الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/

تقدم بيان جملة من الأمور كمقدمة للملاحظة على البرهان الذي ذكره السيد الشهيد قده على عدم إنحلال العلم الإجمالي المتوسط، وحاصلها:

    1. أنَّ الأخبار الدالة على الأحكام الشرعية أكثر بمراتب من الشهرات، وهو أمر واضح وقياسه معه.

    2. أنَّ القيمة الإحتمالية للمطابقة في الخبر أكبر من القيمة الإحتمالية للفتوى للفرق بين الحس والحدس.

    3. أنَّ موارد إفتراق الأخبار عن الشهرات أكثر من موارد إفتراق الشهرات عن الأخبار.

وعليه نقول: هناك فرق بين العلم الإجمالي الصغير في دائرة الأخبار عن العلم الإجمالي المتوسط وهو أنَّ الأول لم ينشأ من حساب الإحتمالات وإنما نشأ من القرائن الخارجية وهو ما يبرر لنا كثرة المعلوم بالإجمال أي العلم بصدور أخبار كثيرة وهذا ما لا يمكن تبريره بحساب الإحتمالات، بينما العلم الإجمالي المتوسط الذي أطرافه سائر الأمارت ناشئ من حساب الإحتمالات لأنَّ القرائن التي ذكرها الشيخ تختص بالأخبار دون غيرها من الأمارات، وينتج من هذا أنَّ المعلوم بالعلم الإجمالي في دائرة الشهرات أقل من العلوم بالعلم الإجمالي في دائرة الأخبار، وهذا يُبرر القول بأنَّ المعلوم بالإجمال في دائرة الأخبار لا يقل عن المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي المتوسط، وهذا هو شرط إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بالصغير.

ومن هنا صح أن يقال أنَّ عدد المعلوم بالإجمال في الأخبار لا يقل عن المعلوم بالإجمال في دائرة جميع الأمارات - الأخبار وغيرها - ولا يصح ذلك في الشهرات لوضوح أنَّ المعلوم بالإجمال منها أقل من المعلوم بالإجمال في دائرة العلم الإجمالي المتوسط ، ومنه يظهر أنَّ العلمين الصغيرين ليسا متكافئين في عدد المعلوم بالإجمال ويترتب على ذلك أنَّ إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الإجمالي الصغير في دائرة الأخبار أمر ممكن ومقبول لتوفر ميزان الإنحلال فيه أي عدم الزيادة وتحقق علامة الإنحلال، فإنا لو عزلنا مقدار المعلوم بالإجمال من العلم الإجمالي الصغير في أطرافه ولاحظنا الباقي منضماً الى الشهرات لم يبقَ العلم الإجمالي على حاله.

ويضاف إليه ما تقدم من أنَّ عزل الشهرات المتطابقة مع الأخبار والمتنجزة بها لا يبقى معه إلا شيء نادر من الشهرات ومعه لا يبقى علم إجمالي في الباقي، وهذا ما يقتضي الإنحلال أيضاً.

هذا كله في الإيراد الأول على الوجه الأول من الإستدلال بالعقل على حجية خبر الواحد وهو الذي ذكره الشيخ قده وعدل عنه، وملخصه هو: أننا نعلم إجمالاً بوجود أحكام واقعية في ضمن الأخبار وحيث لا يمكن تشخيصها على وجه اليقين من جهة، وأنَّ الإحتياط التام بلحاظها يستلزم العسر والحرج ونحوه من جهة أخرى، فننتهي الى التبعيض بالإحتياط بمعنى العمل بالأخبار التي نظن بصدورها وهو المطلوب.

وأورد عليه بأنه مسبوق بعلم إجمالي أكبر منه دائرته تعم جميع الأمارات، ومراعاته بالنحو المذكور تستلزم حجية كل أمارة مظنونة الصدور وهذا ما لا يلتزم به أحد، ثم وقع الكلام في إنحلال العلم الإجمالي الكبير بالصغير، وإنتهينا الى الإنحلال بالعلم الإجمالي الصغير في دائرة الأخبار.

