44/06/16
الموضوع: الأصول العملية/ تمهيد / تعريف المحقق الخراساني ومناقشته
كان الكلام في ما ذكره المحقق الخراساني من أنَّ الميزان الذي ذكروه لدخول المسألة في علم الأصول - وهو وقوعها في طريق إستنباط الحكم الشرعي - لا يشمل الأصول العملية التي هي من علم الأصول بلا إشكال فلابد من إضافة قيد لإدخالها، ولذا أضاف الى تعريف علم الأصول قيد (أو التي يُنتهى إليها في مقام العمل) لإدخال هذه المسائل في علم الأصول، فيكون ميزان دخول المسألة هو الأعم من وقوعها في طريق إستنباط الحكم الشرعي أو التي ينتهى إليها في مقام العمل.
والكلام في سبب عدم دخول الأصول العملية بحسب التعريف الذي ذكره المشهور؟
الظاهر وبحسب وجهة نظره قده أنَّ هذه المسائل - كأصالة الحل والاستصحاب بناءً على مسلك جعل الحكم المماثل وقاعدة الطهارة - هي بنفسها أحكام شرعية كلية تطبق على مواردها الخاصة، واستفادة الحكم منها ليس من باب الإستنباط وإنما هو من باب تطبيق الحكم الكلي على أفرداه، فمفاد قاعدة الحل هو حكم شرعي كلي وهو حلية ما يُشك في حليته وتطبيقه على موارده الخاصة ليس من باب الإستنباط، من دون فرق بين أن يكون المستفاد منها بالتطبيق حكماً كلياً كحكم العصير الزبيبي عند الشك فيه أو حكماً جزئياً لهذا الفرد الخارجي، فعلى كل حال لا يدخل ذلك في علم الأصول.
ويتضح الفارق أكثر بملاحظة هذه المسألة مع مسألة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فهي تدخل في قياس الإستنباط وتقع كبرى فيه فيقال:
الصلاة واجبة شرعاً، وكل واجب شرعاً تجب مقدمته شرعاً، فينتج مقدمة الصلاة واجبة شرعاً، وهذه النتيجة - أي وجوب مقدمة الصلاة - ليست مستبطنة في الكبرى لأنَّ الكبرى ليس مفادها حكماً شرعياً وإنما مفادها هو الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، بينما مفاد أصالة الحل وهي تقع الكبرى أيضاً هو حكم شرعي كلي (كل شيء تشك في حليته فهو حلال)، فوجوب مقدمة الصلاة ليس مفروضاً في القياس وإنما نستنبطه بهذا القياس ونُثبت به حكماً شرعياً لم يُفرض وجوده في مرحلة سابقة، هذا هو الإستنباط.
ومن هنا يظهر الجواب عن السؤال المتقدم وهو أنَّ هناك قياس في أصالة الحل وهي تدخل كبرى فيه أيضاً فيقال:
هذا مشكوك الحلية، وكل مشكوك الحلية فهو حلال، فهذا حلال، وجوابه إتضح مما تقدم وهو ليس كل ما يقع كبرى في القياس هو واقع في طريق إستنباط الحكم الشرعي وإنما هذا من باب التطبيق الكلي على أفراده.
ونفس الكلام يأتي في قاعدة الطهارة التي مفادها حكم شرعي كلي (كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس) وقد تثبت الطهارة كحكم كلي كطهارة الحيوان المتولد من كلب وشاة أو تثبت كحكم جزئي لمورد خارجي، فإنَّ إستفادة الحكم فيها ليس هو من باب الإستنباط وإنما هو من باب التطبيق.
وهكذا الكلام في الإستصحاب بناءً على ما ذكره من المجعول فيه هو الحكم المماثل، وأصالة البراءة الشرعية فهي حكم شرعي كلي يطبق على موارده وليس من باب الإستنباط، وكذا الكلام في الإحتياط، فإذا كان المكلف عالماً بالتكليف كوجوب الصلاة وتردد أمرها بين القصر والتمام وكان متمكناً من الإحتياط فيجب عليه الإحتياط، فالإحتياط حكم كلي طُبق على مورده الخاص وليس هذا من باب الإستنباط، فلا تدخل هذه الموارد كلها في علم الأصول بناءً على التعريف المشهور.
ثم يقول لا يمكن التخلص من هذا الإشكال إلا بإضافة هذا القيد (أو التي يُنتهى إليها في مقام العمل) فتدخل هذه المسائل كلها في علم الأصول لأنها ينتهي إليها المكلف في مقام العمل، وعليه كل قاعدة ينتهي إليها المكلف في مقام العمل تدخل في علم الأصول وإن كانت لا تقع في طريق إستنباط الحكم الشرعي.
الإعتراضات على المحقق الخراساني قده
إعترض على ما ذكره المحقق الخراساني بوجوه نذكر بعضها:
الوجه الأول ما ورد في كلمات المحقق الأصفهاني قده وتبعه السيد الخوئي قده، وحاصله:
إنَّ الإشكال نشأ من تفسير الإستنباط الوارد في التعريف وفي ميزان أصولية المسألة بمعنى الإثبات الحقيقي للحكم الشرعي بالعلم أو العلمي، فمسائل علم الأصول هي المسائل التي تقع في طريق الإثبات الحقيقي للحكم الشرعي بعلم أو علمي، أو قل هي التي تقع في طريق إحراز الحكم الشرعي بعلم أو علمي، وحينئذٍ يرد الإشكال فيقال: إنَّ الأصول العملية وما يُلحق بها كقاعدة الطهارة لا تقع في طريق الإثبات الحقيقي للحكم الشرعي لا بعلم ولا بعلمي، بخلاف حجية خبر الثقة فإنها تقع كذلك، وأما الأصول العملية فليس الغرض منها إحراز الحكم المشكوك ولا لسانها لسان إحرازه وإنما هي وظائف عملية تعطى بيد المكلف للخروج عن حالة التردد، وبناءً على هذا لا تدخل الأصول العملية في التعريف كما هو واضح، وأما إذا فسرنا الإستنباط بتحصيل الحجة على الحكم الشرعي أو قل إثبات التكليف في عهدة المكلف أو نفيه عنه بحسب تعبير المحقق الأصفهاني قده ، أو نُفسره بإثبات الحكم الشرعي الجامع بين الإثبات الوجداني والإثبات الشرعي والإثبات تنجيزاً وتعذيراً بحسب تعبير السيد الخوئي قده فتدخل مسائل الأصول العملية في علم الأصول من دون حاجة الى القيد المذكور، إذ لا إشكال في أنَّ الاصول العملية يثبت بها التكليف ولكن في مرحلة التنجيز والتعذير فالإحتياط واستصحاب التكليف يثبتان التنجيز والبراءة واستصحاب عدم التكليف يثبتان التأمين، أو نعبر عن الإستنباط بتحصيل الحجة على الحكم الشرعي فإنَّ الأصول العملية تثبت الحجة على الحكم الشرعي المشكوك تنجيزاً كما في الإحتياط أو تعذيراً كما في البراءة، فتدخل جميع المسائل في علم الأصول.
الوجه الثاني ما عن المحقق النائيني قده بأنَّ الإشكال يندفع عن طريق تفسير (الحكم الشرعي) الوارد في التعريف بالأعم من الحكم الواقعي والحكم الظاهري فإنَّ مسائل الأصول العملية تنتهي الى حكم شرعي ظاهري وهو مستنبط منها فتدخل هذه المسائل في علم الأصول.
نعم هذا الوجه لا ينفع في إدخال الأصول العملية العقلية إذ لا ننتهي بها الى حكم واقعي ولا الى حكم ظاهري.