44/07/05
الموضوع: الأصول العملية/ تمهيد / تقديم الأمارات على الأصول على أساس الورود
الرأي الثالث تقديم الأمارات على الأصول العملية على أساس الورود، وله عدة تقريبات:
التقريب الأول: إنَّ العلم واليقين المجعول غاية في أدلة الأصول العملية كقوله عليه السلام (حتى تعلم أنه حرام)[1] في أدلة أصالة الإباحة وكذا اليقين الذي أخذ عدمه في دليل الإستصحاب (..ولا تنقض اليقين أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر)[2] الذي يعني أنَّ الحكم ببقاء الحالة السابقة مقيد بعدم اليقين بالخلاف، أي عدم اليقين بارتفاع الحالة السابقة، فهذا العلم واليقين المراد به هو مطلق الحجة لا خصوص اليقين بمعنى الجزم والإنكشاف التام للواقع، وإنما ذُكر باعتباره أبرز الحجج ولم يؤخذ بخصوصيته التي تميزه عن سائر الحجج، وعليه فإذا قامت الحجة إرتفع موضوع الاستصحاب حقيقةً وهو معنى الورود.
ويلاحظ عليه: إنَّ هذا التقريب مبني على تفسير اليقين والعلم بمطلق الحجة وليس هو خصوص الكاشف التام عن الواقع وإلا لم ترفع الأمارة القائمة على الخلاف موضوع الإستصحاب لأنها تجتمع مع الشك، فالأمارة القائمة على طهارة ثوب متيقن النجاسة سابقاً تجتمع مع الشك في بقاء الحالة السابقة، ولا تكون واردة على دليل الإستصحاب إلا إذا قلنا أنَّ اليقين في دليله أُخذ بما هو حجة فيكون الموضوع هو عدم قيام الحجة على الخلاف فإذا قامت الأمارة على ذلك إرتفع موضوع الإستصحاب حقيقة وتحقق الورود، ولكن هذا بحاجة الى قرينة.
التقريب الثاني: إنَّ الرافع لموضوع الاستصحاب حقيقة هو اليقين بحجية الأمارة، فاليقين السابق بنجاسة الثوب يرتفع باليقين بحجية الأمارة القائمة على طهارته لا بقيام الأمارة على طهارته، وذلك باعتبار أنَّ الأمارة وسائر الحجج لابد أن تنتهي في حجيتها الى القطع واليقين وإلا لزم التسلسل، وهذا اليقين بحجيتها هو الذي يكون رافعاً لليقين بالحالة السابقة وبذلك يتحقق الورود.
ويلاحظ عليه إنَّ اليقين الناقض لليقين السابق لابد أن يتعلق بارتفاع الحالة السابقة فالرافع لليقين بنجاسة الثوب هو اليقين بطهارته، وأما اليقين بحجية الأمارة الدالة على طهارة الثوب فلا يعتبر ناقضاً لليقين السابق ولا يكون موجباً لإرتفاع موضوع الإستصحاب حقيقة حتى يكون وارداً عليه.
التقريب الثالث: أن يقال إنَّ المقصود باليقين هو اليقين الوجداني والكاشف التام عن الواقع لكن المراد بمتعلق اليقين هو الأعم من النجاسة الواقعية المعلومة ومن النجاسة الظاهرية الثابتة بالدليل، فدليل الإستصحاب يقول يجب البناء على بقاء النجاسة عند الشك في ارتفاعها، وأنَّ هذا اليقين لا يرتفع إلا بيقين وجداني بالطهارة لكن المتيقن هو الأعم من الطهارة الواقعية المعلومة والطهارة الظاهرية الثابتة بالدليل المعتبر، فموضوع الإستصحاب هو الشك في بقاء الحالة السابقة مع عدم اليقين بالطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، فكما يرتفع موضوع الإستصحاب حقيقة بحصول اليقين بالطهارة واقعاً فكذلك يرتفع إذا قامت الأمارة المعتبرة على الطهارة، وبذلك يكون دليل إعتبار الأمارة وارداً على دليل الإستصحاب ورافعاً لموضوعه حقيقة.
ويلاحظ عليه أنه بحاجة الى قرينة أيضاً فإنَّ الدليل يقول (وإنما تنقضه بيقين آخر) والظهور الأولي له هو أنَّ اليقين الناقض الذي أُخذ عدمه هو اليقين بارتفاع الحالة السابقة واقعاً لا اليقين بارتفاعها ظاهراُ وبطهارة ثابتة بالدليل، فهذا التعميم خلاف الظاهر.
التقريب الرابع: أن يدعى أنَّ المستفاد من دليل الإستصحاب - الدال على حرمة نقض اليقين بالشك - هو أنَّ المنهي عنه هو نقض اليقين إستناداً الى الشك، فيقال: عند قيام الأمارة على خلاف الحالة السابقة لا يكون رفع اليد عنها مستنداً الى الشك وإنما يستند الى الأمارة المعتبرة، وهذا ليس منهياً عنه وليس نقضاً لليقين بالشك، فتجري الأمارة ولا يكون ذلك مخالفاً لدليل الاستصحاب.
وهذا يعني أنه بقيام الأمارة على إرتفاع الحالة السابقة لا يكون دليل الإستصحاب شاملاً لذلك المورد، وذلك باعتبار إرتفاع موضوعه - وهو نقض اليقين السابق إستناداً الى الشك - ومعه يكون المورد مشمولاً لدليل حجية الأمارة فقط، وهذا يعني إرتفاع موضوع الإستصحاب حقيقة، وهو معنى الورود.
ويلاحظ عليه: إنَّ لازم هذا التقريب هو أنَّ المكلف إذا رفع يده عن الحالة السابقة استناداً الى شيء آخر كاستجابة لالتماس بعض إخوانه - لا الى الشك ولا إلى الأمارة المعتبرة - فإنه يجوز له رفع يده عن الحالة السابقة وهذا ما لا يقول به أحد، ولا إشكال في أنَّ دليل الإستصحاب شامل لمثل هذا المورد وينهى عن نقض اليقين بدواعي أخرى غير الشك.