الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/ الوجه الثاني

الكلام المتقدم كله كان فيما إذا كانت الأخبار التي نعلم إجمالاً بصدور بعضها نافية للتكليف وفي قبالها أصول مثبتة للتكليف، وأما الصورة الثانية وهي أن تكون الأخبار التي نعلم إجمالاً بصدور بعضها مثبتة للتكليف في قبالها أصول نافية للتكليف، والبحث في أنَّ هذه الأخبار هل يُعمل بها على كلا المسلكين أم هناك فارق عملي بينهما؟

المعروف بينهم هو عدم وجود فارق بين المسلكين فيجب العمل بالخبر، ويكون مخصصاً للعموم ومقيداً للإطلاق إذا كان المقابل له أصلاً لفظياً عاماً أو مطلقاً، وكذا كان في قباله أصل عملي نافٍ للتكليف كالبراءة وأصالة الطهارة واستصحاب عدم التكليف فيتقدم عليه ويكون العمل بالخبر سواءً قلنا بحجيته أو بوجوب العمل به إحتياطاً لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، أما على كونه حجة فتقدمه واضح لأنه أمارة تتقدم على الأصل اللفظي بالتخصيص والتقييد بلا إشكال، كما يتقدم على الأصل العملي لعدم وصول النوبة إلى الأصل مع وجود الأمارة.

وأما إذا وجب العمل بالخبر إحتياطاً فالمشهور يقول بأنه يُقدم أيضاً وذلك باعتبار أننا نعلم إجمالاً بأنَّ بعض هذه الأخبار المثبتة للتكليف صادر قطعاً لأنه طرف لعلم إجمالي أطرافه جميع الأخبار المثبتة للتكليف، وهذا الخبر يُحتمل أن يكون من جملة ما نعلم ثبوت التكليف فيه، والعلم بثبوت تكليف في جملة هذه الأخبار يوجب حصول التعارض بين الأصول العملية إذا كانت هي الثابتة أو اللفظية إذا كانت كذلك، بمعنى أنَّ هذا العلم الإجمالي يمنع من الرجوع الى الأصول النافية للتكليف في جميع الأطراف، إذ لا يمكن الجمع بين إجراء الأصول النافية للتكليف في جميع الأطراف وبين العلم الإجمالي بثبوت التكليف في بعضها، من دون فرق بين الأصول اللفظية والعملية، وعدم جريان الأصول هو الذي يحقق هذا التعارض، كما أنّ إجراء الأصول في بعض الأطراف دون بعض ترجيح بلا مرجح، وعليه تسقط الأصول بالمعارضة ويجب العمل بالخبر إحتياطاً وإن لم تثبت حجيته بحسب الفرض، هذه هي الصورة الثانية.

وقد تبيَّن وجود فارق عملي بين المسلكين - حجية الخبر والعمل به إحتياطاً - في بعض الفروض، كما لا يكون هناك فارق بينهما في فروض أخرى، والنتيجة بشكل عام هي لابد من العمل بالأخبار المثبتة للتكليف على كِلا المسلكين.

وقد تعرضوا هنا لبعض التفاصيل نتركها للمطولات.

الى هنا يتم الكلام عن الوجه الأول للإستدلال بالعقل على حجية خبر الواحد وتبيَّن أنه غير تام.

الوجه الثاني: ما حُكي عن صاحب حاشية المعالم وحاصله:

أننا نعلم بلزوم الرجوع الى السُّنة، ويكفي في إثباته حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين، ويجب ذلك إذا أحرزناها على نحو القطع واليقين ومع عدم التمكن من إحرازها كذلك كما هو المفروض بالنسبة إلينا فلابد من التنزّل الى الظن والعمل بما يُظن بصدوره عنهم عليهم السلام، وهو المطلوب.

