الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع/

كان الكلام في الإشكال الأول على الإجماع العملي للفقهاء على العمل بخبر الواحد الظني، وحاصله إنّ مسالكهم في وجه العمل بالخبر مختلفة فبعضهم يعمل به لحجية الظن مطلقاً لتمامية دليل الإنسداد بنظره ، وبعضهم يعمل به لأنه يرى أنه محفوف بقرائن قطعية تفيد القطع بالصدور ، ومع إختلاف مسالكهم لا يمكن القول إنهم أجمعوا على العمل بخبر الواحد الثقة الظني، نعم لو فرضنا أنهم جميعاً عملوا بخبر الواحد الظني لكونه خبراً ظنياً لا للمسالك المتقدمة فهذا إجماع نافع في إثبات الحجية.

الإشكال الثاني: يحتمل في عمل الفقهاء بخبر الواحد الظني أنهم عملوا به بما هم عقلاء لا بما هم فقهاء ومتشرعة، بل نفس عمل المتشرعة بخبر الواحد يحتمل فيه ذلك ، وبناءً عليه يكون داخلاً في دليل السيرة العقلائية ولا يكون دليلاً في قباله.

التقريب الثالث: أنَّ المتشرعة جرت سيرتهم العملية على العمل بخبر الواحد الظني في الأخذ بالأحكام.

ويرد عليه ما تقدم من أنَّ العمل الصادر منهم لا يعلم وجهه فيحتمل أن يكون صادراً منهم بما هم عقلاء ولابد في سيرة المتشرعة أن نفترض صدور العمل منهم بما هم متشرعة فيكون كاشفاً عن الدليل الشرعي وأنهم تلقوه من الشارع ، ولذا تكون السيرة كاشفة عن الدليل الشرعي كشف المعلول عن العلة ولا تحتاج الى ضم شيء آخر لها ، بخلاف السيرة العقلاء التي ليس فيها كشف من هذا القبيل وإنما يصدر العمل منهم بما هم عقلاء ولذا يحتاج الإستدلال بسيرة العقلاء الى تتميم وهو إستكشاف الإمضاء الشرعي من سكوت الشارع وعدم الردع عنها فيكون الدليل هو الإمضاء الشرعي ، ومع إحتمال صدور العمل من المتشرعة بما هم عقلاء تدخل هذه السيرة في سيرة العقلاء ولا تكون دليلاً في قباله.

والذي يمكن أن يقال في المقام هو أنه لا إشكال في أنَّ المتشرعة عملوا بالروايات التي يرويها الثقات في الشبهات الحكمية خصوصاً أصحاب الأئمة كما يظهر ذلك من روايات كثيرة ، كما لا إشكال في عدم إمكان حصول القطع لهم من جميع هذه الأخبار وذلك باعتبار صعوبة إفتراض حصول القطع بهذه الروايات مضموناً وصدوراً لأنها غالباً ما تكون منقولة بواسطة أو بوسائط خصوصاً ما يُنقل عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة المتقدمين عليهم السلام ومع تعدد الوسائط يصعب جداً إفتراض حصول القطع بالصدور أو بالمطابقة للواقع ، فغالب الروايات التي عمل بها المتشرعة هي أخبار ظنية لا تفيد القطع واليقين ، فإن أمكن إثبات أنَّ عملهم بها كان بما هم متشرعة لا بما هم عقلاء أمكن جعل ذلك دليلاً على حجية العمل بخبر الواحد من دون الحاجة الى ضم دلالة الإمضاء من المستكشفة من السكوت وعدم الردع ، ويمكن إثبات ذلك في السيرة العملية للمتشرعة القائمة في الأحكام الشرعية التفصيلية والتي لا يتوهم صدورها منهم بما هم عقلاء كسيرتهم على الوقوف في عرفات في يوم التاسع من ذي الحجة من الظهر الى المغرب الذي لا يحتمل فيه صدوره منهم بما هم عقلاء لعدم وجود نكات عقلائية تقتضي ذلك فلابد أن يكون مصدره هو التلقي من الشارع.

وأما إذا فرضنا إنعقاد سيرة لهم في مورد يمكن إفتراض صدوره منهم بما هم عقلاء مع إحتمال تلقيه من الشارع أيضاً فكيف يمكن إثبات صدور السيرة منهم بما هم متشرعة لا بما هم عقلاء ؟

وهذا ما ينطبق في محل الكلام إذ من محتمل جداً إن عمل المتشرعة بالخبر بما هم عقلاء لا بما هم متشرعة لأنَّ غيرهم من العقلاء يعملون بالخبر إذا كان راويه ثقة وهذا يعني وجود نكات عقلائية تقتضي العمل بخبر الثقة الواحد ، فسيرة المتشرعة مختلفة ففي بعض الموارد لا يحتمل نشؤها من النكات العقلائية وفي موارد أخرى يحتمل فيها ذلك لوجود مرتكزات عقلائية تقتضيها ، وفي محل الكلام يصعب إثبات صدور السيرة منهم بما هم متشرعة لوجود مرتكزات عقلائية على العمل بخبر الواحد.

