44/08/12
الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ السُّنة الشريفة/ الحديث الثاني
الوجه الخامس لتوثيق أحمد بن محمد بن يحيى العطار:
وهو أنَّ يقال إنَّ الشيخ الطوسي روى عنه كثيراً في كثير من الروايات في الإستبصار، وهذا المقطع من السند يتكرر كثيراً هو:
(أخبرنا الحسين بن عبيد الله الغضائري عن أحمد بن محمد عن أبيه) والمقصود به أحمد بن محمد بن يحيى العطار، وقال في الصفحة 10 من الجزء 1: (أخبرني الحسين بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه)، وفي الصفحة 12: (أخبرني الشيخ رحمه الله عن أحمد بن محمد عن أبيه)، ومثله في 13، 18، 26، 29، 30، 33، وغيرها، وهذا الوجه يقول:
إنَّ الشيخ الطوسي يملك طريقاً آخر الى محمد بن يحيى العطار لا شبهة في صحته ذكره في المشيخة وهو:
(المفيد عن بن قولوليه عن الكليني عن محمد بن يحيى العطار) وهذا الطريق ليس فيه كلام وكل رجاله ثبتت وثاقتهم بالشهادات الحسية، فلماذا يترك الشيخ ذكر هذا الطريق ويُصر على ذكر الطريق الذي فيه أحمد بن محمد بن يحيى العطار في كل هذه الروايات؟ إنَّ هذا لا يخلو من دلالة على إعتماده على هذا الطريق.
وهذه الروايات كلها مأخوذة من كُتب محمد بن يحيى العطار وإن كان الشيخ لا يبدأ السند باسمه كما هي القاعدة في روايته، وذلك باعتبار أنه لا يوجد أحد غيره يمكن أن يكون الشيخ قد أخذ الروايات من كتابه، فإنَّ الموجود بينه وبين محمد بن يحيى العطار واسطتان: الحسين بن عبيد الله الغضائري وأحمد بن محمد بن يحيى العطار وكل منهما ليس له كتب روائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى إنَّ ما بعد محمد بن يحيى العطار أشخاص مختلفون إختلافاً كبيراً فيحصل الإطمئنان بأنَّ الشيخ أخذ هذه الروايات من كتب محمد بن يحيى العطار، وعليه يقال: لماذا يُصر الشيخ على ذكر طريق فيه شبهة - كما يدعى - ويترك طريقاً صحيحاً لا شبهة فيه؟!
لا تفسير لذلك إلا أنه ثبت لديه بشهادات حسية وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى العطار ووثاقة الحسين بن عبيد الغضائري، ومن البعيد أن يكون له سند واضح الصحة الى كتب محمد بن يحيى العطار ثم يترك ذكره في كل هذه الروايات ويُصر على ذكر سند يوجد فيه من ليس له شهادة حسية بوثاقته.
والتعليق عليه:
هذا الطريق لا بأس به في الجملة، ويمكن تطبيقه كما أُشير اليه على أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، فكل منهما من شيوخ الإجازة، وكل منهما ليس له كتاب، وإنما كانا يُجيزان رواية كتب أبويهما، فبنفس البيان يمكن إثبات وثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لأنه لم يُنص على وثاقته أيضاً، والشيخ في الإستبصار أصرَّ على ذكر هذا السند في روايات كثيرة، قال:
(أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان - الشيخ المفيد - رحمه الله قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه...) وهذا المقطع من السند يتكرر كثيراً في روايات الإستبصار، فيقال: إنَّ الشيخ يملك طريقا صحيحاً الى محمد بن الحسن بن الوليد ذكره في المشيخة ولا شبهة فيه فيتركه الى هذا الطريق الذي فيه شبهة! هذا لا يمكن تبريره إلا بإعتقاد الشيخ الطوسي بوثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.
والطريق الآخر الذي ذكره في المشيخة هو: (عن الشيخ المفيد عن الصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد).
وهنا يقال أيضاً أنَّ المتعين هو أنَّ الشيخ الطوسي أخذ الرواية من كتب محمد بن الحسن بن الوليد وذلك لأنَّ الشيخ المفيد ليس لديه كتاب روائي، كما أنَّ أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ليس له كتب وإنما هو شيخ إجازة، فيتعين أنَّ الشيخ أخذ الرواية من كتب محمد بن الحسن بن الوليد، فالإصرار على ترك ذلك الطريق الذي لا شبهة فيه وذكر هذا الطريق الذي يُدعى أنَّ فيه شبهة غير مناسب إلا أن يكون الشيخ الطوسي معتقداً اعتقاداً جازماً وبشهادات حسية بأنَّ هذا الرجل ثقة.
