44/04/24
الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/
كان الكلام في إنحلال العلم الإجمالي المتوسط بالعلم الإجمالي الصغير، وقلنا أنَّ الشيخ قده منع منه وعلى هذا الأساس أشكل على الوجه الأول الذي يُستدل به على حجية الأخبار مظنونة الصدور بأنَّ هذا الوجه يشمل جميع الأمارات لا يختص بالأخبار فينبغي أن يلتزم بحجية كل أمارة يُظن بصدورها وهذا ما لا يلتزمون به.
وتقدم أنّ عدم الإنحلال مبني على إحدى دعويين إما بدعوى العلم إجمالاً بوجود أحكام واقعية في الأمارات من غير الأخبار، وإما بدعوى أنّ إنضمام الأمارات الى الأخبار يوجب زيادة المعلوم بالإجمال، وأما الدليل على الدعوى الثانية فهو ما نقل عن المحقق النائيني قده من الإستدلال عليه بتراكم الظنون - أي بحساب الإحتمالات - باعتبار أنَّ السبب في حصول العلم الإجمالي المتوسط هو هذه الأمارت الظنية - بما فيها الأخبار - فإنَّ إجتماعها يكون سبباً في نمو القيمة الإحتمالية للمطابقة للواقع، فإذا كان المعلوم بالإجمال من التكاليف في خصوص الأخبار بمقدار ألف تكليف مثلاً كان إضافة الأمارات إليها موجباً لزيادة المعلوم بالإجمال على هذا الألف لا محالة.
ويلاحظ عليه: الظاهر أنَّ السبب في حصول العلم الإجمالي ليس هو تراكم الظنون حتى يقال بزيادة المعلوم بالإجمال كلما ازدادت القيم الإحتمالية، وإنما السبب هو العلم الخارجي بصدور كثير من هذه الأخبار، وهو الذي ذكر له الشيخ قده منبهات ومؤشرات على حصوله، ومنها إهتمام الأصحاب بالأخبار وتهذيبها وتنقيحها وحذف المدسوس فيها فوصلت إلينا نقية، ولو كان حاصلاً بسبب تراكم الظنون لكان المعلوم بالإجمال واحداً على الأقل، وهذا لا يُبرر القطع بصدق الكثير منها كما هو المدعى والواقع ، وإنما الذي يبرره هو العلم الخارجي المشار إليه، ومن هنا يظهر أنَّ العلم الإجمالي في دائرة الأخبار ليس قائماً على أساس تراكم الظنون وإنما هو قائم على أساس العلم الخارجي المستفاد من القرائن المذكورة.
وحينئذٍ نقول: من الواضح جداً أنَّ هذه القرائن تختص بالأخبار وليست موجودة في سائر الأمارات، ولذا لا تصح دعوى العلم بوجود أحكام واقعية كثيرة في ضمن سائر الأمارات، نعم يمكن تطبيق حساب الإحتمالات على سائر الأمارات ما عدا الأخبار وينتج العلم بمطابقة واحد من هذه الأمارات على الواقع، وعليه فالعلم الإجمالي في دائرة الأخبار يختلف عن العلم الإجمالي في دائرة الأمارات الأخرى.
ويضاف الى ما تقدم أنَّ العلم الإجمالي وإن كان موجوداً في سائر الأمارات عدا الأخبار ولكن لا أثر له في إنحلال العلم الإجمالي المتوسط والسر فيه هو أنَّ أطراف هذا العلم هو جميع الأمارات - سواءً كانت موافقة في المضمون للأخبار أو غير موافقة لها - فلو عزلنا الأمارات المطابقة للأخبار فلا علم بالمطابقة في الباقي، وقد عرفت أنّ الأمارات الموافقة للأخبار في المضمون لا تدخل في الحساب ولا أثر لها في العلم الإجمالي المدعى لأنها تنجزت بالعلم الإجمالي في دائرة الأخبار لكونها من أطرافه، فإذا فرضنا العلم بأنَّ عشرة من الأمارات مطابقة للواقع مثلاً على أساس حساب الإحتمالات فلا أثر لهذا العلم الإجمالي بالتنجيز لأنّ بعض أطرافه تنجزت بالعلم الإجمالي في دائرة الأخبار والباقي لا علم بالمطابقة إجمالاً فيه لإحتمال أن تكون تمام العشرة المعلومة بالإجمال موجودة في الأمارات الموافقة في المضمون للأخبار.
والحاصل أنَّ العلم الإجمالي الموجود في دائرة الأخبار لا يوجد مثله في سائر الأمارات، كما أنَّ إنضمام سائر الأمارات الى الأخبار لا يوجب زيادة في المعلوم الإجمال الحاصل في دائرة الأخبار، وذلك لما تقدم من أنَّ الأمارات المتفقة في المضمون مع الأخبار لابد ممن عزلها من الحساب لأن التكاليف الواقعية الموجودة في ضمنها قد تنجزت بالعلم الإجمالي الصغير والباقي من الأمارات قليل لا علم بوجود تكاليف واقعية ضمنها، كما أنّ إنضمامها الى الأخبار لا يكون موجباً لزيادة المعلوم بالإجمال من التكاليف الواقعية.
هذه هي مناقشة دعوى عدم إنحلال العلم الإجمالي المتوسط التي ذكرها الشيخ الأنصاري قده.
وقد ذكر السيد الشهيد قده برهاناً لعدم الإنحلال، وحاصله:
أنَّ العلم الإجمالي المتوسط بحسب الحقيقة هو تلفيق وتجميع لعلوم إجمالية متعددة بعدد الأمارات بما فيها الأخبار، فإذا فرضنا إنحصار الأمارات الظنية في صنفين روايات وشهرات وفرضنا أنّ مجموع الروايات مائة ومجموع الشهرات مائة أيضاً، وفرضنا العلم بصدق عشرة في كلٍ من الصنفين حيث لا يحتمل كذب الجميع في كلٍ منهما بحساب الإحتمالات، وفرضنا أنهما متطابقان في التسعين وتفترقان في عشرة من كل جانب، وحينئذٍ يقال بإستحالة إنحلال العلم الإجمالي لوجود عشرة أحكام واقعية في مجموع أطراف الأمارتين فإن إفترض انحلاله بأحد العلمين الصغيرين بالخصوص - وهو الحاصل في دائرة الأخبار - فهو ترجيح بلا مرجح.