44/05/02
الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/
تتمة الكلام في صورة الأخبار النافية للتكليف إذا كان في قبالها إستصحاب التكليف، فهل يجري هذا الإستصحاب بالرغم من العلم الإجمالي بانتفاء التكليف في بعض الأطراف؟
قد يقال: بالمنع من جريان الإستصحاب لوجود محذور إثباتي، وحاصله:
يلزم من جريان الإستصحاب في الأطراف التناقض بين ذيل دليل الإستصحاب وبين صدره، فإنَّ صدره يأمر بالبقاء على الحالة السابقة وهي التكليف وذيله يأمر بنقض الحالة السابقة بيقين مثله وهو هنا العلم الإجمالي بعدم التكليف في بعض هذه الأطراف، ومع هذا التنافي يكون الدليل مجملاً ولا يمكن الإستدلال به، هذا ما ذكره الشيخ.
وأورد عليه: بأنَّ العلم الإجمالي بارتفاع الحالة السابقة في الجملة - أي العلم الإجمالي بعدم التكليف في بعض هذه الأطراف - إنما يتم إذا فرضنا أنَّ المعلوم إجمالاً هو مطابقة بعض هذه الأخبار للواقع الذي يعني إنتفاء التكليف على نحو الإجمال، وأما إذا فرضنا أنَّ المعلوم إجمالاً هو صدور بعض هذه الأخبار لا العلم بمطابقتها للواقع - مع البناء على عدم الملازمة بين الصدور والمطابقة - فلا يتم هذا الوجه، وذلك لعدم العلم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة، ومثل هذا العلم الإجمالي لا يؤثر على جريان الإستصحاب في جميع الأطراف.
لكن الظاهر أنَّ هذا الإيراد غير وارد على الشيخ، بمعنى أنَّه يمنع من جريان الإستصحاب حتى مع العلم إجمالاً بصدور بعض هذه الأخبار فضلاً عن كون المعلوم إجمالاً هو مطابقتها للواقع، وبيان ذلك:
لا إشكال في تقدم الأمارة على الأصل العملي بأي وجه كان - بالتخصيص أو الحكومة - ولا أحد يتوقف في ذلك، وهذا يعني أنّ دليل الإستصحاب يكون مقيداً بعدم وجود أمارة مخالفة لأنها إن وجدت فهي إما مخصصة لدليل الإستصحاب وإما حاكمة عليه فتتقدم عليه، وكأن الشيخ يقول: إنَّ التمسك بدليل الإستصحاب هو من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لمخصصه ولا إشكال في عدم جوازه، وفي المقام العام هو دليل الإستصحاب وخُصص بعدم وجود الأمارة المخالفة، فإذا أردنا التمسك بدليل الإستصحاب في هذا المورد فنحتمل وجود أمارة نافية للتكليف في نفس هذا المورد بمقتضى العلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار، وهذه شبهة مصداقية لمخصص دليل الإستصحاب فكيف يمكن إجراء الإستصحاب؟
وهذا يعني أنّ الشيخ يمنع من جريان الإستصحاب على كِلا التقديرين، غاية الأمر إختلاف وجه المنع فيهما وهو إما التنافي الداخلي لدليل الإستصحاب على فرض العلم الإجمالي بمطابقة بعض الأخبار للواقع، أو هو التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه على فرض العلم الإجمالي بصدور بعض هذه الأخبار.
والصحيح في الجواب هو إنكار أصل المبنى وهو دعوى أنَّ اليقين الناقض في دليل الإستصحاب يُراد به الأعم من اليقين التفصيلي واليقين الإجمالي، وأما إذا قلنا أنّ المراد به هو خصوص اليقين التفصيلي كاليقين المنقوض فلا يتم كلام الشيخ، وقد يُستفاد ذلك من قوله (ولكن انقضه بيقين مثله).
وعليه فالصحيح جريان الأصول المثبتة للتكليف بالرغم من العلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار النافية للتكليف بناءً على مسلك المنجزية دونه على مسلك الحجية، وهذا فارق بين المسلكين ظهر في الإشتغال والاستصحاب.
هذا كله في الأصول العملية.
وأما الأصول اللفظية إذا كان في قبالها أخبار نافية للتكليف، فهل هناك فارق بين كون الأخبار حجة وبين وجوب العمل بها من باب الإحتياط؟
لا إشكال في لزوم تقديم الخبر على العمومات والمطلقات بناءً على الحجية حتى إذا كانت قطعية، وأما إذا لم تكن هذه الأخبار حجة وإنما بنينا على وجوب العمل بها إحتياطاً فالصحيح أنه لا يخصص العمومات ولا يُقيد المطلقات وذلك بإعتبار أنَّ العام حجة في عمومه والمطلق حجة في إطلاقه بحسب الفرض ولا يجوز رفع اليد عن الحجة إلا بحجة أقوى منها ولا دليل على حجية هذا الخبر فضلاً عن أقوائيته، فيُبنى على العموم والإطلاق.
وبعبارة أخرى: إنَّ العمومات والمطلقات المثبتة للتكليف وإن سقطت عن الحجية للعلم الإجمالي بصدور جملة من الأخبار النافية للتكليف في الجملة، وهذا العلم الإجمالي يستوجب وقوع التعارض في دليل أصالة العموم بمعنى أن شموله لهذا الطرف يكون معارضاً بشموله للطرف الآخر، وإجراؤها في البعض ترجيح بلا مرجح، كما أنَّ أجراء أصالة العموم في الجميع الأطراف يكون منافياً للعلم الإجمالي بنفي التكليف في البعض، فتسقط عن الإعتبار، فبالرغم من ذلك لكننا نقول بأننا نعلم في المقابل إجمالاً بإرادة العموم في بعض هذه العمومات، وهذا علم إجمالي بالتكليف في بعض هذه الأطراف وهو منجَّز للتكليف، فيجب الإحتياط بلحاظ جميع العمومات والعمل بها.
فإن قيل: يوجد في قباله علم إجمالي بعدم إرادة العموم للعلم إجمالاً بالترخيص.
قلنا: إنَّ العلم الإجمالي إنما يكون منجزاً إذا تعلّق بحكم إلزامي وهو هنا العلم بإرادة بعض العمومات المثبتة للتكليف فيكون التعويل عليه ويجب الإحتياط بلحاظه.