44/05/16
الموضوع: الظن/ الخاتمة / حكم الظن في المسائل التاريخية والتكوينية
تقدم أنَّ خبر الواحد حجة في باب الأحكام، فهل هو حجة في القضايا التاريخية والتكوينية؟
ذكرنا أنَّ ذلك يختلف بإختلاف المسالك في تفسير الحجية، فإن قلنا إنها بمعنى جعل الطريقية واعتبار الظن علماً فتثبت حجية الخبر في هذه القضايا، ولكن بمعنى جواز الإخبار عنها، وهذا من نتائج قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي لأنَّ المكلف بقيام الأمارة لديه يصبح عالماً تعبداً بهذه القضايا.
وإن قلنا بمسلك جعل المنجزية المعذرية فلا معنى لإفتراض الحجية في هذه القضايا لأنَّ التنجيز والتعذير من شأن الأحكام، وبناءً عليه يُستشكل في جواز الإخبار بما ورد في بعض الروايات من الثواب على المستحبات والواجبات، لأنه ليس من الأحكام الشرعية، ونقل الثواب أشبه بنقل الأمور التكوينية فلا يكون خبر الواحد حجة فيها، ولذا قالوا إنَّ من يريد نقل الثواب لابد أن ينصب قرينة على أنه رُوي عنهم عليهم السلام، وإما بناءً على مسلك جعل الطريقية فلا بد من تحديد موضوع الإخبار بالثواب فإن كان موضوعه العلم فالظن المعتبر يقوم مقام العلم كما تقدم.
الأمر الثاني: تأثير الظن الذي لم يقم دليل على حجيته:
هذا البحث ذكره السيد الخوئي قده هنا ونحن نذكره تبعاً له وإن كان حقه أن يذكر بعد بحث (تحديد دائرة الحجية)، وحاصله هو: إنَّ الظن إذا لم تثبت حجيته - بمعنى لم يقم دليل على حجيته وليس بمعنى ثبوت عدم حجيته كالقياس - كالشهرة أو خبر الواحد إذا رواه غير الثقة، هل له أثر في الجابرية والموهنية والترجيح ؟
فالكلام يقع فيه في عدة أمور:
الأول: هل يجبر الظن غير المعتبر الضعف السندي للخبر؟ ومثاله المعروف هو فتوى المشهور إستناداً الى خبر ضعيف والمعبُّر عنه بعمل المشهور بالخبر هل تجبر الضعف السند للخبر أم لا؟
الثاني: هل يجبر الظن المذكور الضعف الدلالي للخبر؟ كما لو عمل المشهور بالخبر الضعيف دلالة.
الثالث: في الموهنية للسند، بمعنى أنَّ الخبر التام سنداً إذا كان في قباله ظن غير معتبر قام على خلافه فهل يوجب وهنه وسقوطه عن الحجية؟ ومثاله مسألة إعراض المشهور عن الخبر التام سنداً، هل يوجب وهن سند الخبر وسقوطه عن الحجية؟
الرابع: في الموهنية للدلالة، بمعنى أنَّ دلالة الخبر كانت تامة بنظرنا لكن المشهور فهم منه شيئاً آخر فهو أشبه بالإعراض عن الدلالة، فهل يوجب ذلك وهن الدلالة وسقوطها عن الحجية أو لا؟
الخامس: في أنَّ الظن غير المعتبر هل يوجب الترجيح في باب التعارض، كما إذا وافقت فتوى المشهور أحد الخبرين المتعارضين؟
أما البحث الأول فالمعروف والمشهور على ما إدعي هو الجابرية على الرغم من أنَّ الشهرة ليست حجة في حد نفسها، لكن الضعف السندي في الخبر يُجبَر بعمل المشهور، فيخرج عن الضعف ويكون حجة باعتبار عمل المشهور به ويصح الإستناد إليه، وإستدل له بدليلين:
الأول ما ذهب اليه المحقق الخراساني قده وحاصله: إنّ الخبر الضعيف وإن كان ليس حجة في حد نفسه إلا أنَّ عمل المشهور به يوجب الوثوق بصدوره فيكون حجة للوثوق، وتتميمه بأنه يرى حجية الخبر الموثوق بصدوره وإن كان ضعيفاً من حيث السند، أي أنه يرى أنَّ الحجية تثبت بأحد أمور إما أن يكون رواته ثقات، وإما أن يحصل الوثوق بصدوره وإن لم يكن رواته ثقات، وإما أن يحصل الوثوق بمطابقة مضمونه للواقع، فهو يبني على حجية الخبر الموثوق بصدوره، والصغرى في المقام هي: عمل المشهور يوجب حصول الوثوق بصدوره، والكبرى: الخبر الموثوق بصدوره حجة، فيتم الدليل على حجية الخبر الضعيف إذا عمل به المشهور.
