44/04/17
الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع /الإعتراضات
حاصل الإعتراض الثاني:
إنَّ إحراز الإمضاء يتوقف على إحراز عدم الردع بنحو نستكشف من سكوت الشارع عن السيرة إمضاؤه لها ، وكيف يمكن إثبات عدم الردع والحال أنَّ هناك أدلة شرعية قطعية الصدور تنهى عن العمل بالظن ؟! بل تقدم أنَّ التشكيك في صلاحية الأدلة للردع كافٍ في عدم صحة الإستدلال بالسيرة لأنّ الإستدلال بها يتوقف على إحراز الإمضاء وإحرازه يتوقف على إحراز عدم الردع ومع التشكيك في الردع لا يمكن إحراز الإمضاء الشرعي فكيف يصح الإستدلال بالسيرة ؟
ويضاف إليه أنَّ الإمضاء الشرعي لا يكفي فيه مجرد إحراز عدم الردع بل لابد من ضميمة شيء آخر إليه وهو تمكن الشارع من الردع ، فإن لم يتمكن من الردع لأي وجه لا يكون سكوته كاشفاً عن الإمضاء ، ويدعى عدم إمكان إحراز تمكن المعصوم عليه السلام من الردع عن هذه السيرة لأنَّ العمل بخبر الواحد هو مذهب جميع المسلمين من الإتجاه الآخر ، فسكوته في المقام لا يكون كاشفاً عن الإمضاء ، فالاعتراض من جهتين:
الأولى كيف يمكن إحراز عدم الردع مع وجود أدلة تنهى عن العمل بالظن.
الثانية أنَّ الإمضاء لا يكفي فيه إحراز عدم الردع بل لابد من إحراز تمكن المعصوم من الردع حتى يكون كاشفاً عن الإمضاء.
وركز الأعلام في مقام الجواب على إثبات عدم صلاحية الأدلة الناهية عن العمل بالظن للرادعية إما ببيان محذور ثبوتي كلزوم الدور وإما ببيان إثباتي بأن يدعى حكومة السيرة على الآيات الناهية عن العمل بالظن فلا تصلح للردع عن السيرة ، ومعه يمكن القول أنَّ هذه السيرة لم يردع عنها الشارع فيثبت الإمضاء ويتم الإستدلال بالسيرة.
وكأنهم افترضوا أنَّ إحتمال الرادعية منحصر بالأدلة الناهية عن العمل بالظن فقربوا الإستدلال بما تقدم.
ولكن الأفضل أن نستدل على عدم صلاحية هذه الأدلة للردع بطريق آخر ، وأفضل ما يمكن الإستدلال به هو الإستدلال بسيرة المتشرعة بما أشرنا إليه مراراً أنه لا يمكن أن نتعقل الجمع بين ردع الشارع عن العمل بأخبار الآحاد وبين إصرار المتشرعة على العمل بها ، وحيث قد ثبت عملهم بأخبار الآحاد التي رواها الثقات وأنَّ هذه الأدلة بمرأى ومسمع منهم فلابد أن لا تكون صالحة للردع وإلا لارتدعوا ، وقد يُفرض عدم إرتداع البعض لعدم اطلاعه ونحو ذلك ولكن إحتمال ذلك في جميع المتشرعة بعيد جداً بل هو إحتمال مُلغى ، ولا تفسير لذلك إلا بالقول أنَّ الشارع لم يردع عن العمل بهذه السيرة.
وأما دعوى عدم تمكن المعصوم من الردع لأنه خلاف التقية بعد عمل الآخر بخبر الواحد فلا يكون سكوته كاشفاً عن الإمضاء.
فجوابها: يمكن دفع ذلك في خصوص محل الكلام بأنَّ نقول إنّ كشف السكوت عن الإمضاء لا يتوقف على إثبات تمكن المعصوم من الردع بل يقال حتى لو لم تكن الظروف مساعدة على التصريح بعدم حجية خبر الواحد فسكوته يكشف عن الإمضاء وذلك لخصوصية في المقام تُعرف بالمقارنة بين محل الكلام وبين القياس وإعمال الرأي والمصالح المرسلة ونحوها مما تعتمد عليه المدرسة الأخرى ، حيث ردع الأئمة عليهم السلام وبقوة وبينوا أنَّ السُّنة إذا قيست محق الدين وفي مثل هذا الحال لا عمل بالتقية ، مع الأخذ بنظر الإعتبار أنَّ الخطر الذي يترتب على العمل بالقياس أقل بكثير من الخطر المترتب على العمل بأخبار الآحاد لو لم تكن حجة ، ومن هنا نقول إنَّ سكوت المعصوم يكون كاشفاً عن الإمضاء في محل الكلام حتى لو لم يكن متمكنا من الردع بالمعنى المذكور.