ولكن يمكن تجاوز هذا الإحتمال بتطبيق ما يذكر في السيرة العقلائية هنا وهو أنَّ إستكشاف رضا الشارع يحتاج الى ضميمة السكوت مع كشفه عن الإمضاء ، فلابد من إثبات سكوت الشارع أولاً ولابد من إثبات أنه كاشف عن الإمضاء ثانياً وذلك بإعتباره مسؤولاً عن حفظ الشريعة فإذا رأى عملاً قد يعرض أغراضه الشرعية للخطر وذلك بامتداد سلوكهم العقلائي الى المجال الشرعي فلو لم يكن راضياً به لردع عنه وإلا لعرّض أغراضه الشرعية للفوات والخطر فإذا سكت فلابد من أن يكون سكوته كاشفاً عن الإمضاء ، وتطبيق ذلك في سيرة المتشرعة بأن نقول إنّ المتشرعة عملوا بخبر الواحد الثقة في المجال الشرعي بمرأى ومسمع من الإمام عليه السلام فلو لم يرض بذلك لردعهم عنها وحيث لم يردع عنها فنستكشف من ذلك الإمضاء.

وإثبات عدم الردع في سيرة المتشرعة أسهل منه في سيرة العقلاء وذلك لأنَّ الردع لو فرض وجوده لما إنعقدت السيرة أصلاً إذ لا يعقل صدور عمل منهم بما هم متشرعة مع ردع الشارع عنه ، فنفس إنعقاد السيرة يكشف عن عدم الردع من قبل الشارع حتى لو صدرت منهم بما هم عقلاء ، بخلافه في سيرة العقلاء التي تفتقر الى ضم عدم الردع عنها ، فقد توجد سيرة من قبل العقلاء ويردع عنها الشارع إلا أنهم يستمرون ولا يرتدعون عنها فإثبات عدم الردع بحاجة الى مؤنة في سيرة العقلاء بخلافه سيرة المتشرعة.

وفي الإصطلاح سيرة المتشرعة التي تصدر منهم بما هم عقلاء تسمى بسيرة المتشرعة بالمعنى الأعم وأما ما يصدر منهم بما هم متشرعة فهي سيرة المتشرعة بالمعنى الأخص.

ومن هنا يظهر أنَّ الإستدلال بسيرة المتشرعة في قبال السيرة العقلائية يتوقف على إحراز أنّ العمل بخبر الثقة الواحد قد صدر من أصحاب الأئمة والرواة بما هم متشرعة فيكون كاشفاً عن الدليل الشرعي كشف المعلول عن العلة لكن إثباته في محل الكلام لا يخلو من صعوبة.

ومنه يظهر أنَّ العمدة في الإستدلال على حجية خبر الواحد هو التمسك بالسيرة العقلائية أي الإجماع العملي للعقلاء.

والظاهر أنه لا مجال للتشكيك في إنعقادها على العمل بخبر الواحد الثقة ومع ذلك لا يخرج عن كونه ظنياً ، وهذه السيرة لصدورها من نكات عقلائية صرفة فهي لا تتغير بتغير الزمان والمكان والمجتمعات عادة ولأنها كذلك فلا بد أن تكون متصلة بزمان المعصوم بمعنى أنها غير حادثة بعده فالعقلاء في زمانه يعملون بخبر الثقة ، وبعد إثبات المعاصرة نقول أنَّ العقلاء يعملون بالخبر بمرأى ومسمع من الشارع وقد سكت عن ذلك ولم يردع فنستكشف من سكوته وعدم ردعه الإمضاء ويكون هو الدليل على الحجية لا ذات السيرة ، فهنا مقدمات لابد من إثباتها:

    1. انعقاد السيرة على العمل بخبر الثقة.

    2. معاصرة السيرة للمعصوم.

    3. عدم ردع الشارع عنها.

    4. أن سكوت الشارع وعدم ردعه يكشف عن الإمضاء.

وقد واجهت هذه السيرة بعض الإعتراضات:

الأول: من غير المعلوم إنعقاد السيرة على العمل بخبر الثقة مطلقاً وإنما المتيقن منها هو إنعقادها على العمل بخبر الثقة إذا حصل الإطمئنان بخبره ولذا لا يعملون بخبره مع التردد كما في الأمور المهمة والخطيرة وإنما يحصلون ما يوجب الإطمئنان مع هذا الخبر ، والمطلوب إثباته هو حجية خبر الواحد تعبداً أي حتى مع الشك بل الظن بالمخالفة.

وأجيب عنه:

أولاً: إنَّ هذا الإعتراض صحيح ولكنه في مجال تحصيل الأغراض التكوينية للعقلاء فلا يعملون بخبر الثقة إلا إذا أفاد الإطمئنان ولا تعبد لهم في هذا المجال ، وأما في مجال الأغراض التشريعية كالإدانة وإستحقاق العقاب أو عدمه والطاعة والمعصية فمن الممكن أن ندعي أنَّ العقلاء يبنون على حجية خبر الثقة تعبداً أي حتى مع عدم حصول الإطمئنان.