الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ السُّنة الشريفة/ الحديث الثاني

كان الكلام في أنَّ الإستدلال بحديث الرفع على البراءة هل يتوقف على إثبات إنَّ الرفع في الحديث رفع ظاهري أو يصح الإستدلال به حتى إذا كان الرفع رفعاً واقعياً، وقلنا إنه قد يقال لا يتوقف الإستدلال على ذلك لأنَّ الغرض من الإستدلال بالحديث هو إثبات التأمين والسعة عند الشك في التكليف الواقعي، ولا إشكال في ثبوت ذلك على كلا التقديرين سواءً كان الرفع رفعاً ظاهرياً أي رفعاً لوجوب الإحتياط تجاه التكليف المشكوك، أم كان رفعاً واقعياً للحكم لو قلنا بإمكانه بمعنى أنه لو خالف التكليف المشكوك فلا يستحق العقاب، فالتأمين مترتب على كل منهما.

وقد يقال بترتب الثمرة على إثبات الرفع الظاهري وأنها تظهر فيما لو فرضنا أنَّ بعض التكاليف الواقعية ثبت بالدليل القطعي أنها لا تختص بفرض العلم بها كما لو قام الإجماع أو الضرورة على ذلك، فحينئذ يقال: إن كان الرفع في الحديث رفعاً ظاهرياً فيمكن الإستدلال به لإثبات التأمين في هذه الموارد وذلك بأن يكون الحديث رافعاً لوجوب الإحتياط من ناحية هذا التكليف المشكوك فلا يجب على الجاهل بالتكليف الإحتياط.

وأما إذا قلنا بأنَّ الرفع رفع واقعي فنقع في إشكال التنافي لأنَّ المفروض وجود دليل قطعي يثبت إطلاق الدليل المشكوك للعالم والجاهل على تقدير ثبوته، بينما حديث الرفع يرفع التكليف رفعا واقعياً عن الجاهل ويثبت إختصاصه بالعالم بحسب الفرض ولا يمكن الجمع بينهما، فلا يمكن الإستدلال بحديث الرفع لإثبات التأمين في هذه الموارد لأنه ينافي العلم بثبوت التكليف في حق الجاهل، فتظهر الثمرة في هذه الموارد.

المختار:

ونحن ندعي أنَّ الحديث حتى مع فرض إجماله من هذه الناحية وتردد الأمر بين الرفعين يمكن الإستدلال به على البراءة في جميع الموارد بما فيها الموارد المقدمة، والوجه فيما ندعيه هو أنَّ الغرض من الإستدلال بحديث الرفع أمران:

الأول إثبات التأمين للشاك في التكليف الواقعي، وهو يترتب على كلا التقديرين، إما برفع وجوب الإحتياط وإما لأنَّ أصل التكليف المشكوك غير ثابت في حقه.

والثاني إبراز معارض لأدلة الإحتياط التي يستدل بها الأخباريون - على تقدير تماميتها - وهذا الغرض حاصل سواء قلنا بأنَّ الرفع رفع ظاهري أم قلنا أنه رفع واقعي، أما على الأول فالمعارضة واضحة لأنَّ معنى الرفع الظاهري كما مرَّ هو رفع وجوب الإحتياط وهو ما يدعي الإخباريون ثبوته فالمعارضة ثابتة.

ونفس الكلام نقوله على الثاني وذلك باعتبار أنَّ حديث الرفع يكون رافعاً لموضوع أدلة الإحتياط ومقدماً عليها لأنَّ هذه الأدلة موضوعها هو إحتمال التكليف وحديث الرفع ينفي أصل وجود التكليف في حق الجاهل.

وأما في الموارد المتقدمة - وهي التي نشك في ثبوت التكليف فيها مع العلم بإطلاق التكليف فيها للعالم والجاهل على تقدير ثبوتها - فنقول يمكن التمسك بحديث الرفع مع فرض إجماله وعدم ظهوره في أحد الأمرين وذلك باعتبار أنَّ هذا الحديث لا يصلح لمعارضة الدليل القطعي الدال على الإشتراك لأنَّ فرض المعارضة يكون بعد ظهوره في الرفع الواقعي وأما مع فرض إجماله فلا يصلح أن يكون معارضاً لذلك الدليل، وبعبارة أخرى إنَّ حديث مع فرض إجماله لا نعلم أنه مبتلى بالمعارضة مع ذلك الدليل القطعي أو لا، لأنَّ المعارضة فرع ظهور الحديث في الرفع الواقعي، ومع إجماله بحسب الفرض يمكن القول أنه لم يثبت وجود معارض، لإحتمال الرفع الظاهري فيه، وعلى هذا التقدير لا يعارضه ذلك الدليل القطعي.

والخلاصة لا نحرز وجود معارض لحديث الرفع يمنع من التمسك به، وعليه يجوز الإستدلال به وإثبات التأمين في حق الجاهل.

والحاصل: مع فرض الإجمال لا نعلم بأنه مبتلى بمعارضة ذلك الدليل القطعي الدال على إشتراك ذلك التكليف - على تقدير ثبوته - بين الجاهل والعالم لأنه إنما يبتلي بهذه المعارضة لو كان ظاهراً في الرفع الحقيقي فإنَّ الدليل القطعي حينئذٍ يكون معارضاً له في ذلك المورد ومخصصاً له فلا يصح التمسك به، وأما مع فرض الإجمال وعدم الظهور فلا علم بالمعارض والمخصص، ومعه يمكن التمسك بإطلاق الحديث لهذا المورد لأنه من موارد الشك في التخصيص، ويثبت بذلك التأمين باعتباره أثراً مترتباً على الجامع بين الرفعين، نعم لابد من إثبات عدم ظهوره في الرفع الواقعي وهو واضح باعتبار أنه بحاجة الى عناية كما هو الحال في إثبات الرفع الظاهري، وقد تقدم بيان هذه العناية وحاصلها الإستعانة بفكرة الجعل والمجعول للتفصي من لزوم محذور الدور فنقول: إنَّ المجعول مقيد بالعلم بالجعل ومعه يمكن أن يكون الرفع واقعياً، إلا أنَّ هذا فيه عناية وهي أنَّ المرفوع غير المعلوم كما مرّ وهو خلاف ظاهر الحديث، ففي كلا الرفعين عناية، والمهم هو أنَّ الحديث لا ظهور له في الرفع الواقعي وهو كاف في صحة الإستدلال به في هذه الموارد.

ولكن هذا الكلام بحسب نظرنا لا داعي له لما ذكرنا من أنَّ الظاهر هو تعيُّن إرادة الرفع الظاهري لأنَّ الرفع الواقعي لا يمكن المصير إليه إما للزوم محاذير ثبوتية أو للزوم محذور إثباتي.

هذا كله في المقام الأول وهو في كيفية الإستدلال بحديث الرفع على البراءة.

المقام الثاني في أنَّ البراءة المستفادة من حديث الرفع هل تجري في جميع الشبهات أم تختص بالشبهات الحكمية، أو قل هل تجري في الشبهات الموضوعية أو لا.