الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع /الإعتراضات

تتميم الجواب الثاني على الإعتراض الأول:

كأنَّ الإعتراض ناظر الى العمل الخارجي للعقلاء ويقول هذا العمل في بعض الأحيان يكون لأجل حصول الإطمئنان بصدق المخبر أو لأجل الإحتياط أو لقلة الإهتمام بمضمون الخبر فيقال لا يُستفاد من هذا العمل حجية خبر الثقة مطلقاً ، والجواب يريد إثبات حجية خبر الواحد ليست بملاحظة العمل الخارجي للعقلاء وإنما على أساس ملاحظة أنَّ طبع العقلاء وسجيتهم تقتضي العمل بخبر الثقة أو الميل لذلك أو لا أقل عدم رفض العمل به ، وبعبارة أوضح لا يمكن أن نفترض أنَّ سجية العقلاء تقتضي رفض العمل بخبر الثقة ، وبيان ذلك في نقاط:

أولاً: أنَّ المتشرعة من الصحابة وأصحاب الأئمة والرواة والجيل الأول مع الفقهاء كانوا يعملون بالأخبار الواصلة إليهم ممن تقدم عليهم.

وثانياً: هذه الأخبار ليست كلها مما يحصل الإطمئنان بصدقها لأنَّ معظمها منقولة بوسائط عديدة.

وثالثاً: إن وثاقة هذه الوسائط لم تثبت بالوجدان وإنما ثبتت بالتعبد.

فمع هذا كله كيف يقال أنَّ هذا الأخبار تفيد الإطمئنان بالصدور! فمعظم هذه الأخبار ظنية وهم يعملون بها وإلا لزم كثرة الأسئلة والأجوبة من الأئمة وهذا الازم باطل لعدم وصول شيء يدل على عدم حجية خبر الثقة إلينا بل الواصل هو ما يُعزز حجية خبر الثقة كما تقدم في بعض طوائف الأخبار السابقة، وإذا بطل اللازم فالملزوم مثله - أي عدم عملهم بهذه الأخبار - وإذا بطل الفرض الثاني تعين الأول أي أنهم كانوا يعملون بهذه الأخبار.

وتوضيحه: إنَّ وجود هذا الطبع والإرتكاز العقلائي الذي يقتضي الجامع بين الأمور الثلاثة على الأقل مما لا يمكن إنكاره إلا مكابرة ، كما أنَّ من الواضح إنَّ خبر الثقة الذي يقتضي الطبع العقلائي عدم رفضه على الأقل يراد به غير المفيد للإطمئنان فإنه الذي قد يُشكك في إقتضاء الطبع العقلائي العمل به فيقال أنه يقتضي حتماً عدم رفضه أو الميل إليه على الأقل وأما المفيد للإطمئنان فلا تشكيك فيه وهو خارج عن محل الكلام لأنه بمثابة العلم ، إذن المدعى هو إنَّ خبر الثقة غير المفيد للإطمئنان يقتضي الطبع وارتكاز العقلاء العمل به أو الميل الى ذلك أو عدم رفضه وهو الذي يُدعى إنَّ إنكاره مكابرة.

فإذا عرفت ذلك يقال إنَّ هؤلاء المتشرعة إما أن يُفرض عملهم بهذه الأخبار ويرتبون عليها آثار الحجية وإما أن يُفرض عدم عملهم بهذه الأخبار ، فإن فرض الأول تم المطلوب ، وإن فرض الثاني فهذا يستلزم إفتراض أسئلة كثيرة من المتشرعة وأجوبة كذلك منهم عليهم السلام وأن يكون مضمون الأجوبة هو النهي عن العمل بهذه الأخبار ، ويكون ذلك هو السر في عدم عملهم بها ، ووجه الملازمة هو أنَّ المفروض كما تقدم وجود طبع عقلائي يقتضي الميل الى العمل بأخبار الثقات أو عدم رفضه على الأقل ومن الواضح أنه حينئذٍ لا يمكن تفسير عدم عمل هؤلاء بأخبار الثقات على أساس الجري وفق الطبع العقلائي ، نعم يمكن تفسيره على أساس أصالة عدم الحجية ، ولكن على تقدير تسليمه يستلزم ما ذكرناه من كثرة الأسئلة والأجوبة المرتبطة بذلك والناهية عن العمل بهذه الأخبار وذلك لأنَّ أصالة عدم الحجية كأصالة البراءة مشروطة بالفحص ، ومن الواضح أنَّ الفحص والاستعلام بالنسبة إليهم يكون عن طريق سؤال المعصوم وبسؤال خواصه المقربين من أصحابه ، وحيث أنَّ المسألة عامة الإبتلاء عند الجميع كما أنها تشكل أساس الفقه وعماده فلابد من إفتراض تكرر الأسئلة والأجوبة الناهية بالمقدار التي تصلح أن تمنع هؤلاء المتشرعة من العقلاء من العمل بها طيلة هذه المدة إنسجاماً مع طبعهم وسجيتهم العقلائية.

ثم إنّ هذا اللازم باطل لأنّ هذه الكثرة لو كانت موجودة لوصلت إلينا أو شيء منها على الأقل ، إذ لا يُحتمل إختفاء جميع الأخبار الناهية عن العمل بخبر الواحد وعدم وصول بعضها إلينا ، بل الواصل إلينا يدل على الحجية على ما عرفت سابقاً ، وإذا بطل اللازم فالملزوم - أي عدم العمل بها - مثله فيتعين الفرض الأول وهو أنَّ المتشرعة كانوا يعملون بالأخبار الواصلة إليهم.

وهذه الطريقة في الإستدلال تدفع الإعتراض الأول المتقدم - النافي لوجود سيرة على العمل بخبر الواحد مطلقاً - إذ لم يُستدل فيها بعمل العقلاء بل إستدل بالطبع والإرتكاز العقلائي على العمل بخبر الثقة بما هو كذلك لا بما هو موجب للإطمئنان أو موافق للإحتياط كما أنَّ الأخبار التي فرضنا عمل المتشرعة من أصحاب المعصومين بها أخبار لا يفيد أكثرها الإطمئنان على ما تقدم سابقاً.

ومن هنا يتبين أنّ الإعتراض الأول ليس وارداً على الإستدلال بهذه السيرة.

الإعتراض الثاني: إنَّ الإستدلال بالسيرة العقلائية يتوقف على إحراز الإمضاء من قبل الشارع ، بل الدليل هو الإمضاء الشرعي لا السيرة بما هي ، ولا طريق لإحراز إمضاء الشارع إلا بتوسط عدم ردعه وسكوته عن هذه السيرة ، وكيف يدعى ذلك والحال أنه ردع عن العمل بالظن الشامل لهذه السيرة وذلك بالآيات الناهية عن العمل بالظن ؟

بل يكفي إحتمال الردع في عدم تمامية الإستدلال بالسيرة لأنَّ الإستدلال بها يتوقف على إحراز الإمضاء ومع إحتمال الردع لا نحرز الإمضاء.