44/05/24
الموضوع: الظن/ الخاتمة مبحث الظن / إعراض المشهور عن الرواية/ مناشئ الإعراض وأحكامها
مناشئ إعراض المشهور عن الرواية:
الكلام عن مناشئ الإعراض تارة يكون ثبوتياً بمعنى إستعراض المناشئ المحتملة للإعراض وبيان حكم كل واحد منها من ناحية إيجابه سقوط الرواية عن الإعتبار أو عدم إيجابه ذلك، وأخرى بأن نفترض الشك في منشأ الإعراض فيكون إعراضهم مردداً بين المحتملات الثبوتية المتقدمة ثم يقع الكلام في الموهنية وعدمها مع فرض الشك في المنشأ.
أما البحث الأول فيمكن تصور عدة مناشئ للإعراض:
الأول: أن يكون ناشئاً من الخلل في سند الرواية.
الثاني: أن يكون ناشئاً من وجود معارض للرواية بنحو يكون هو المقدم بنظر المشهور.
الثالث: أن يكون ناشئاً من اعتقادهم التقية في الرواية، فلا تكون الرواية صادرة لبيان الحكم الواقعي.
الرابع: أن يكون ناشئاً من الخلل في الدلالة، بمعنى أنَّ الدلالة التي نفهمها وندعي ظهور الرواية فيها لا يراها المشهور ظاهرة من الرواية.
أحكام مناشئ الإعراض
أما المنشأ الأول وهو الخلل السندي فلا بد من فرض أنَّ إعراضهم ليس مبنياً على الإجتهاد وإعمال النظر، والمدعى هو أنه يوجب الموهنية وسقوط الرواية عن الإعتبار، وتخريجه بأن يدعى وقوع التعارض بين التوثيق والتضعيف، والقاعدة في مثله تقتضي التساقط وعدم ثبوت التوثيق، نعم الخلل السندي الذي بنى عليه المشهور قد لا يمكننا تعيينه براوٍ واحد أو أكثر فيكون تضعيفاً إجمالياً، وقد يمكن تعيينه في راوٍ واحد كما إذ فُرض أنَّ جميع رواة السند لا إشكال في وثاقتهم ما عدا واحد ولا فرق بينهما في النتيجة، وهذا كله إذا كان الخلل في السند من جهة وثاقة الراوي.
وأما إذا كان الخلل في السند من جهة الإرسال كما إذا فرضنا الإختلاف في الطبقة فلا يمكن أن يروي هذا الراوي عمن ذُكر بعده فهل يؤثر ذلك في وهن الرواية؟
قد يقال: لا يؤثر ذلك في وهن الرواية وخروجها عن حد الإعتبار بل يُبنى على حجيتها وجواز العمل بها بناءً على أنَّ المناط في حجية الخبر هو وثاقة الراوي، والمفروض في محل الكلام عدم الخلل في وثاقة الرواي، فيقال هذه الرواية رواها الثقات فتكون مشمولة لأدلة الحجية ويُبنى على حجيتها، وأما إحتمال الإرسال الناشئ من إعتقاد المشهور الإرسال في الرواية فيقال إنَّ هذا لا يؤثر في عملنا بهذه الرواية التي نراها غير مرسلة بل مستكملة لشرائط الحجية.
وقد يقال بعكس ذلك: أي أنَّ إعراض المشهور الناشئ من إعتقاد الإرسال في الرواية يمنعنا من العمل بها أما بناءً على أنَّ المناط في الحجية هو الوثوق بالصدور فباعتبار أنَّ ذهاب المشهور الى وجود الإرسال يُشكل قرينة معاكسة تمنع من حصول الوثوق بالصدور، وكيف يحصل الوثوق بالصدور مع ذهاب المشهور الى إرسال الرواية مع قربهم من عصر النص وكونهم أكثر إحاطة بأحوال الرواة وطبقاتهم! فكل ذلك يُشكل إحتمالاً كبيراً عند المتأخر ويمنع من حصول الإطمئنان والوثوق بالصدور لديه.
