44/05/23
الموضوع: الظن/ الخاتمة مبحث الظن / إعراض المشهور عن الرواية المعتبرة سنداً
الشروط المعتبرة في كون الإعراض موجباً لوهن الرواية:
الشرط الأول: إحراز إطلاع المشهور على الرواية وإلا لم يصدق الإعراض أصلاً، وقد تقدم بيان بعض الطرق لإحراز اطلاعهم.
الشرط الثاني: أن يكون الإعراض حاصلاً من قبل القدماء، وأما إعراض المتأخرين فلا يكون موجباً لوهن الخبر وسقوطه عن الإعتبار.
وقد يقال في قبال ذلك إنَّ المتأخرين لا يقلُّون خبرة ودراية بالأخبار من المتقدمين، وذلك باعتبار وصول ما لدى المتقدمين الى المتأخرين وزيادة، ويؤيد ذلك بأن كشف الإعراض عن وهن الخبر قائم في حقيقته على حساب الإحتمالات فإنَّ عدم عمل فقيه واحد برواية تامة سنداً يكشف عن إعتقاده وجود خلل فيها، وكذلك يكشف عن وجود خلل واقعاً في هذه الرواية بنسبة معينة، فإذا ضممنا إليه إعراض فقيه آخر والذي يكشف عن كِلا الأمرين - أي إعتقاد الخلل ووجوده واقعاً -وضممنا إليهما ثالث الى عشرة فقهاء مثلاً فلا إشكال في زيادة إحتمال وجود خلل واقعاً في هذه الرواية، وكلما زاد عدد المعرضين - حتى تحصل الشهرة - زاد إحتمال الخلل واقعاً فيها، بل قد يحصل إطمئنان بوجوده فيها، فإذا كان هذا الكشف قائم على حساب الإحتمالات - ولا نحتمل وجود دليل يقول إنَّ إعراض المشهور يوجب سقوط الرواية عن الإعتبار - سقط إعتبار هذا الشرط في خصوص القدماء.
وهذا الحساب يتأثر بعوامل كمية وكيفية عديدة تأثر في سرعة أو بطء الوصول الى النتيجة، فإذا تم ذلك فقد قيل أنَّ إعراض المتأخرين لابد أن يؤخذ بنظر الإعتبار وإن كان حصول الإطمئنان من إعراضهم أقل بالنسبة الى حصوله من إعراض المتقدمين، فحساب الإحتمالات الذي تبتني عليه الموهنية يمكن أن يجري في إعراض المتأخرين ولو بنحو أقل.
نعم الفرق بين الإعراضين يكمن في أنَّ العامل الكيفي في إعراض المتقدمين يساعد على سرعة حصول الإطمئنان لقربهم من عصر النص ولمعرفتهم بأحوال الرواة ومعاصرتهم لكثير منهم، وهذا العامل قد يكون مفقوداً في إعراض المتأخرين ولكنه لا يعني إلغاءه من الحساب.
ويضاف الى ذلك إنَّ إعراض المتأخرين إذا إقتران بعمل المتقدمين بالرواية فلا يكون له أثر ولا يكون كاشفاً عن وجود خلل في الرواية بنحو يُسقطها عن الإعتبار، وذلك لوجود قرينة معاكسة وهي عمل المتقدمين، هذا إذا لم نقل أنَّ عمل المتقدمين يوجب الإطمئنان بعدم وجود خلل فيها، وإما إذا إتفقا فيوجب ذلك وهن الرواية بلا إشكال، فمع الأخذ بكل ذلك لا يجوز إلغاء إعراض المتأخرين في محل الكلام.
الشرط الثالث: إنَّ محل النزاع إنما هو في إعراض مشهور القدماء في قبال إتفاق القدماء على العمل بالرواية، والثاني بمعنى إعراض جميع القدماء الذي يُعبر عنه بالهجران، وهو خارج عن محل الكلام، إذ لا إشكال في إنه يوجب سقوط الرواية عن الإعتبار وذلك باعتبار أنه يوجب حصول القطع بوجود خلل في هذه الرواية.
ولا فرق في نظرنا بين الإعراض وبين الهجران فالجميع يدخل في حساب الإحتمالات غاية الأمر أنَّ العامل الكمي في الهجران أكثر منه في الإعراض.
الشرط الرابع: أن يكون الإعراض حسياً أو قريباً من الحس، وأما إن كان اجتهادياً فلا يوجب سقوط الرواية عن الإعتبار، وذلك بإعتبار أن الإعراض الإجتهادي تارة نتبين الوجه فيه فننظر فيه فإما أن نوافقهم عليه أو لا، وعلى الأول تسقط الرواية عن الإعتبار بنظرنا أيضاً، فمثلاً لو كانوا يبنون في إعتبار الرواية على أن يكون الراوي إمامياً أو عادلاً - بالمعنى الفقهي في إمام الجماعة وفي الشهود - وكان الراوي فاقداً لذلك فلا تكون الرواية معتبرة عندنا أيضاً بعد إفتراض موافقتهم في هذا الوجه الإجتهادي، وهذا خارج عن محل الكلام، وأما إذا لم نوافقهم في الرأي الإجتهادي فلا يكون إعراضهم موجباً لسقوط الرواية عن الإعتبار لأنَّ اجتهادهم ليس حجة علينا.
وأخرى لم نتبين الوجه في إعراضهم واجتهادهم فالظاهر أنه لا يمنع من العمل بالرواية، وذلك باعتبار أنها بحسب ما نظرنا تامة سنداً ومستكملة لجميع شروط الحجية، نعم نحتمل أننا لو اطلعنا على الوجه في إعراضهم فقد نوافقهم عليه إلا أنه مجرد إحتمال لا أثر له، وهذا نظير لو أنَّ فقيهاً كوَّن رأياً في مسألة وبلغه أنَّ هناك رأياً مخالف لرأيه من دون أن يعرف وجهه فالظاهر أنه لا إشكال عندهم في أنه يعمل برأيه ويكون هو الحجة عليه، ولا يمنع منه وجود رأي مخالف له لا يعرف وجهه، وما نحن فيه من هذا القبيل فلا يمنع الإعراض الإجتهادي لمشهور القدماء مع عدم معرفة وجهه من العمل بالرواية
فالإعراض الإجتهادي لا يوجب وهن الرواية وسقوطها عن الإعتبار سواءً علمنا بالوجه الذي إستند إليه المشهور وخالفناهم فيه أو لم نعلم ذلك، فالشرط هو أن يكون الاعراض ناشئاً عن حس أو قريب من الحس، فالإختلاف في وثاقة راوٍ معين بأن اعتقد المتقدمون عدم وثاقته حساً إما لمعاصرته أو لما وصل إليهم من كتب الرجال وإفترضنا أننا نرى وثاقة هذا الرواي فهذا الفرض داخل في محل الكلام.