الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الخاتمة / حكم الظن في المسائل الإعتقادية

الخاتمة:

ويقع البحث فيها حول أمور:

الأمر الأول: الظن الخاص والظن المطلق - بعد فرض إعتبارهما - هل هما حجة في خصوص المسائل الفرعية أم الأعم منها ومن المسائل الإعتقادية والتكوينية والتاريخية ؟

لا إشكال ولا ينبغي أن يقع فيه الإشكال في أنهما حجة في المسائل الفرعية - على القول بحجية الظن المطلق - وهو القدر المتيقن منهما، وإنما الكلام فيما عدا المسائل الفرعية من المسائل الإعتقادية والقضايا التاريخية والتكوينية:

أما المسائل الإعتقادية فهي على قسمين:

الأول ما يطلب فيه تحصيل العلم والمعرفة من مسائل أصول الدين كالتوحيد والنبوة، وهذه المعرفة تارة تكون مطلوبة عقلاً وأخرى تكون مطلوبة شرعاً، ويمكن جعل المعاد الجسماني الذي نؤمن به من الثاني، كما أنَّ وجود الصانع من الأول.

الثاني ما لا يطلب فيه تحصيل العلم والمعرفة بها وإنما المطلوب هو التسليم بها وعقد القلب عليها على تقدير ثبوتها، من قبيل تفاصيل المسائل الإعتقادية كتفاصيل البرزخ ويوم القيامة، فهذه لا يطلب تحصيل العلم بها بحيث يكون مؤاخذاً ومستحقاً للعقاب على تقدير عدم العلم بها.

أما القسم الأول الذي يطلب فيه المعرفة وتحصيل العلم، ومن الواضح أنَّ الظن لا يكون حجة فيه سواءً كان ظناً خاصاً أم مطلقاً، والسبب فيه واضح فإنَّ الظن لا يوجب حصول المعرفة والعلم حتى لو كان حجة، فيجب على المكلف تحصيل العلم في هذه المسائل إن تمكن من ذلك، ومن الواضح عدم جواز التقليد فيها.

ثم الكلام تارة يكون في صورة العجز عن تحصيل العلم وهل يكون مكلفاً بلزوم تحصيله، وأخرى يكون في إستحقاق العقاب أو عدمه على تقدير العجز:

أما الأول فالظاهر أنه لا يكون مكلفاً بعد فرض العجز لإستحالة تكليف العاجز بحكم العقل، وهو قبيح لا يمكن أن يصدر من الشارع.

وأما الثاني - أي إستحقاق العقاب - فلا بد من التفصيل في أنَّ العجز عن تحصيل المعرفة والعلم هل هو ناشئ من تقصير العبد أو من قصوره، فإن كان ناشئاً من تقصيره فإستحقاق العقاب يكون ثابتاً لأنَّ الإمتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار عقاباً وإن كان ينافيه خطاباً، والامتناع بالإختيار هنا هو عجزه عن تقصيره، ومنافاته خطاباً بمعنى سقوط التكليف عنه، ولكنه يستحق العقاب، وهذا ما يُعبَّر عنه بالجاهل المقصر.

وإن كان عجزه ناشئاً عن قصور منه إما لضعف مداركه أو لصعوبة القضايا المطلوب معرفتها، وهو المعبَّر عنه بالجاهل القاصر - وهو الأكثر من الناس كما قالوا - فهو المهم في المقام وفيه بحوث ثلاثة:

الأول في إمكان تصور أصل وجوده بالنسبة الى هذه المسائل.

الثاني في ترتُّب أحكام الكفر عليه.

الثالث في إستحقاقه العقاب أو عدم إستحقاقه.

أما البحث الأول فهناك رأي يقول يصعب تصور وجود جاهل قاصر في أمهات المسائل الإعتقادية - كوجود الصانع - إلا مع فرض وجود عاهة عقلية فيه، وأما في غيره فيندر وجوده لبداهة البرهان على هذه المسائل، من قبيل دليل الأعرابي على وجود الصانع (البعرة تدل على البعير)، فيلتفت الجاهل الى نفسه والى غيره وينفي وجود هذه الأشياء من دون سبب، فافتراض العجز عن قصور عن هذا فرض نادر جداً، نعم يمكن تصوره بالنسبة الى النبوة الخاصة أو الإمامة بالنسبة الى غيرنا.

