44/07/29
الموضوع: الأصول العملية/ أدلة أصالة البراءة الشرعية/ الكتاب العزيز/الآية الثانية
كان الكلام في الإشكال الثبوتي الذي ذكره الشيخ الأنصاري قده على الإحتمال الرابع في الإسم الموصول وهو أنَّ المقصود به هو الجامع بين المال والفعل والتكليف، وحاصله:
لا يمكن الجمع بين نسبتين متباينتين هما نسبة الفعل الى المفعول به إذا أريد بالموصول المال ونسبة الفعل الى المفعول المطلق إذا أريد به التكليف والحكم ويلزم من إستعمال الهيئة الخاصة في النسبتين إستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى.
جواب المحقق العراقي قده
أجاب المحقق العراقي قده عن هذا الإشكال بوجهين:
الأول: إنَّ هذا الإشكال إنما يرد إذا فرضنا إرادة خصوصيات الأفراد من الإسم الموصول وأما إذا قلنا أنَّ المراد منه معناه العام الكلي من دون لحاظ الخصوصيات وإنما تفهم من دوال أخرى يمكن أن تنطبق على هذه الأفراد فلا يتوجه المحذور الذي ذكره الشيخ لا في الإسم الموصول ولا في المراد من (الإيتاء) ولا في نسبة الفعل الى الموصول، أما الأول فواضح لأنَّ الموصول مستعمل في المعنى الكلي بحسب الفرض، وأما في الإيتاء فبإعتبار أنَّ المراد منه هو الإعطاء وهو معنى واحد، نعم يختلف بإختلاف مصاديقه وما يُضاف إليه فإذا أضيف الى المال كان بمعنى رزقه وإعطاؤه، وإذا أضيف الى الفعل كان بمعنى الإقدار عليه، وإذا أضيف الى التكليف كان بمعنى إعلامه، فهو في كل مورد بحسبه، كما لا محذور في نسبة الفعل الى الإسم الموصول لأنها نسبة واحدة، وإنما تكون متعددة ويلزم المحذور إذا قلنا أنَّ المراد من الموصول هو الخصوصيات، فهناك تعُّلق واحد ونسبة واحدة هي نسبة الفعل الى الإسم الموصول بمعناه الكلي، فلا محذور ويمكن الإستدلال بالآية على البراءة.
الملاحظة عليه:
هذا الوجه يرجع في واقعه الى أنَّ هناك نسبة جامعة بين النسبتين - نسبة الفعل الى المفعول به ونسبة الفعل الى المفعول المطلق - والهيئة مستعملة فيها وهي نسبة ثالثة غير النسبتين، وليست الهيئة مستعملة في كل واحدة من النسبتين، وهذه النسبة لا تخلو إما أن تكون جامعاً حقيقياً بين النسبتين بحيث تمثل واقع النسبة وتكون نسبتها الى النسبتين على السواء، وكل واحدة منهما تكون فرداً لها، ولكن هذا خلاف ما ثبت في بحث المعاني الحرفية من أنَّ النسب متباينة ذاتاً ويستحيل إنتزاع جامع حقيقي ماهوي منها، وذلك لأنَّ كل نسبة متقومة بطرفيها وتزول بزوالهما أو بزوال أحدهما فلا يمكن إنتزاع الجامع الحقيقي منها، فإنَّ إنتزاع الجامع من الأفراد إنما يكون بالحفاظ على الذاتيات وإلغاء الخصوصيات كإنتزاع الإنسان من زيد وعمر المشتركان في الناطقية مع إلغاء خصوصيات كل منهما، وهذا غير معقول في النسب لأنها متقومة بطرفيها فإذا أُدخل طرفي نسبة خاصة في الجامع لم يكن جامعاً بين نسبة ونسبة أخرى لأنّ الثانية متقومة بطرفين آخرين، وليس هناك ذاتيات يمكن الحفاظ عليها لانتزاع الجامع الماهوي في النسب.
وأما إذا كان المقصود منها هو نسبة ثالثة مباينة لهاتين النسبتين لكنها تتلاءم معهما، بمعنى أنَّ إسم الموصول إذا أريد به المال أو الفعل فنسبة الفعل إليه هي نسبة الفعل الى المفعول به، وإذا أريد به التكليف والحكم فنسبة الفعل إليه هي نسبة الفعل الى المفعول المطلق، وأما النسبة الى الإسم الموصول فهي نسبة أخرى مباينة للنسبتين وهي نسبة الفعل الى الإسم الموصول بمعناه العام الكلي وهي تنسجم مع إطلاق الإسم الموصول وشموله للتكليف فيصح الإستدلال بالآية.
والملاحظة عليه:
إنَّ هذا الفرض وإن كان ممكن ثبوتاً لكن يشكل إثباته بنحو يمكن التمسك بإطلاق الآية لشمولها للتكليف المشكوك، وذلك لأنّ إثبات شمول إسم الموصول للتكليف يتوقف على إجراء مقدمات الحكمة في الإسم الموصول وهي غير تامة وذلك بإعتبار وجود ما يصلح أن يكون قرينة على التقييد وإثبات أنَّ المراد بالإسم الموصول في الآية هو خصوص المال، والقرينة هي سياق الآيات التي تتحدث عن الإنفاق، وبعبارة أخرى إنَّ الآية تكون مجملة من ناحية شمولها للتكليف لوجود قرينة تمنع من التمسك بالإطلاق، والقدر المتيقن منها هو المال، وعليه لا يصح الإستدلال بإطلاق الآية لإثبات شمولها للتكليف حتى يُستدل بها على البراءة.
هذا هو الوجه الأول مع الملاحظة عليه.