وأرود عليه الشيخ الأنصاري قده بما حاصله:

إنّ هذا الوجه إما يرجع الى الوجه الأول وإما يرجع الى دليل الإنسداد الذي يثبت به حجية مطلق الظن، وذلك لأنَّ السُّنة في كلامه تارة يريد بها السُّنة الواقعية وهي نفس قول المعصوم وفعله وتقريره، ووجوب العمل بها بهذا المعنى قضية ضرورية متفرعة على الإيمان بالدين، لكن لا ملازمة بين وجوب العمل بالسُّنة بهذا المعنى وبين وجوب العمل بالأخبار الحاكية عنها والتي يُحتمل عدم مطابقتها للواقع، وعليه لا يمكن إثبات وجوب العمل بهذه الأخبار.

وأخرى يريد بها الأخبار الحاكية عن السُّنة الواقعية، فكأنه يقول إنّ حديث الثقلين أمرنا بالعمل بهذه الأخبار، ولكن لا دليل على وجوب العمل بها بل هو أول الكلام، وحينئذٍ إن قيل بوجوب العمل بالأخبار بدعوى العلم الإجمالي بصدور بعضها فهذا هو الوجه الأول، وإن قيل بوجوب العمل بها باعتبار العلم الإجمالي بوجود تكاليف واقعية في الشريعة وأنَّ العقل يحكم بوجوب العمل بها بعد عدم إمكان الوصول إليها بالقطع واليقين، وهذا ما يرجع الى دليل الإنسداد المنتج لحجية مطلق الظن لا خصوص الظن الخبري، ولكن لابد من تتميم باقي مقدماته وإلا لم ينتج ذلك.

وأشكل المحقق الخراساني قده عليه:

بأنَّ مقصود صاحب الحاشية من السُّنة هو هذه الأخبار التي بأيدينا لا ما ذكره الشيخ بل المدعى هو وجوب العمل بهذه الأخبار الواصلة إلينا ويقول إن أمكن العمل بها على وجه القطع واليقين كما في الخبر المتواتر فبها وإلا تنزلنا الى الظن، فكل خبر يُظن بأنه يحكي عن السنة الواقعية يجب العمل به.

وهذا البيان لا يرجع لا الى الوجه الأول ولا إلى دليل الإنسداد، لأنَّ رجوعه الى الوجه الأول مبنى على أن يكون وجوب العمل بالأخبار على أساس العلم الإجمالي بصدور بعضها، وليس هذا مراده، وإنما يدعي قيام الأدلة على وجوب العمل بهذه الأخبار، وليس مقصوده من السُّنة هو الخبر الحاكي عن السُّنة الواقعية حتى يرجع الى دليل الإنسداد، وإنما مقصوده منها هو الأخبار التي بأيدينا والذي لسانها لسان الحكاية عن السُّنة الواقعية لا بقيد أن تكون مخبرة عن السُّنة الواقعية، فكونها مطابقة للواقع أو غير مطابقة له غير مأخوذ فيها، وعليه فإن أحرزنا حكايتها عن السُّنة الواقعية يقيناً فبها ونعمت، وإن قام دليل على إعتبار هذه الأخبار في حكايتها عن السُّنة فنعمل به بلا إشكال، وإنما الكلام في صورة عدم التمكن من ذلك فلابد من التنزل الى الظن، فالخبر الذي نظن حكايته عن السُّنة الواقعية يكون حجة.

هذا ما يفهم من كلام صاحب الكفاية تعليقا على كلام الشيخ الأنصاري.

وأجابوا عنه: بأنَّ وجوب العمل بالأخبار التي بأيدينا لابد أن يكون له منشأ فإما أن يكون المنشأ هو الوجوب الشرعي والمفروض عدمه ، فيدور الأمر بين القول بوجوب العمل بها للعلم إجمالاً بصدور بعضها وحكم العقل بوجوب الإحتياط فيرجع الى الوجه الأول، وإما أن نقيم الدليل على وجوب العمل بها بما يُذكر في دليل الإنسداد ويثبت به حجية مطلق الظن لا خصوص الظن الخبري، فلابد من إقامة دليل على وجوب العمل بهذه الأخبار، وبعد استبعاد الدليل الشرعي ينحصر الدليل بين العلم الإجمالي المتقدم وبين ما يُذكر في دليل الإنسداد.