وأما بناءً على أنَّ المناط في الحجية هو الوثاقة فقد يقال إنَّ ما ذُكر لا يصح لأنَّ مناط الحجية موجود وهو وثاقة الرواة وأما إحتمال الإرسال فلا يؤثر شيئاً، فهل يصح ذلك؟
والجواب: إنَّ هذا لا يصح لما تقدم من أنَّ الظاهر من الأدلة التي تشترط الوثاقة - الأدلة اللفظية والسيرة - هو أنها ليست مأخوذة في حجية الخبر على نحو الموضوعية وإنما هي مأخوذة على نحو الطريقية، أي بما لها من الكاشفية النوعية عن الواقع، فحتى إذا قلنا أنَّ المناط في الحجية هو وثاقة الراوي فتلك الدرجة من الكاشفية عن الواقع المأخوذة في حجية الخبر سوف تختل بإفتراض وجود قرينة معاكسة لها وهي إعراض المشهور، وهذا واضح بالقياس الى خبر يرويه الثقة ولا توجد في قباله قرينة معاكسة، فدرجة الكاشفية تكون متفاوتة بينهما، ومع إختلال درجة الكشف في الخبر المبتلى بقرينة معاكسة لا تبقى الحجية ثابتة له.
ومن هنا يظهر أنَّ المنشأ الأول للإعراض وهو الخلل السندي سواء كان ناشئاً من جهة وثاقة الرواة أو من جهة الإرسال فهو يمنع من العمل بالرواية بالنسبة الى إلينا سواءً قلنا أنَّ المناط في الحجية هو الوثوق بالصدور أو قلنا هو وثاقة الراوي ولكن مع تفسيره بما تقدم، لا بالتفسير المطروح من قبل السيد الخوئي قده وغيره هو أنَّ المناط في الحجية على الوثاقة وأنها تدور مداره وجوداً وعدماً كما.
وأما المنشأ الثاني وهو وجود معارض للرواية، فلا بد فيه من إفتراض عدم وصول هذا المعارض إلينا، أو وصوله ولكن لا نراه معارضاً، وأما إذا إفترضنا وصوله إلينا وكنا نراه معارضاً للرواية فهذا خارج عن محل الكلام ويدخل حينئذ في باب التعارض ونعمل حينئذٍ بما يقتضيه، ولكن الفرض هو أنَّ الرواية تامة من جميع الجهات بنظرنا وهذا يعني عدم وجود معارض لها.
فمحل الكلام فيما إذا أحرزنا إعراض المشهور عن الرواية وأنه ناشئ من اعتقادهم وجود معارض لها وأنه هو الذي منعهم من العمل بها إما لوجود ما يوجب ترجيح المعارض على هذه الرواية وإما لتساقط المتعارضين، كما أنَّ المفروض هو عدم وصول المعارض إلينا أو وصوله ولكننا لا نراه معارضاً، فما هو الحكم في المقام؟
فإذا قلنا أنَّ المناط في الحجية هو الوثوق بالصدور فقد يقال بسقوط الرواية عن الإعتبار بمعنى أنَّ هذا الإعراض يوجب موهنية الرواية وذلك لعدم حصول الوثوق بصدور هذه الرواية بعد إعتقاد المشهور وجود المعارض لها وتركه العمل بها لأجل لذلك.
وقد يقال في مقابل ذلك إنَّ إعراضهم لا يوجب إلا إحتمال وجود ما يكون معارضاً للرواية، أي علم لدينا بوجود هذا المعارض.
وعليه نقول إنَّ العمل بهذه الرواية أو عدم العمل بها بالنسبة إلينا يبتني على أنَّ حجية الرواية هل تتوقف على إحراز عدم المعارض أو يكفي فيه عدم إحراز المعارض؟