44/05/04
الموضوع: الظن/ حجية مطلق الظن/ الوجه الأول
حجية مطلق الظن
بعد أن فرغنا عن إستعراض الأدلة التي إستدل بها على حجية خبر الواحد، نستعرض الأدلة التي يُدعى دلالتها على حجية مطلق الظن، وهي وجوه وأهمهما دليل الإنسداد.
الوجه الأول: إنَّ مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر، والضرر المظنون لازم الدفع، هذا بحسب تعبير المحقق الخراساني قده.
أو يقال: إنَّ الظن بالتكليف يستلزم الظن بالضرر، والضرر المظنون يجب دفعه.
والمقصود بالضرر في الصغرى هو ما يترتب على مخالفة التكليف، والكبرى تقول الضرر المظنون يجب دفعه وذلك يحصل بالعمل بالظن أي بالإمتثال، وذلك بالإتيان بالمظنون في مورد الوجوب وبتركه في مورد التحريم.
فالدليل يتألف من صغرى وكبرى، أما الصغرى فتارة يُفسر الضرر فيها بالمفسدة التي يقع فيها المكلف عند مخالفة التكليف وهو الضرر الدنيوي، وأخرى يُفسر بالعقوبة وهو الضرر الأخروي.
أما تفسير الضرر بالمفسدة فمدركه ما تؤمن به العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد بحيث تكون بمنزلة العلل للأحكام، فالظن بالحكم ظن بعلته من المصلحة والمفسدة لأن الظن بالمعلول يستلزم الظن بعلته.
وأما تفسير الضرر بالعقوبة فمدركه هو أنَّ مخالفة التكليف تستلزم إستحقاق العقاب الأخروي، لأنه تكليف شرعي إلهي كما هو واضح، ومن هنا يظهر بأنَّ الظن بالحكم الشرعي يستلزم الظن بالضرر الدنيوي من جهة وهو المفسدة لأنَّ في مخالفة التكليف إما ترك المصلحة الملزمة إذا كان التكليف وجوباً، أو الوقوع في المفسدة الملزمة إذا كان التكليف تحريماً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إنّ مخالفة التكليف يوجب إستحقاق العقاب فالظن بالتكليف يستلزم الظن بإستحقاق العقاب على تقدير المخالفة.
أما الصغرى فاستدلوا عليها بأنَّ العقل يستقل بلزوم دفع الضر المظنون، بل هو مما أطبق عليه العقلاء، والعاقل لا يُقدم على ما فيه ضرر بل يفر منه كما يفر من الأسد، بل كل ذي شعور يفر من الضرر المظنون، وهذه الصغرى لا تتوقف على مسألة التحسين والتقبيح العقليين بل هي مُسلَّمة حتى مع إنكارها لأنها قضية جِبلِّية، فينتج من ذلك وجوب العمل بالظن دفعاً للضرر المظنون، وهو معنى حجية الظن.
والجواب عنه: تارة يكون بلحاظ تفسير الضرر بالضرر الأخروي، وأخرى بلحاظ تفسيره بالضرر الدنيوي:
أما بالنسبة الى الضرر الأخروي فقالوا في جوابه لا ملازمة بين الظن بالتكليف وبين الظن بالعقوبة إذ لا ملازمة أساساً بين التكليف وبين العقوبة على تقدير المخالفة، وذلك باعتبار أنّ إستحقاق العقاب من لوازم تنجُّز التكليف على المكلف لا من لوازم التكليف بوجوده الواقعي، وعليه الظن بالتكليف الواصل المنجَّز يكون ظناً بالعقوبة على المخالفة، وتنجَّز التكليف إما بالقطع أو بقيام الحجة المعتبرة عليه، وأما مع عدم هذين الأمرين كما هو المفروض في محل الكلام فالتكليف غير منجَّز، ومثل هذا التكليف لا يكون ملازماً لإستحقاق العقوبة على المخالفة، فلو ظن المكلف به فلا يكون ظناً بالعقوبة على تقدير المخالفة حتى يقال بأنه ظن بالضرر ويجب دفعه، هذه هي المناقشة في مدرك الصغرى بلحاظ العقوبة والضرر الأخروي.
وهذا الجواب مبني على قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما هو واضح لأنه يقول أنَّ مجرد الظن بالتكليف ليس له أثر في حكم العقل وذلك لأنَّ العقل إنما يحكم بقبح العقاب بلا بيان، والبيان في القاعدة مُفسر بالبيان الواصل أو ما يقوم مقامه كالحجة المعتبرة، فالمكلف الظان بالتكليف من دون علم أو حجة يكون مؤمَّناً من ناحية العقاب فهو لا يظن بالعقاب على المخالفة، وهذا هو معنى نفي الملازمة المدعاة.
وبعبارة أخرى: المكلف الظان بالتكليف يقطع بعدم العقاب لقبح العقاب بلا بيان، فكيف يُدعى أنه يستلزم الظن بالعقاب!
وأما على مسلك حق الطاعة الذي يعني منجزية إحتمال التكليف فضلاً عن الظن به فيكون الظن بالتكليف مستلزماً للظن باستحقاق العقاب على المخالفة، فما ذُكر صحيح بناءً هذا المسلك، ولكنه في حالة عدم ورود مؤمِّن شرعي من العقاب، والمؤمن موجود وهو أدلة البراءة الشرعية كحديث الرفع، فلا فرق بين المسلكين من الناحية العملية.
فقد تبيّن أنَّ الصغرى ممنوعة إذا كان المقصود هو الضرر الأخروي بناءً على مسلك قبح العقاب بلا بيان.
وأما بالنسبة الى الضرر الدنيوي فالظن بالتكليف يستلزم الظن بالوقوع في المفسدة على تقدير المخالفة، وهذا صحيح، ولكن هل يعني ذلك أنّ المكلف يظن بالضرر؟ فهل يمكن القول أنَّ الظن بالتكليف يلازم الظن بالوقوع في الضرر أم غاية ما يمكن قوله هو أنه يلازم الظن بالوقوع بالمفسدة هي غير الضرر؟
وتفصيل ذلك: لو ظن المكلف بحكمٍ ولنفترض أنه الوجوب فهو ينشأ من مصلحة ملزمة في الفعل، فإذا خالف المكلف الوجوب هل يقع في الضرر أم تفوته المصلحة؟
من الواضح أنه إذا خالف التكليف تفوته المصلحة، فالظن بالتكليف لا يلازم الظن بالضرر على تقدير المخالفة وإنما يلازم الظن بفوات المصلحة، وهو ليس ضرراً قطعاً، فلا ملازمة بين الظن بالتكليف وبين الظن بالضرر الدنيوي على تقدير المخالفة، هذا في فرض الوجوب.
وأما إذا كان الحكم المظنون هو الحرمة فهي على نحوين:
فتارة تنشأ من ملاكات ومفاسد نوعية كحرمة الإعتداء على الآخرين، فالحرمة هنا لم تنشأ من مفسدة تترتب على الفعل بالنسبة الى الفاعل نفسه وإنما هناك مفسدة نوعية على تقع المجتمع وهي التي إقتضت تحريم الفعل، وأخرى تنشأ من مفسدة شخصية ترجع الى نفس الفاعل كشرب الخمر.