والإعتراض عليه: ما هو المراد بالوثوق بالصدور الحاصل من عمل المشهور هل هو الوثوق الشخصي أم هو الوثوق النوعي؟ ومرادهم من الوثوق الإطمئنان.
فإن أريد منه الوثوق الشخصي - ولا يبعد أن يكون هو مقصوده - فجوابه أنَّ الكبرى صحيحة لأنَّ الوثوق الشخصي يعني الإطمئنان الشخصي وهو العلم العادي فيكون حجة، ولذا لا إشكال عندهم في أنَّ أدلة النهي عن الظن لا تشمل الإطمئنان الشخصي، كما أنَّ سيرة العقلاء قائمة على إعتباره علماً، مع الإلتفات الى أنَّ العلم بمعناه الدقيق نادر عادة، لكن لمناقشة في كلية الصغرى بما ذكره السيد الخوئي قده بقوله: "إذ ربما لا يحصل الإطمئنان الشخصي من عمل المشهور"[1] فهي غير مسلُّمة في جميع الموارد.
والتعليق عليه: تقدم أنَّ صاحب الكفاية فرغ عن حجية الخبر الموثوق بصدوره، وإنما كلامه في أنَّ عمل المشهور هل يوجب الوثوق الشخصي أم لا، هو يدعي أنه يوجب ذلك، وهذا بعد الإلتفات الى حيثيات عمل المشهور بالرواية خصوصاً إذا كانت واضحة الضعف من حيث السند، وخصوصاً إذا كان الخبر على خلاف القواعد والأصول - كما هو الغالب في الأخبار -، فعملهم يوجب الوثوق الشخصي بصدور الخبر لأنَّ المشهور لا يعمل بالخبر إعتباطاً وإنما بعد حصول القناعة بحجيته، ولا يستند الى هذا الخبر في الفتوى من دون ذلك، فلعل هذه الحيثيات هي التي دعت المحقق الخراساني الى القول بأنَّ عمل المشهور يوجب حصول الوثوق الشخصي بالصدور، وأما اعتراض السيد الخوئي عليه قده فلا ينفي الحجية بالجملة كما هو الظاهر من كلامه وإنما ينفيها في الجملة، وعليه نقول: إن حصل من عمل المشهور الوثوق بالصدور فيكون الخبر حجة وإن لم يحصل ذلك فلا يكون حجة.
وأما إذا اُريد به الوثوق والاطمئنان النوعي فلا بد من إفتراض عدم حصول الوثوق والاطمئنان الشخصي وإلا رجع الى الأول.
وإعترض عليه بانه غير تام صغرى وكبرى، أما الصغرى فباعتبار عدم حصول الوثوق لنوع الناس من عمل المشهور، وأما الكبرى فلعدم الدليل على حجية هذا الإطمئنان النوعي مع افتراض عدم حصول الاطمئنان الشخصي، وإنما الثابت بما تم من الأدلة هو حجية خبر الثقة، نعم سبب ذلك هو إفادته الوثوق النوعي، فالحجة هو الوثوق النوعي بصدور الخبر الناشئ من وثاقة الراوي، وليس كل وثوق نوعي من أي سبب حصل يكون حجةً، وفي المقام لا دليل على حجية الوثوق النوعي الناشئ من عمل المشهور فلا يمكن الإلتزام بحجية الخبر الضعيف إذا عمل به المشهور.