44/07/07
الموضوع: الأصول العملية/ تمهيد / الإعتراضات على التقديم على أساس الحكومة
الملاحظة على جواب المحقق النائيني قده على إعتراض المحقق الخراساني قده:
إنَّ اليقين المأخوذ عدمه في دليل الإستصحاب - وهو اليقين الناقض للإستصحاب - إن قلنا أنَّ المراد به هو الأعم من اليقين الوجداني واليقين التعبدي فحينئذٍ يكون دليل إعتبار الأمارة وارداً على دليل الإستصحاب كما تقدم في تقريبات الورود، وذلك لأنَّ الإمارة بدليل اعتبارها تورث اليقين التعبدي بإرتفاع الحالة السابقة ومع حصوله يرتفع موضوع الإستصحاب حقيقة كما هو الحال في حصول اليقين الوجداني، فلا حكومة.
فلابد - لإفتراض الحكومة - من القول بأنَّ المراد به هو خصوص اليقين الوجداني، فكأنَّ دليل الإستصحاب يقول يجب البناء على الحالة السابقة بشرط أن لا تتيقن يقيناً وجدانياً بارتفاعها، وحينئذٍ يقال:
إنَّ دليل إعتبار الأمارة يعني إعتبارها علماً وتنزيلها منزلة اليقين الوجداني، والتنزيل يعني ترتُّب آثار المنزَّل عليه على المنزَّل، فتنزيل الفقاع منزلة الخمر يعني أنَّ الأحكام الثابتة للخمر تثبت للفقاع، فدليل اعتبار الأمارة يعني أنَّ الآثار المترتبة على العلم الوجداني تثبت للأمارة، ومن جملة آثاره رفعه لموضوع الإستصحاب حقيقة، فيثبت ذلك للأمارة ولكن تعبداً وهو معنى الحكومة، فدليل إعتبار الأمارة يرفع الشك تعبداً فيكون حاكماً على دليل الإستصحاب.
والحكومة بهذا التقريب تشتمل على النظر لأنَّ دليل اعتبار الأمارة إذا كان مفاده تنزيلها منزلة اليقين الوجداني فلا بد من فرض آثار لليقين الوجداني أولاً، وأنَّ دليل إعتبار الأمارة يكون ناظراً لتلك الآثار ويعمل على توسعتها ثانياً، فيقول هذه الآثار لا تختص باليقين الوجداني وإنما تتسع وتترتب على الأمارة، فتكون رافعة للشك، وبذلك تكون حاكمة على دليل الإستصحاب، وهذا نظر من دليل اعتبار الأمارة الى دليل الإستصحاب، ولزيادة التوضيح نقول:
اليقين المأخوذ في دليل إستصحاب هو يقين موضوعي، ودليل إعتبار الأمارة كما يدل على قيامها مقام القطع الطريقي لإثبات التنجيز والتعذير كذلك يستفاد منه قيامها مقام القطع الموضوعي، فدليل اعتبار الأمارة علماً له أثران: أحدهما قيام الأمارة مقام القطع الطريقي في التنجيز التعذير وهو المتيقن من دليل التنزيل، والآخر قيامها مقام القطع الموضوعي، وعدم اليقين المأخوذ في دليل الإستصحاب يكون قطعاً موضوعياً، وقد ذكروا أنَّ القطع الموضوعي أعم من أخذ نفس القطع أو أخذ عدمه في موضوع الحكم الشرعي، والبناء على الحالة السابقة حكم شرعي أُخذَ في موضوعه عدم اليقين بارتفاع الحالة السابقة، ودليل اعتبار الأمارة يستفاد منه تنزيلها منزلة العلم بلحاظ القطع الطريقي في التنجيز والتعذير، وبلحاظ القطع الموضوعي فتقوم مقام العلم الوجداني بارتفاع الحالة السابقة فترفع موضوع الإستصحاب ولكن تعبداً، فالحكومة ثابتة والنظر حاصل.
والحاصل: لا بد من فرض وجود آثار مترتبة على العلم في مرحة سابقة ويكون دليل التنزيل ناظراً إليها وموسعاً من دائرتها فتترتب هذه الآثار على الأمارة كما تترتب على العلم الوجداني، فإنكار النظر ليس في محله.
نعم ليس الميزان في النظر هو ما ذكره المحقق الخراساني قده من لغوية الدليل الحاكم عند فرض عدم الدليل المحكوم، فهذا غير متحقق في محل الكلام، فلو فرضنا عدم وجود دليل الإستصحاب فمع ذلك لا يكون دليل إعتبار الأمارة لغواً لترتب أثر آخر عليها كاف في رفع اللغوية، فالحكومة ثابتة والميزان المذكور غير صحيح.
