الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع/

كان الكلام في الإعتراض الأول على الإستدلال بالسيرة العقلائية على حجية خبر الواحد وحاصله:

إنّ السيرة العقلائية لم تنعقد على العمل بخبر الثقة مطلقاً - أي وإن لم يُفد الإطمئنان - بدليل ما نلاحظه من توقفهم عن العمل بخبر الثقة الظني إذا لم يُفد الإطمئنان في مجال أغراضهم الخاصة، وإحتمال العمل بالخبر تعبداً - أي حتى مع الشك في صدقه - غير وارد في سيرتهم بل المناط على حصول الإطمئنان وهذا غير نافع في محل الكلام.

ويضاف له أنَّ عمل العقلاء بالخبر قد يكون للإحتياط لا للبناء على حجيته فلا يمكن إستكشاف حجية الخبر إذا كان الداعي لهم هو الإحتياط، وكذا قد يعمل العقلاء بخبر الثقة بإعتبار قلة الإهتمام بالمُخبَر به فهذا العمل لا يكون منطلقاً من البناء على حجية خبر الثقة، ومع هذه الإحتمالات لا يمكن أن نستكشف حجية خبر الثقة عند العقلاء إذا لم يُفد الإطمئنان ولم يكن من باب الإحتياط وكان المحتمَل قوياً ومهماً ، هذا هو الإعتراض الأول.

وجوابه بالتفريق بين الأغراض التكوينية للعقلاء وبين الأغراض التشريعية لهم ، فلا مانع مما ذُكر في الإعتراض في أغراضهم التكوينية كتوقف التاجر في خبر المخبر إذا لم يُفده الإطمئنان ، وأما في مجال أغراضهم التشريعية فهم يعملون بخبر الثقة تعبداً لأنه هو الذي ينظم العلاقة بين الآمرين والمأمورين ، ويرون أنّ خبر المولى العرفي الذي ينقله الثقة الى العبد يكون منجَزاً عليه حتى إذا لم يحصل له الإطمئنان ولذا يلام إذا تخلف عن العمل به هذا في نقل التكليف ، وهكذا إذا نقل له عدم التكليف فيرون أنَّ الخبر معذر للعبد أمام المولى وليس له الإحتجاج عليه ، فتثبت المنجزية والمعذرية وهذا هو معنى الحجية التعبدية في مجال الأغراض التشريعية ، فعدم تصور التعبد عند العقلاء صحيح ولكن في مجال الأغراض التكوينية وأما في مجال الأغراض التشريعية فلا مانع من إفتراض بنائهم على حجية خبر الثقة تعبداً.

وأما العمل بالخبر من باب الإحتياط فهو مسلّم في الجملة خصوصاً في الأغراض التكوينية ولكن دعوى أنَّ جميع العقلاء يعملون بالخبر من باب الإحتياط لا مجال لها وذلك باعتبار انهم يعملون بالخبر بناءً على مرتكزات ونكات عقلائية مستقرة في أذهانهم وهي التي تدفعهم الى العمل بخبر الثقة ومن الصعب أن تصور أنّ جميع العقلاء يعملون بالخبر من باب الإحتياط فإنّه يعني إلغاء للنكات والإرتكازات العقلائية.

ويضاف الى ذلك أنَّ العمل بخبر الثقة لو كان من باب الإحتياط كما إدعي لكان مقتصراً على خصوص الأخبار المثبتة للتكليف وأما الأخبار النافية للتكليف فلا يتصور فيها الإحتياط لأنه إذا ترك العمل يكون عاملاً بالخبر لا محتاطاً ، وهذا مؤشر على أنَّ السيرة ليست قائمة على العمل بخبر الثقة من باب الإحتياط ، وأما عمل بعض العقلاء بالخبر من باب الإحتياط فمسلَّم ولكنه لا يؤثر في النتيجة.

ونفس الكلام يقال في العمل بخبر الثقة من باب عدم أهمية المُخبَر به فهو مسلَّم أيضاً ولكنه لا يُشكل ظاهرة عند جميع العقلاء.