والحاصل أنَّ صدور النواهي الكثيرة عن العمل بالقياس من المعصومين عليهم السلام مع مخالفتها للعامة مع محدودية دائرة العمل بها في المجال الشرعي يدل دلالة واضحة على أنَّ مراعاة الظروف الخاصة من تقية ونحوها إنما يصح إذا لم يدخل في البين ما يتعرض له الدين من خطر أو ضياع أو محق عند مراعاتها كما أشير إليه في بعض روايات القياس ، وإلا فالمعصوم عليه السلام لا يراعي تلك الظروف بل يصرح برأيه ويجاهر بالردع لمنع أتباعه على الأقل عن العمل به في المجال الشرعي بما لا يراه طريقاً صحيحاً بل يرى فيه مفاسد عظيمة ، وهذا يجري في المقام بنحو أوضح لما عرفتَ من سعة دائرة العمل بأخبار الثقات حيث أنها تشمل معظم الأحكام الشرعية ، وعليه فعدم الردع في مثل المقام كاشف قطعي عن الإمضاء حتى مع عدم التمكن بالمعنى السابق.
نعم التمكن شرط في إستكشاف الإمضاء من عدم الردع في المسائل الشرعية الفرعية فإنَّ سكوت المعصوم وعدم ردعه لا يكشف عن الرضا والإمضاء إذا كان غير متمكن منه لتقية ونحوها.
هذا كله بناءً على الطريقة المختارة ، وأما بناءً على ما إختاره الأعلام فدفع الإعتراض الثاني يتوقف على إثبات عدم صلاحية الأدلة الناهية عن العمل بالظن عن الردع عن هذه السيرة ، ولذا دخلوا في هذا البحث وذكروا محاذير تترتب على فرض كون الأدلة الناهية عن العمل بالظن رادعة عن السيرة على العمل بخبر الثقة ، فمنها:
المحذور الثبوتي الذي ذكره المحقق الخراساني قده وهو لزوم الدور فتكون الرادعية محال ومعه لا تصلح هذه الأدلة للرادعية ، فإذا فرض إنحصار إحتمال الردع بهذه الأدلة وتم دفعه فيتم الإستدلال بالسيرة.
أما لزوم الدور فبيانه: إنَّ الرادعية الأدلة تتوقف على عدم مخصصية السيرة لهذه الأدلة ، وإلا - أي لو كان السيرة مخصصة للأدلة بإخراج الظن الحاصل من خبر الواحد من مطلق الظن المنهي عن العمل به - لما كانت الأدلة رادعة عن العمل بالخبر ، هذا التوقف الأول.
وأن عدم مخصصية السيرة للأدلة موقوف على كون الأدلة رادعة لأنها لو كانت رادعة لما كانت السيرة مخصصة لها ، وعليه تكون الرادعية متوقفة على عدم المخصصية وعدم المخصصية متوقف على الرادعية هذا دور ، وإذا لزم من الرادعية محال فهي محال وبذلك يحرز عدم الرادعية ويصح الإستدلال بالسيرة على حجية الخبر هذا ما ذكره صاحب الكفاية.
ثم إعترض على نفسه بنظير ذلك فقال:
إنّ كون السيرة مخصصة للعمومات موقوف على أن لا تكون العمومات رادعة وإلا لما كانت السيرة مخصصة ، وعدم الردع موقوف على المخصصية وإلا لو كانت السيرة مخصصة لما كانت الأدلة رادعة عن السيرة ، فالمخصصية موقوفة على عدم الردع وعدم الردع موقوف على المخصصية فيلزم من المخصصية المحال كم لزم من الرادعية المحال ، وبهذا ننتهي لا نتيجة عجيبة وهي أنَّ الرادعية مستحيلة فيجوز الإستدلال بالسيرة على حجية خبر الواحد كما أنَّ المخصصية مستحيلة فلا يجوز الإستدلال بالسيرة ، فيثبت أنَّ الرادعية محال كما أنَّ عدمهما محال وهذا إرتفاع للنقيضين !