وأما البحث الثاني فالظاهر هو ترتب أحكام الكفر عليه، بمعنى عدم الحكم بإسلامه بلا إشكال، فإن للإسلام أصول من يؤمن بها فهو مسلم ومن أنكر واحداً منها لا يكون مسلماً، فمن أنكر التوحيد أو نبوة نبينا - صلى الله عليه وآله - لا يكون مسلماً حتى إذا كان قاصراً، وكذا من أنكر المعاد على قول، فتترتب عليه أحكام الكفر.

وأما البحث الثالث فالمشهور يقول عدم إستحقاق العقاب ما دام قاصراً، قالوا أنَّ العقل يستقل بقبح عقابه لأنَّ عقابه يكون على أمر غير مقدور له وهو قبيح وظلم بنظر العقاب.

هذا كله في القسم الأول وهو المسائل التي يطلب فيها تحصيل العلم والمعرفة.

وأما القسم الثاني وهو ما لا يطلب تحصيل العلم والمعرفة وإنما المطلوب فيه الإذعان على تقدير ثبوته، فذكروا فيه أنَّ الظن الخاص حجة فيه، كرواية معتبرة تدل على تفصيل من تفاصيل عالم البرزخ ويوم القيامة ونحوها، كما هو الحال في الفروع فيجب الإيمان والتسليم بها، وإنما الكلام في الظن المطلق فقالوا إنه ليس حجة في هذه المسائل، والسر فيه هو أنَّ ثبوت حجية الظن المطلق إنما يكون بدليل الإنسداد، وإنما يتم إذا تمت مقدماته، ومنها عدم وجوب الإحتياط أو عدم جوازه، وهذه المقدمة لا تتم في هذه المسائل لوضوح عدم لزوم إختلال النظام ولا العسر والحرج على تقدير الإحتياط فيها فإنه يقتضي الإذعان والتسليم بالمظنون كما هو في الواقع - ثبوتاً أو عدماً - وهذا لا يتطلب عملاً خارجياً بنحو يستلزم شيئاً من تلك المحاذير، فلا دليل على حجية الظن المطلق في هذا القسم.

وأما القضايا التاريخية والأمور التكوينية:

فلا إشكال في أنَّ الظن المطلق ليس حجة فيها لأنَّ دليل الإنسداد قائم على وجود علم إجمالي بوجود تكاليف واقعية في الشريعة، وهو منجَّز على المكلف فلا يجوز إهمال هذه التكاليف، وفرض عجزه عن موافقتها القطعية فينتقل الى العمل بالظن على قول أو الى التبعيض في الإحتياط على ما تقدم، وهذا كله جارٍ إذا كان متعلق الظن هو التكليف الشرعي وأما إذا كان متعلقه قضية تاريخية أو أمر تكويني فلا يتشكل علم إجمالي ولا يكون منجزاً على المكلف حتى ننتهي بمقدمات الى إثبات حجية الظن المطلق.

وأما الظن الخاص ففيه تفصيل، فبناءً على مسلك جعل الطريقية في باب الحجية وأنه بمعنى إعتبار الظن علماً - وهو الذي يؤمن به المحقق النائيني والسيد الخوئي قدس سرهما - فلا مانع من أن يكون حجة في القضية التاريخية والتكوينية بمعنى جواز الإخبار بمتعلقه، وهذا من نتائج قيام الأمارة مقام العلم الموضوعي الطريقي، وذلك باعتبار أنَّ جواز الإخبار موضوعه العلم فإذا قام الظن الخاص مقامه فيكون المكلف عالماً بمتعلق الإمارة تعبداً فيجوز له الإخبار، وهذا معنى حجية الظن الخاص في المسائل التاريخية والأمور التكوينية.