44/04/18
الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع /الإعتراضات
كان الكلام في بيان المحاذير من إفتراض ردع الآيات الناهية عن العمل بالظن عن السيرة ، ومع الردع لا يمكن إستكشاف الإمضاء فلا يصح الإستدلال بمثل هذه السيرة و كان المحذور الأول هو المحذور الثبوتي وهو الدور وحاصله:
إنَّ الرادعية موقوفة على عدم مخصصية السيرة للعمومات والحال أنَّ عدم مخصصية السيرة للعمومات موقوف على الرادعية.
وإعترض المحقق الخراساني قده على نفسه بأنَّ كون السيرة مخصصة للعمومات موقوف على أن لا تكون العمومات رادعة عنها وإلا كانت مخصصة ، وعدم الردع بالعمومات موقوف على كون السيرة مخصصة لها ، وهذا معناه أنَّ مخصصية السيرة للعمومات تتوقف على نفسها وهو محال ، فلا يمكن الإستدلال بالسيرة في المقام لأنَّه موقوف على أن تكون مخصصة للعمومات وهو محال لأنه دوري.
ونتيجة ذلك أنَّ الرادعية مستحيلة فيجوز الإستدلال بالسيرة كما أنَّ المخصصية مستحيلة أيضاً فلا يجوز الإستدلال بالسيرة وهي نتيجة غريبة بل مستحيلة ، إذ يلزم منها إرتفاع النقيضين أي الرادعية وعدمها باعتبار أنَّ المخصصية تعني وتلازم عدم الرادعية.
ولكن لا حاجة في الدخول في هذا الجواب وبيان أي الدورين هو الصحيح والمناقشات التي ذكرت فيه بعد أن إخترنا جواباً وطريقاً آخر لإثبات عدم صلاحية الآيات للردع عن السيرة.
والصحيح أن يقال - بقطع النظر عما تقدم من طريقة الإستدلال بسيرة المتشرعة المعاصرين للأئمة عليهم السلام وأنهم كانوا يعملون بأخبار الثقات الواصلة إليهم - بطريق آخر من غير إبراز محذور ثبوتي أو إثباتي لردع الآيات الناهية عن العمل بالظن عن السيرة وهو:
إنَّ حجم الردع ينبغي أن يتناسب مع حجم السيرة المنعقدة فكلما كانت السيرة واسعة ومترسخة كلما زاد حجمها فلابد أن يكون الردع متناسباً مع ذلك حتى يتحقق الغرض منه ، ولا يناسب أن يكتفي الشارع في الردع عن هذه السيرة بإطلاق الأدلة الناهية عن العمل بالظن أو بعموماتها ، نعم يمكن أن تكون صالحة للردع عن سيرة جزئية ولكن لا يكفي ذلك عن سيرة عقلائية مستحكمة كما في محل الكلام ، وقد لاحظنا كيف ردع الشارع في القياس وصرح بذلك مع أنَّ الآيات الناهية عن العمل بالظن تشمله والحال أنَّ القياس أقل حجماً وتأثيراً من السيرة على العمل بأخبار الآحاد.
الوجه الثاني بيان المحذور الإثباتي:
وهو ما إلتزم به المحقق النائيني وتبعه السيد الخوئي قدس سرهما ، وحاصله:
إنَّ السيرة حاكمة على العمومات ورافعة لموضوعها تعبداً لأنَّ مفادها هو حجية خبر الثقة ومعناها إعتباره علماً فتكون رافعة لموضوع العمومات أي الظن فلا تصلح للردع عن السيرة لأنها تنتفي في مورد السيرة بإنتفاء موضوعها.
وإعترض عليه:
أولاً: بأنه مبني على مسلك جعل الطريقية وأنَّ معنى جعل الحجية للأمارة هو جعلها علماً وهو غير مُسلَّم ، وإنما معناه جعل الأمارة منجزة ومعذرة أو جعل الحكم المماثل.
وثانياً: لا حكومة بين السيرة والآيات لأنهما في عرض واحد بناءً على هذا المسلك فالسيرة تعتبر الخبر علماً والآيات الناهية عن العمل بالظن تنفي كونه علماً ، فهما من قبيل (ثمن العذرة سحت) و (لا بأس ببيع العذرة) في عرض واحد ومتعارضان من دون أن يكون أحدهما ناظراً الى الآخر حتى يكون حاكماً عليه.
وثالثاً: نسأل هل الحاكم على العمومات هو نفس السيرة أو هو الإمضاء الشرعي المستكشف من السيرة ؟
فإن إدعي أنَّ الحاكم هو الإمضاء الشرعي فلابد من إحرازه في المرتبة السابقة على الحكومة حتى يدعى حكومته عليها، ومع إحراز الإمضاء الشرعي لا حاجة الى الحكومة لأننا أحرزنا حجية خبر الثقة حتى إذا فرضنا أنَّ دليل الحجية لا يجعل العلمية بل يجعل الحكم المماثل أو المنجزية والمعذرية.
وأما إذا كان المدعى هو حكومة السيرة بنفسها فهذا لا معنى له لأنّ الحكومة إنما تعقل بالنسبة الى مشرِّع واحد وبين أدلة صادرة منه كقوله (لا ربا بين الوالد وولده) وقوله (وحرَّم الربا) وذلك لأنَّ الحكومة تعني التصرف في الموضوع بالتوسعة أو التضييق تعبداً وهذا من شأن الحاكم نفسه ، وأما أن يدعى تصرف العقلاء في موضوع حكم الشارع بالتوسعة أو التضييق فلا أثر ولا معنى له.