذا العنوان يرفعه الحديث ولا يرفع الأثر الثابت للفعل بعنوان القتل الخطأ، وعليه يختص الحديث بخصوص القسم الأول.

وهذا الإختصاص المستفاد بهذا الوجه يختلف عن الإختصاص بحسب الوجه الأول على فرض تماميته، فإنَّ المحذور هناك كان ثبوتياً وهو لزوم إتحاد المقتضي والرافع، وأما في هذا الوجه فالمحذور إثباتي وهو أنَّ شمول الحديث للقسم الثالث خلاف ظاهر الحديث.

النتيجة:

ومنه يظهر أنَّ الصحيح هو ما إشتهر بين المحققين من عدم شمول الحديث للقسم الثالث من الآثار واختصاصه بالقسم الأول لما تقدم من الظهور لا للمحذور الثبوتي المتقدم لما عرفت من أنه يتوقف على أن يكون الحديث دالاً بنفسه على إقتضاء العناوين للحكم وهو غير تام كما تقدم.

الجهة الرابعة: في ما يعتبر في جريان الحديث

ورد في بعض تقريرات السيد الخوئي قده أنه يعتبر في شمول الحديث أمران:

الأول: أن يكون في الرفع منَّة على العباد وأما ما خلا من الإمتنان فلا يشمله الرفع، فلا يعم صحة بيع المضطر فإنَّ رفعها خلاف الإمتنان، بخلاف بيع المكره لإنَّ رفع صحة البيع ليست خلاف الإمتنان بل فيه منة بالنسبة الى المكره نفسه.

الثاني: أن يكون فيه منَّة على الإمة لا على شخص دون شخص فلا يرتفع ضمان الإتلاف غير الإختياري لأنه وإن كان فيه إمتنان على نفس المُتلف ولكنه خلاف الإمتنان بالنسبة الى المالك.

الإعتراض على ما ذكره السيد الخوئي قده

وإعترض عليه بأنَّ دعوى ورود الحديث مورد الإمتنان على الأمة لا شاهد عليه بل غاية ما يُستفاد من الحديث هو وروده مورد التسهيل، وهو ظاهر في التسهيل الشخصي نظير رفع الحرج، وعليه يصح الرفع في الضمان في الإتلاف غير الإختياري لأنَّ فيه تسهيل بالنسبة الى المُتلف، ولا يظهر من الحديث أكثر من ذلك ولا يتوقف على ملاحظة النوع، وبناءً عليه لا مانع من شمول الحديث لمثل الضمان إذ فيه تسهيل وإرفاق بمن يجري في حقه الحديث وإن لم يكن فيه تسهيل بالنسبة الى النوع.

أقول: لا ينبغي الإشكال في ظهور الحديث الشريف في إختصاص الرفع بخصوص الأحكام التي يكون في رفعها تخفيف على العباد، وأما الأحكام التي يكون في رفعها مشقة وثقل وخلاف الإمتنان على العباد فلا يشملها الحديث، ويمكن أن تذكر قرينتان لإثبات ذلك:

القرينة الأولى تعدية الرفع في الحديث بــــ (عن) التي يُفهم منها التخفيف، لأنَّ الرفع عن شخص يعني إزالة ما فيه ثقل عنه.

القرينة الثانية إضافة الرفع الى الأمة (رُفع عن أمتي) وهو لسان يُفيد التحبب والتودد الى الأمة والإمتنان عليها.

فيمكن أن يكون الوجه في ما ذكره السيد الخوئي قده هو هاتين القرينتين، أما الأولى فتصلح أن تكون دليلاً على الأمر الأول وهو التخفيف بالنسبة الى العبد، كما أنَّ القرينة الثانية تصلح أن تكون دليلاً على الأمر الثاني.