الإيراد الثاني: ما قيل من أنَّ الوجه الأول ينتج حجية كل خبر يُظن بمطابقته للواقع ولا ينتج حجية كل خبر مظنون الصدور ، وفرق بينهما فقد يحصل الظن بصدور الخبر مع عدم الظن بمطابقة مضمونه للواقع، وقد يحصل الظن بمطابقة مضمونه للواقع - ولو بإعتبار بناء المشهور على مضمونه الإفتاء به - مع عدم حصول الظن بصدوره، فالنسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، فيكون الميزان هو مطابقة الخبر للواقع وليس الظن بالصدور وذلك لأنّ العلم الإجمالي في دائرة الأخبار الذي يجب مراعاته والذي أنتج التبعيض في الإحتياط ناشئ من العلم الإجمالي بوجود أحكام واقعية في ضمن هذه الأخبار ومع تعذر تشخيصها على نحو اليقين نتنزل تشخيصها بالظن، فيكون الحجة هو الخبر الذي نظن بمطابقة مضمونه للواقع سواءً ظننا بصدوره أم لا، وهذه النتيجة غير ما يُراد إثباته وهو حجية الخبر مظنون الصدور!

وقد يُفسر هذا الإيراد بتفسيرين الأول ما تقدم، والثاني هو أنَّ المقصود به هو تعميم الحجية لسائر الأمارات إذا ظُن بمطابقتها للواقع، لكن الظاهر أنَّ التفسير الأول هو الأقرب باعتبار أنَّ المفروض في محل الكلام هو العلم الإجمالي في دائرة الأخبار والمراد تحديد ما ينتجه هذا العلم، وحيث أنَّ الإحتياط غير ممكن بحسب الفرض فنتنزل الى التبعيض في الإحتياط، فأي بعض منها يُعمل به ؟

فإذا كان المناط هو الظن بالصدور فنعمل بالأخبار مظنونة الصدور، وإذا كان المناط هو مطابقة الخبر للواقع فنعمل بالأخبار التي نظن بمطابقتها للواقع، وليس المقصود هو التعدي من الأخبار الى سائر الأمارات.

نعم التفسير الأول يفترض إمكان التفكيك بين الظن بصدور الخبر وبين الظن بمطابقته للواقع، أي نفترض خبراً نظن بصدوره ولا نظن بمطابقته للواقع، وبالقياس على العلم هل يمكن القول بانَّ هذا الخبر نعلم بصدوره ولكن لا نعلم بتضمنه حكماً واقعياً أم أنَّ هناك ملازمة بينهما ؟

الجواب: هذا التفكيك صعب جداً، نعم في بعض الحالات يمكن ذلك كما إذا ظُن بصدور الخبر تقية فيحصل الظن بالصدور وينفك عن الظن بمطابقة المضمون للواقع لأنه صادر بداعي بيان الحكم التقيَّتي لا بداعي بيان الحكم الواقعي، ونفس الكلام يقال فيما إذا ظننا في أنَّ المتكلم يُريد بكلامه خلاف ظاهره، فيتحقق الظن بالصدور من دون الظن بمطابقة المضمون للواقع.

ويمكن الإستعانة في هذه الحالة ببعض الأصول اللفظية كأصالة الجهة وأصالة الظهور لإثبات أنَّ الظن بالصدور يلازم الظن بمطابقة الخبر للواقع، كما إذا ظننا بصدور الخبر تقية فيحصل الظن بالصدور من دون الظن بالمطابقة للواقع ومع جريان أصالة الجهة - بمعنى أنَّ الأصل في كلام الإمام عليه السلام هو أن يكون بداعي بيان الحكم الواقعي - يثبت أن هذا الخبر صدر بداعي بيان الحكم الواقعي، فيجتمع الظن بالصدور مع الظن بالحكم الواقعي في مضمون الخبر، وكذا الكلام في أصالة الظهور في موردها، ومن هنا تكون الملازمة تامة بين الظن بالصدور وبين الظن بمطابقة الخبر للواقع.

فالإشكال في هذا الإيراد هو أنه مبني على التفكيك بين الأمرين وهو ما يصعب تصوره.