ودعوى أنَّ الحكومة التنزيلية لا يعتبر فيها النظر كما أجاب المحقق النائيني قده غير صحيحة أيضاً، والصحيح في المقام أنَّ النظر معتبر في الحكومة حتى التنزيلية فضلاً عن التفسيرية لكن الميزان فيه ليس ما ذكره صاحب الكفاية بدليل تحقق النظر في الحكومة التنزيلية كما تقدم من دون أن يلزم من فرض عدم المحكوم لغوية الدليل الحاكم.
وبعبارة أخرى دليل إعتبار الأمارة علماً يترتب عليه أثران: الأول تنزيلها منزلة القطع الطريقي في التنجيز والتعذير، والثاني قيامها مقام القطع الموضوعي في ترتيب الآثار المترتبة عليه، فإذا لزم لغوية التنزيل بلحاظ الأثر الثاني عند فرض عدم المحكوم فهذا لا يعني لغوية الحاكم لوجود أثر آخر له وهو قيامها مقام القطع الطريقي في التنجيز والتعذير.
ومن هنا يظهر أنَّ الإعتراض الأول على الحكومة غير تام.
الإعتراض الثاني - وهو المهم - إنَّ دعوى الحكومة مبنية على مسلك جعل الطريقية واعتبار الأمارة علماً وإلغاء إحتمال الخلاف ما شئت فعبر، وأما مع إنكار إعتبارها كذلك وأنَّ غاية ما يثبت بدليل إعتبارها هو أنها تكون منجزة ومعذرة ومعه لا مجال لدعوى الحكومة، وهذا المسلك محل كلام كما تقدم في موارد عدة، وعمدة الإشكال فيه هو عدم الدليل على هذه الدعوى إذ لا يوجد لدينا خطاب يدل على إعتبار الأمارة علماً وتنزيلها منزلته بلحاظ الآثار المترتبة عليه، فهذا بحاجة الى بيان ولسان آخر غير لسان صدِّق العادل وهو مفقود، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى إنَّ الإرتكاز العقلائي لا يساعد عليه أيضاً إذ ليس للعقلاء قطوع موضوعية حتى يُدعى أنهم ينزلون الأمارة منزلة القطع الموضوعي في أحكامهم! هذا هو عمدة الإشكال على دعوى الحكومة.
ومن هنا يظهر عدم تمامية دعوى الورود ودعوى الحكومة ودعوى التخصيص، فتقديم الأمارة على الاستصحاب على أساس هذه الوجوه غير ثابت بالدليل.
الحكومة المضمونية
نعم يمكن أن يقال أنَّ الحكومة لا تنحصر بالحكومة التفسيرية والحكومة التنزيلية وإنما هناك نوع آخر من الحكومة وهي الحكومة المضمونية التي يمكن أن تدعى في محل الكلام، فإذا تمت يكون دليل إعتبار الأمارة حاكماً على دليل الإستصحاب على أساسها لا على أساس الحكومة التفسيرية ولا الحكومة التنزيلية.
وقد تقدم أنَّ الحكومة التفسيرية هي أن يكون الدليل الحاكم مفسراً للدليل المحكوم كما في قوله أي وأعني وأقصد ونحوها، وأنَّ الحكومة التنزيلية تعني تنزيل الشارع شيئاً منزلة شيء آخر في ترتيب الآثار عليه كتنزيل الطواف منزلة الصلاة فيكون الدليل الدال على التنزيل حاكماً على دليل المُنزَّل عليه.
وأما الحكومة المضمونية فهي أن يُفهم من الدليل بحسب لسانه وبمناسبات الحكم والموضوع والإرتكازات العقلائية الفراغ عن مضمون دليل آخر، وهذه الحكومة لا يُصرّح فيها بالتفسير، كما أنها ليست قائمة على التنزيل، وإنما تكون بين دليلين أحدهما مضمونه يكون ناظراً الى مضمون دليل آخر بحيث يفهم منه عرفاً أنه بمثابة الإستثناء منه، وقد طُبقت بشكل واضح على أدلة نفي الضرر ونفي الحرج بالنسبة الى أدلة الأحكام الأولية، فإنَّ الأخيرة تُثبت الأحكام مطلقاً - أي في موارد الضرر وفي موارد الحرج وفي غيرها - لولا ورود أدلة نفي الضرر وأدلة نفي الحرج التي يفهم منها أنَّ الأحكام الضررية والحرجية غير مشرَّعة فتكون حاكمة على أدلة الأحكام الأولية.