الجواب الثاني: إنَّ هذا الإعتراض له وجه إذا كان ناظراً الى السيرة العقلائية كعمل خارجي وجري عملي ، وأما إذا لاحظنا الإرتكازات العقلائية التي ينطلق منها العمل الخارجي والتي هي الأساس فيه فهذا الإعتراض غير وارد ولا يمكن القول أنَّ هذه الإرتكازات بعضها ينشأ من الإطمئنان وبعضها من باب الإحتياط وبعضها لقلة الإهتمام بالمُخبَر به ، وتوضيح ذلك:

إذا كان الإستدلال بالطبع والإرتكاز العقلائي الذي يقتضي العمل بخبر الثقة أو الميل الى ذلك أو عدم رفضه على الأقل فلا يرد الإعتراض وذلك باعتبار أنَّ وجود هذا الطبع والإرتكاز العقلائي الذي يقتضي على الأقل عدم رفض العمل بخبر الثقة يراد به الخبر غير المفيد للإطمئنان وهو الذي يدعى أنَّ إنكاره مكابرة ، ثم إنّ إخبار الثقات الناقلة للإحكام الشرعية التي هي محل إبتلاء المتشرعة من الصحابة وأصحاب الأئمة عليهم السلام وعلماء عصر الغيبة ليست كلها قطعية السند ولا يحصل الإطمئنان بصدورها بل هي أخبار لا تُفيد إلا الظن بالصدور على أحسن الأحوال لأنها منقولة لهم بوسائط خصوصاً أنّ بعض هذه الوسائط ثبتت وثاقهم بالتعبد فكيف يمكن دعوى حصول الإطمئنان بصدور هذه الأخبار!

فإذا عرفت ذلك يمكن أن يقال أنَّ هؤلاء المتشرعة إما أن نفترض أنهم يعملون بهذه الأخبار انسجاماً مع الطبع العقلائي المرتكز في أذهانهم وأما أنهم لا يعملون بها في المجال الشرعي ، وعلى الأول يثبت المطلوب من دون فرق بين أن يكون عملهم بهذه الأخبار قائماً على أساس التلقي من الشارع فيما إذا فرضنا صدوره منهم بما هم متشرعة أو كان قائماً على أساس الطبع العقلائي فيما إذا فرضنا صدوره منهم بما هم عقلاء فعلى كلا التقديرين يثبت المطلوب فإنه على الإحتمال الأول يُثبت الرأي الشرعي بنفسه لكونه معلولاً له فيكشف عنه كشف المعلول عن العلة ويثبت بذلك حجية خبر الواحد الظني ، وعلى الإحتمال الثاني - أي أنهه صدر من المتشرعة بما هم عقلاء - كما هو الأرجح فيثبت المطلوب أيضاً ولكن بضميمة الإمضاء المستكشف من سكوت الشارع وعدم ردعه ، وقد نبهنا الى أنَّ إثبات عدم الردع هنا واضح لكون العمل صادراً من المتشرعة إذ لو ردع الشارع لانتهى المتشرعة ولما إنعقدت السيرة أصلاً ومخالفتهم له أجمع غير محتملة ، ومع إثبات عدم الردع نستكشف الإمضاء ويثبت المطلوب.

وعلى الثاني - أي عدم عمل المتشرعة بهذه الأخبار - فلازمه إفتراض أسئلة كثيرة من المتشرعة وأجوبة كثيرة من الشارع ولو كانت موجودة لوصلت إلينا واللازم باطل بمعنى عدم وصول شيء من ذلك ، بل وصل إلينا ما يُعزز حجية خبر الثقة كما في الطوائف المتقدمة من الروايات ومع بطلان اللازم يثبت بطلان الملزوم وهو فرض كثرة الأسئلة والأجوبة فيثبت بذلك بطلان الفرض الثاني وهو عدم عمل المتشرعة بالأخبار فيتعين الفرض الأول وهو المطلوب.