44/06/14
الموضوع: الأصول العملية/ تمهيد / عدد الأصول العملية ووجه إنحصارها
عدد الأصول العملية ووجه إنحصارها
هل تنحصر الأصول العملية في الأربعة المعروفة البراءة والاشتغال - المسمى بالإحتياط - والاستصحاب والتخيير؟
ذكروا بأنَّ الحصر في الأربعة هو حصر إستقرائي وليس عقلياً، فيمكن أن يجعل الشارع أصلاً آخر، كما إذا فرضنا أنه جعل الإباحة في مورد الشك بين الوجوب والإستحباب، ففرض ذلك ليس محالاً.
نعم حصر هذه الأصول الأربعة بلحاظ الموارد قالوا هو حصر عقلي دائر بين النفي الإثبات، وله تقريبات نذكر أحدها:
إنَّ الشك العارض للمكلف في الشبهة الحكمية إما أن يكون مسبوقاً بحالة سابقة إعتبرها الشارع أو لا - وهذا الثاني أعم من عدم الحالة السابقة أصلاً أو تكون هناك حالة سابقة لكن لم يعتبرها الشارع كما إذا بنينا في باب الإستصحاب على التفصيل المعروف بين الشك في الرافع والشك في المقتضي وذهبنا الى أنه ليس حجة في الشك في المقتضي فهنا توجد حالة سابقة لكن الشارع لم يعتبرها، أي لم يأمر بالبناء على بقاء المقتضي، نعم إذا أحرزتَ المقتضي وشككتَ في وجود ما يرفعه فيُبنى على عدم الرافع - والأول مجرى الإستصحاب، وأما الثاني فينقسم الى ما إذا كان الشك في أصل التكليف والى ما كان الشك في المكلف به بعد العلم بأصل التكليف، والأول مجرى البراءة، وعلى الثاني فتارة يمكن الإحتياط وأخرى لا يمكن ذلك والأول مجرى للإحتياط والثاني مجرى لأصالة الإشتغال، ومن أمثلة الأول دوران الأمر بين القصر والتمام لتمكن المكلف من الإحتياط بالجمع بينهما، والثاني - أي إن لم يمكن الإحتياط - فهو مورد التخيير كما في موارد دوران الأمر بين محذورين كما إذا نذر ولم يعلم أنه نذر فعل المتعلق أو تركه فيدور الأمر بين وجوب الفعل أو وحرمته، فالحصر عقلي والقسمة دائرة بين النفي والإثبات.
وهناك تقريبات أخرى للحصر العقلي لهذه الأصول الأربعة بلحاظ الموارد مذكورة في المطولات.
قد يقال: إنَّ وجه الحصر في الأصول الأربعة هو أنَّ تعريف علم الأصول لا ينطبق إلا عليها، وإلا لمَ لا تدخل أصول أخرى كأصالة الطهارة وأصالة الصحة وقاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز والحال أنها أصول تجري في حال الشك أيضاً، فيقال إنَّ تعريف علم الأصول لا ينطبق إلا على هذه الأربعة، وهذا هو سبب الحصر، وما غير الأربعة يُبحث في الفقه، وتوضيحه:
إشترط في تعريف علم الأصول أن تقع المسألة في طريق إستنباط الحكم الشرعي الكلي، بمعنى توظيفها في ذلك، فكل مسألة تقع في طريق إستنباط الحكم الشرعي الكلي تدخل في علم الأصول وإلا فلا تدخل فيه، ووقوعها كذلك يكون في الشبهات الحكمية فنستنبط الحكم الشرعي بالاستعانة بالإستصحاب مثلاً فيكون مقدمة من مقدمات إستنباط الحكم الشرعي الكلي، فلو كنا على يقين من حرمة شيء ثم شككنا في بقائها فهذه شبهة حكمية فاذا إفترضنا جريان إستصحاب الحرمة فقد وقع الإستصحاب في طريق إستنباط الحكم الشرعي الكلي، وكذا لو كنا على يقين من طهارة حيوان ثم شككنا في بقائها فنستصحب بقائها فيثبت حكم شرعي كلي وهو الطهارة، وكذا الكلام في البراءة والإحتياط والتخيير، فكلها تقع في طريق إستنباط الحكم الشرعي الكلي، فالبراءة مثلاً تثبت لنا التأمين من ناحية أكل لحم الأرنب والإباحة حكم شرعي كلي، فتعريف علم الأصول (بأنه العلم الذي يُبحث فيه عن المسائل التي تقع في طريق إستنباط الحكم الشرعي) لا نراه متحققاً في غير هذه الأصول الأربعة، وأما أصالة الصحة فتجري في الشبهات الموضوعية بأن يكون الشك في صحة الفعل المأتي به، وهذه شبهة موضوعية لا يرجع فيها الى الشارع، وإحرازها يكون على عاتق المكلف، فكل شبهة مفتاح حلها بيد الشارع فهي حكمية كما أن كل شبهة لا يُرجع فيها الى الشارع لا تكون حكمية، والشك في الصحة والبطلان من هذا القبيل، ولا يُلتمس من الشارع حلها، كما لا يثبت بها حكم شرعي كلي، وإنما يثبت بها صحة الفعل المأتي به فلا تدخل في علم الأصول، وكذا قاعدتي الفراغ والتجاوز فإنها تجري في الشبهات الموضوعية فالشك في الإتيان بأصل الفعل تجري فيه قاعدة الفراغ تبني على الإتيان به، والشك في صحة الفعل المأتي به بعد تجاوز محله تجري فيه قاعدة التجاوز وتفيد البناء على صحته، وهذه كلها شبهات موضوعية وما يثبت فيها بمقتضى هذه القواعد والأصول ليس حكماً شرعياً كلياً وإن وقعت في طريق إستنباط الحكم الشرعي الجزئي، هذا هو وجه الحصر.
وبناءً عليه يبرز السؤال المعروف وهو: لم لا تدخل أصالة الطهارة في علم الأصول مع أنها تجري في الشبهات الموضوعية والحكمية، فإذا شككت في طهارة حيوان مشتبه - كما لو تولد من حيوان محكوم بالطهارة وآخر ليس محكوماً بها - فأصالة الطهارة تثبت طهارته كحكم شرعي كلي، والقاعدة وقعت في طريق استنباطه؟
إختلفوا في الجواب عن هذا السؤال، فهناك إتجاه يلتزم بعدم دخولها في علم الأصول باعتبار فقدانها لشرط آخر من شروط دخول المسألة في علم الأصول وهو كما ذكر المحقق الخراساني أن لا تختص المسألة بباب من أبواب الفقه بل تكون مطردة في معظم الأبواب، والأصول الأربعة كذلك بخلاف قاعدة الطهارة فإنها مختصة ببابها، ولذا لا تدخل في علم الأصول.