44/05/19
الموضوع: الظن/ الخاتمة مبحث الظن / إعراض المشهور عن الرواية المعتبرة سنداً
البحث الثالث: إعراض المشهور عن الرواية التامة سنداً هل يوجب وهنها وسقوطها عن الإعتبار؟
المنسوب الى المشهور أنه يوجب ذلك، ولذا نُقل عنهم (كلما إزداد الخبر صحة إزداد وهناً بإعراض المشهور)، وفي مقابل ذلك ذهب المحقق الخراساني قده الى عدم الموهنية وبقاء الخبر على الحجية وإن أعرض عنه المشهور، وقد إختار التفصيل فهو يرى أنَّ الخبر الضعيف يُجبر بعمل المشهور، وأما أعراضهم عن الخبر التام سنداً فلا يوجب وهنه.
دليل الموهنية:
ويُستدل للموهنية بأنَّ الخبر التام سنداً إذا أعرض عنه المشهور فلا تشمله أدلة حجية خبر الواحد، فلا يكون حجة، فكأنه يقال إنَّ أدلة الحجية تختص بالخبر الذي يرويه الثقة إذا لم يُعرض عنه المشهور، فهذه الأدلة لا تشمل الخبر المُزاحم بأمارة لا تقل عن وثاقة الرواية في الأمارية والكاشفية، وهي هنا إعراض المشهور وعدم عملهم بالخبر.
والسر فيه هو أنَّ الوثاقة - التي هي الملاك في الحجية - تكون - بحسب المرتكزات العقلائية والعرفية وبحسب الأدلة المنزلة على هذه المرتكزات - مأخوذة على نحو الطريقية، بمعنى أنَّ الوثاقة هي ملاك للحجية ولكن لا بما هي وإنما باعتبار كاشفيتها عن الواقع بدرجة معينة، وهي المعبَّر عنها بالكاشفية النوعية، فالمأخوذ في الأدلة وإن كانت هي الوثاقة والعادلة إلا أنَّ المرتكزات العقلائية تأبى عن تكون مأخوذة على نحو الموضوعية بحيث تدور الحجية مدار الوثاقة وجوداً وعدماً بقطع النظر عن درجة كاشفيتها عن الواقع، وإنما تناط بها الحجية باعتبار كشفها عن الواقع كشفاً نوعياً بدرجة معينة، وحينئذٍ يقال: إذا زُوحمت وثاقة الراوي بأمارة لا تقل عنه في الكاشفية النوعية فلا محالة من تأثير ذلك على درجة الكشف فيه، فتكون أقل مرتبة من كشف خبر الثقة غير المزاحم بأمارة من هذا القبيل، ومع إختلاف درجة الكشف في الخبر المزاحَم لا تكون أدلة الحجية شاملة له، فيسقط عن الإعتبار، وبعبارة أخرى: لا تبقى للخبر الكاشفية النوعية التي فرضنا أنها الملاك في جعل الحجية له.
دليل عدم الموهنية:
ويُستدل لعدم الموهنية -كما في الكفاية - بأنَّ أدلة حجية خبر الثقة لا تشترط لا الظن بالوفاق ولا عدم الظن بالخلاف، بمعنى أنَّ الأدلة تجعل الحجية لخبر الثقة حتى مع الظن بالخلاف، ومعنى ذلك أنَّ خبر الثقة يبقى حجة وإن قام الظن على خلافه، وهذا يعني أنَّ إعراض المشهور ووجود أمارة - غير معتبرة في حد نفسها بحسب الفرض - توجب الظن بالخلاف لا يؤثر حجية الخبر وتبقى الأدلة شاملة له.
ومن هنا يتبين الفرق في تفصيل المحقق الخراساني قده بين الجابرية وبين الموهنية وهو إنَّ عمل المشهور وإن لم يكن حجة لكنه يوجب حصول الوثوق بصدور الخبر الضعيف أو يوجب الوثوق بمضمونه، والحجية بنظره لا تختص بخبر الثقة بل تعم ما يوثق بصدوره أو يوثق بمضمونه، وأما في محل الكلام فلا يقول بالموهنية لما ذكره من أدلة حجية خبر الثقة تدل على حجيته مطلقاً، أي من دون إشتراط حصول الظن بالوفاق ولا عدم الظن بالخلاف، وإعراض المشهور لا يوجب إلا الظن بالخلاف ولا أثر له بحسب أدلة الحجية.
ويلاحظ عليه - مع صحة ما ذكره من عدم إشتراط حجية الخبر بالظن بالوفاق ولا بعدم الظن بالخلاف - بأنَّ الظن المذكور يُراد به الظن الشخصي كما هو واضح، بمعنى أنَّ خبر الثقة حجة حتى إذا ظننتَ بالخلاف، لأنَّ الظن الموهن هو نفس الظن الجابر في البحث السابق، وقد مرَّ في البحث السابق أنَّ عمل المشهور بالرواية الضعيفة سنداً يجعلها داخلة فيما يوثق بصدوره أو يوثق بمضمونه، وهذا الظن الحاصل هو الظن الشخصي، وعليه نسأل هل حجية خبر الثقة مشروطة بعدم الظن النوعي بالخلاف كما هي غير مشروطة بعدم الظن الشخصي بالخلاف أم لا، هذا هو محل الكلام، وليس الكلام في الظن الشخصي وأنَّ حجية الخبر هل هي مشروطة بعدمه أم لا.
وأما الظن النوعي الحاصل من قيام أمارة على الخلاف والتي لا تقل كاشفيتها النوعية عن خبر الثقة فهل لا تؤثر في حجية خبر الثقة أم لا؟
المستفاد من دليل الموهنية أنه يؤثر على الحجية، لأنّ الوثاقة مأخوذة بإعتبار كاشفيتها النوعية عن الواقع، وهي تتأثر حتماً بقيام أمارة نوعية على الخلاف، وذلك باعتبار أنَّ لها نفس الدرجة من الكاشفية التي في خبر الثقة، أو تزيد عليها، وبذلك تقل درجة الكاشفية فيه بالوجدان، لأنَّ خبر الثقة غير المزاحم بأمارة من هذا القبيل درجة كاشفيته عن الواقع تختلف عن خبر الثقة المزاحم بأمارة من هذا القبيل، ومرجع هذا الى أنَّ حجية خبر الثقة مشروطة بعدم وجود ظن نوعي على الخلاف.
وعلى كل حال هناك شروط لا بد من توفرها أولاً ثم يقع الكلام في أنّ الإعراض موهن للرواية التامة سنداً أو لا، وهي:
الشرط الأول: إطلاع المشهور على الرواية التامة سنداً، وإلا فلا يصدق الإعراض كما هو واضح، ومن هنا يظهر أنه لا بد من إحراز إطلاع المشهور على هذه الرواية، وأما مع الشك في الإطلاع فضلاً عن إحراز عدمه فلا يمكن أن يجري هذا البحث.
ولا يُقصد بالإحراز المذكور الإحراز اليقيني الجزمي وإنما الإحراز بحسب الظاهر، وقد تُذكر طرق لإحراز إطلاع المشهور على الرواية، ومن ذلك:
1. أن تكون مدونة في المجاميع الحديثية القديمة المعروفة.
2. كثرة الإستدلال بالرواية من قبل المتقدمين
3. كثرة طرق الرواية.
الشرط الثاني: أن يكون إعراض المشهور لا عن إجتهاد وإعمال النظر، بل لا بد أن يكون إعراضاً حسياً ناشئاً عن إدراك الخلل في هذه الرواية أوجب طرحها مع تماميتها سنداً والإستدلال بغيرها.