ويلاحظ على هذا الوجه:
إننا لا نشك في أنَّ كتب محمد بن يحيى العطار وكذلك كتب محمد بن الحسن بن الوليد كانت في زمان الشيخ الطوسي من الكتب المشهورة المعلومة الانتساب الى أصحابها، وهي ككتاب الكافي بالنسبة إلينا، ومع هذه المعروفية والجزم بصحة الانتساب الى هذين العلمين يكون الغرض من ذكر الطريق هو لمجرد الخروج عن شبهة الإرسال وتحصيل إتصال السند، فإنَّ الغرض من الطريق هو إثبات وجود الرواية في الكتاب فإذا فُرض وصول الكتاب الى الشيخ الطوسي مع علمه بانتسابه الى محمد بن يحيى العطار فيثبت وجود الرواية في الكتاب، وكأنه حدثه بالرواية مباشرة فلا موجب لملاحظة السند قبله، وإنما يبقى بحث السند من صاحب الكتاب الى الإمام عليه السلام.
هذا مع الإلتفات الى اهتمام المتقدمين الشديد بالسند الأعلائي فإذا كان هناك سندان لكتاب أحدهما أقل من حيث الوسائط من الآخر فيكون أعلى من الآخر سنداً، وفي المقام يكون السند الذي ذكره أعلى بالقياس الى ما ذكره في المشيخة لأنه يشتمل على واسطتين بينه وبين محمد بن يحيى العطار وهما الغضائري وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، بينما الطريق الذي ذكره في المشيخة الى كتب محمد بن يحيى العطار يشتمل على ثلاث وسائط هم: الشيخ المفيد وإبن قولويه والكليني، فيذكر السند الأعلى لهذه النكتة، هذه هي الملاحظة على هذا الوجه، ولا بأس به في الجملة.
وبناءً على ما تقدم لا يكون هذا الوجه كاشفاً عن إعتقاد الشيخ بوثاقة أحمد بن محمد بن يحيى العطار.
الوجه السادس: إكثار الشيخ الصدوق الرواية عنه، فروى عنه بعنوان (أحمد بن محمد بن يحيى) في170 مورداً، وبعنوان (أحمد بن محمد عن أبيه) في 20 مورداً كما عن معجم رجال الحديث، فيكون المجموع 190 مورداً، وترضى عنه، وترحم عليه، وهذا كافٍ عندنا في إثبات الوثاقة، ومن هنا يظهر أنَّ هذه الرواية الظاهر أنها تامة سنداً.
وتقدم أنَّ فقرة الإستدلال موجودة في بعض روايات حديث الرفع وغير موجودة في بعضها الآخر، لكنها موجودة في رواية أخرى ينقلها الشيخ صاحب الوسائل عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى في ج23ص237 قال:
(أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: وضع عن هذه الأمة ست خصال: الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه)[1]
وفي سند هذه الرواية كلام من جهة في طريق الشيخ صاحب الوسائل الى أحمد بن محمد بن عيسى، ومن جهة أخرى في إسماعيل الجعفي.
إشكال آخر:
وفي الرواية محل الكلام إشكال آخر من جهة رواية حريز عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث إدعي أنه لا يروي عنه عليه السلام إلا روايتين فقط، ومنشأ هذه الدعوى هو ما رواه الكشي في الحديث 716 قال:
(محمد بن مسعود، قال حدثني محمد بن نصير، قال حدثني محمد بن عيسى عن يونس، قال: لم يسمع حريز بن عبد الله من أبي عبد الله - عليه السلام - إلا حديثاً أو حديثين...)[2]
وذكر النجاشي في ترجمة حريز: (.. قيل روى عن أبي عبد الله عليه السلام، وقال يونس: لم يسمع من أبي عبد الله [عليه السلام] إلا حديثين، وقيل روى عن أبي الحسن موسى [عليه السلام] ولم يثبت ذاك..)[3]
ويظهر من عبارته التشكيك في روايته عن الإمام الصادق عليه السلام، بل يشكك حتى في روايته عن الإمام الكاظم عليه السلام.
ثم إنَّ الكشي في عبارته التي ذكرها في حق حريز عطف عليها وقال:
(.. وكذلك عبد الله بن مسكان لم يسمع إلا حديثه: "من أدرك المشعر فقد أدرك الحج" ، وكان من أروى أصحاب أبي عبد الله عليه السلام)[4]
وقال النجاشي في ترجمة عبد الله بن مسكان:
(.. روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام، وقيل إنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام وليس بثبت)[5] .
وهذا يعني التشكيك في رواية هذين الشخصين الجليلين عن الإمام الصادق عليه السلام، ولازم هذا الكلام هو أن نطرح الكثير من الروايات التي وصلت إلينا مشتملة على رواية حريز عن الإمام الصادق عليه السلام، خصوصاً إنَّ عدداً لا بأس به من هذه الروايات ورد فيها عبارات من قبيل (سمعته يقول) و (ورأيته) مما لا يمكن تأويله وبوجود سقط في السند.
والكلام يقع أولاً في تحقيق سند النقل الذي نقله الكشي عن يونس، والظاهر أنه لا يوجد فيه من يتوقف فيه، حتى محمد بن عيسى فإنه إبن عُبيد المسمى بالعبيدي، وهناك كلام فيه وفي روايته عن يونس، لكن الظاهر أنه في حد نفسه ثقة كما ثبت في محله.