44/04/25
الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/
برهان السيد الشهيد قده على عدم إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الإجمالي الصغير:
يدعى في هذا البرهان أنَّ العلم الإجمالي المتوسط هو تجميع لعلوم إجمالية متعددة كالعلم الإجمالي في دائرة الأخبار والعلم الإجمالي في دائرة الشهرات، وفي الإجماعات.. وهكذا، فإذا فرضنا أنَّ هناك صنفان من الأمارات أخبار وشهرات وعدد كل منهما مائة، ونفترض أنَّ عشرة من الأخبار مطابقة للواقع وعشرة من الشهرات كذلك، ونفترض أيضاً أنَّ هناك تطابق بين الشهرات والأخبار في تسعين مورداً، ونفترض أنَّ دليل العلم الإجمالي في كل منهما هو حساب الإحتمالات، ففي هذه الحالة يستحيل إنحلال العلم الإجمالي في مجموع الأمارتين - الذي تكون أطرافه مائة وعشرة وذلك لفرض التطابق في تسعين مورداً - بالعلم الإجمالي بأحدى الأمارتين، والمعلوم في هذا العلم الإجمالي المتوسط هو عشرة أحكام واقعية فقط وذلك لإحتمال أن تكون العشرة في دائرة الأخبار موجودة ومتطابقة في دائرة الشهرات وكذا العكس، ويستحيل إنحلال هذا العلم الإجمالي المتوسط بأحد العلمين الإجماليين بخصوصه لأنه ترجيح بلا مرجح، والمفروض تساويهما من جميع الجهات، ولو فرضنا إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الصغير في دائرة الأخبار فهو يعني عدم وجوب الإحتياط في العشرة من الشهرات غير المتطابقة مع التسعين في الأخبار، وهذا ليس أولى من العكس أي إنحلال العلم الإجمالي التوسط بالعلم الإجمالي الصغير في دائرة الشهرات وهو يعني أنّ عشرة من الأخبار لا يجب فيها الإحتياط، وترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح، وعليه لا يمكن إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بأحد العلمين الإجماليين الصغيرين بالخصوص.
وأما إذا إفترض إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بموارد الإجتماع والتطابق فهو أولاً لا ينتج المطلوب - أي حجية جميع الأخبار - وإنما ينتج حجية الأخبار في دائرة التطابق فقط.
وثانياً أنه خلاف فرض المُستدل إذ فرض ثلاث علوم إجمالية الكبير والمتوسط والصغير مع دعوى إنحلال المتوسط الذي أطرافه سائر الأمارات بالصغير الذي أطرافه الأخبار، وهذا البرهان أضاف علم إجمالي رابع هو أصغر من الصغير والذي أطرافه موارد الإتفاق بين الأخبار والشهرات.
ومن هنا يظهر عدم صحة الميزان الذي ذكروه للانحلال وهو كون المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الصغير لا يقل عن المعلوم بالعلم الإجمالي الكبير وذلك لما تقدم من أنَّ المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي المتوسط وإن كان لا يزيد على المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير - أي لا يزيد على العشرة في المثال - لأننا نحتمل إنطباق تمام المعلوم بأحد العلمين الصغيرين على الآخر حيث تكون تمام العشرة المطابقة للواقع في ضمن التسعين المشتركة إلا أنه مع ذلك يستحيل الإنحلال لأنَّ الإنحلال بأحد العلمين الصغيرين وخروج مادة الإفتراق للعلم الآخر عن كونه طرفاً للعلم الإجمالي ترجيح بلا مرجح، كما أنَّ خروج مادتي الإفتراق عن الطرفية أي الإنحلال بموارد التطابق بينهما وهي التسعين لا ينتج المطلوب مع كونه خلاف فرض المستدل.
كما أنَّ ما ذكروه كعلامة ودليل على أنَّ المعلوم بالعلم الإجمالي الكبير لا يزيد على المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير -وهي عدم بقاء العلم الإجمالي إذا عزلنا من أطراف العلم الإجمالي الصغير بمقدار المعلوم بالإجمال ثم ضممنا الباقي منه الى سائر الأمارات - غير منطبقة في محل الكلام بدليل أننا لو عزلنا عشرة أخبار من مادة الإفتراق لوجدنا أنَّ العلم الإجمالي فيما بقي من مادة الإجتماع ومادة إفتراق الشهرات باقياً على حاله لأنَّ المفروض أننا لا نحتمل كذب الشهرات بتمامها نعم لو عزلنا عشرة من مادة الإجتماع في العلم الإجمالي الصغير لم يبق علم إجمالي في الباقي من أطراف العلم الكبير أي الباقي من أطراف الصغير منضماً الى الشهرات لأننا نحتمل وجود العشرة المعلومة بالإجمال بتمامها في مادة الإجتماع وانطباقها على العشرة المعزولة.
هذا هو خلاصة البرهان الذي ذكره.
ويلاحظ عليه:
أن هذا البرهان مبني على وجود علمين إجماليين صغيرين وهو فرض محض لا ينطبق على الواقع الخارجي المشتمل على أخبار وشهرات وغيرها من سائر الأمارات التي تكوّن العلم الإجمالي المتوسط، كما ينبغي الإلتفات الى جملة من الأمور:
1. أنَّ عدد الأخبار الدالة على الأحكام الشرعية أكثر بمراتب من عدد الشهرات الدالة على الأحكام الشرعية، بل أكثر بمراتب من أي أمارة أخرى، لأنَّ الأخبار تغطي معظم أبواب الفقه بخلاف باقي الأمارات.
2. أنَّ القيمة الإحتمالية التي يُفيدها الخبر باعتباره نقلاً عن حس أكثر من القيمة الإحتمالية التي تفيدها الشهرة والتي هي فتاوى حدسية.
3. أنَّ موارد إفتراق الأخبار عن الشهرات أكثر من موارد إفتراق الشهرات عن الأخبار.
وحينئذٍ نقول: أنَّ العلم الإجمالي الصغير في دائرة الأخبار لم ينشأ من حساب الإحتمالات وإنما نشأ من القرائن الخارجية التي ذكرها الشيخ، وحساب الإحتمالات وإن جرى فيه ولكنه ينتج أنَّ واحداً من الأخبار على الأقل مطابق للواقع لأنَّ ناشئ من إستحالة كذب الجميع، بينما ما نعلمه من الأخبار المطابقة للواقع أكثر من ذلك بكثير وهي جملة وافية بمعظم الفقه ومطابقة للواقع وهذا منشؤه القرائن الخارجية التي تقدم ذكرها.