44/04/11
الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع/
ومن الروايات الخاصة رواية علي بن حديد وهو الحديث 120 في الباب 5 جامع أحاديث الشيعة ج1 ص 306:
(قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إنّ أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يُتم وبعضهم يُقصِّر وأنا ممن يتم على رواية قد رواها بعض أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم ، قال: رحم الله ابن جندب... الحديث)
وتقريب الإستدلال بها يكون بتقرير الإمام عليه السلام لعمل هذا الراوي بالرواية التي رواها ببعض أصحابنا وفي التمام مع انها لا تفيد القطع واليقين وإنما تفيد الظن عادة والإمام أقرّه على ذلك من دون سؤاله هل أفادت لك العلم أو لا فيُفهم من سكوت الإمام عن العمل بهذه الرواية الظنية تقريره لذلك وبهذا يفهم أن الخبر الظني حجة.
ويلاحظ عليه: أنَّ سكوته عليه السلام فيه إحتمال آخر وهو أنَّ الحكم الواقعي في هذه المسألة هو التخيير فيكون التقرير بلحاظه لا بلحاظ العمل برواية ظنية رواها بعض أصحابنا.
الى هنا يتم إستعراض الروايات التي يستدل بها في المقام ، وقد تبيّن أنَّ الروايات الدالة على حجية خبر الواحد ليست كثيرة وإنما هي بحدود عشرين رواية ، فإذا فرضنا تحقق التواتر بهذا العدد فهو المطلوب وكفى بذلك دليلاً ، وإلا فعلى الأقل هذا العدد يوجب حصول الإطمئنان والركون الى حجية خبر الواحد في الجملة ، والمقصود بالإطمئنان هنا هو الإطمئنان الشخصي ومعه لا ضرورة لتحقق عنوان التواتر ولا أهمية له ، ولعل ذلك يزداد وضوحاً إذا لاحظنا بعض الخصوصيات السندية والدلالية الموجودة في بعض هذه الأخبار والتي قد تكون مؤيدة لحصول الإطمئنان للقدر المشترك بينها وهو حجية خبر الواحد في الجملة ، فمن تلك الخصوصيات ما في رواية الحِميري من الدرجة العالية من الصحة في السند ، فيحصل عادة من مجموع ذلك الإطمئنان بثبوت هذا المفاد.
وعلى تقدير تحقق التواتر فالظاهر أنه معنوي وليس تواتراً إجمالياً وذلك باعتبار وجود جهة مشتركة تتفق عليها هذه الأخبار غاية الأمر أنها تدل عليها من جهات مختلفة فبعضها يدل عليها بالمطابقة وبعض يدل عليها بالإلتزام ، وما تتفق عليه هذه الروايات هو حجية خبر الثقة المأمون.
وقد يقال: إنَّ ما تتفق عليه هذه الروايات ليس هو حجية خبر الثقة المأمون لأنَّ فيها ما ظاهره اعتبار العدالة من قبيل ما ورد في زكريا بن آدم بأنه (المأمون على الدين والدنيا)، وكذا قوله عليه السلام في مرفوعة زرارة الواردة في باب التعارض (خذ بقول أعدلهما) ، وبعضها يفيد اعتبار أن يكون الراوي إمامياً كالتعبير بــ (ثقاتنا) ، والحاصل أنَّ القدر المشترك بين هذه الروايات ليس هو حجية قول الثقة المأمون وإنما هو حجية خبر العادل الإمامي الثقة المأمون.
وجوابه: أما رواية علي بن المسيب التي فيها (زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا) فلا دلالة فيها على إعتبار هذه الصفة في الراوي وإنما هذه العبارة ذكرت كتوصيف لزكريا بن آدم القمي وتعليل العمل بخبره بالمرتبة العالية من الوثاقة والمأمونية والعدالة لا ينافي أن يكون العمل بخبر الثقة ثابت أيضاً وهو نظير أن يكون الإسكار مطلقاً علة لتحريم الخمر ولكن يعلل بعض أصنافه - كالنبيذ - بالإسكار الشديد ، وفي المقام كذلك فتعليل بعض الأخبار بالمرتبة العالية من الوثاقة والعدالة لا ينافي أن يكون المعتبر في الحجية هو مطلق الوثاقة إذا دلّ دليل عليها ، فنعمل بهذه الأخبار ونلتزم بأنَّ الحجية لمطلق الثقة وإن ورد التعليل بأعلى درجات الوثاقة والعدالة.
وأما ما ورد في باب التعارض من قوله عليه السلام (خذ بقول أعدلهما) فيحتمل أن يكون المراد منه هو العدالة بمعناها اللغوي الذي يساوق الوثاقة والمأمونية وليس المراد العدالة بمعناها الإصطلاحي الخاص المعتبر في موارد معينة كإمامة الجماعة ، مضافاً الى أنَّ هذه الرواية ليس فيها دلالة على الإشتراط وإن كانت العدالة بمعناها الإصطلاحي وذلك باعتبار أنَّ الراوي إفترض في سؤاله عدالتهما فأجابه بـــ (خذ بقول أعدلهما) وهذا ليس فيه دلالة على إشتراط العدالة ولو كانت شرطاً لعبر عنها بتعبير صريح فكما أنَّ قوله (خذ بقول افقههما) لا يدل على إعتبار الفقاهة في الراوي فكذلك قوله (خذ بقول أعدلهما) ليس فيه دلالة على إعتبار العدالة حتى يكون منافياً للمستظهر من هذه الروايات هو إعتبار خبر الثقة المأمون.
وأما رواية المراغي التي فيها (لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روى عنا ثقاتنا) فقد تقدم أنها ليست من أدلة حجية خبر الثقة وإنما هي من أدلة حجية من كان ثقة عند الإمام عليه السلام وليس هو المقصود في محل الكلام، ولذا لم نستدل بها على المطلب فتكون خارجة عن الروايات التي قلنا عنها إن لم تبلغ التواتر فهي تفيد الإطمئنان الشخصي.
ولو تنزلنا وسلّمنا أنَّ الجهة المشتركة بين هذه الروايات هي خبر الثقة العادل الإمامي المأمون فمع ذلك يمكن إثبات حجية خبر الثقة مطلقاً بطريق آخر وذلك عن طريق الفحص في الروايات والعثور على رواية مضمونها حجية خبر الثقة مطلقاً مع وجدانها لهذه الصفات - أي يكون راويها عادلاً وامامياً وثقة ومأموناً - فيكون حجة بمقتضى هذه الروايات فنأخذ بمضمونه وهو حجية خبر الثقة مطلقاً ، ويمكن تطبيق ذلك على رواية الحِميري فإنَّ رواة هذا الخبر كلهم واجدون لهذه الصفات ومضمونه هو حجية خبر الثقة مطلقاً ، هذا إذا تجاوزنا المناقشة الدلالية المتقدمة وإلا طبقنا ذلك على راوية أخرى.
الى هنا يتم الإستدلال بالأخبار على حجية خبر الثقة.
الدليل الثالث الإجماع
الإجماع المستدل به على حجية خبر الواحد له عدة تقريبات ذكرها الشيخ:
1. الإجماع القولي وهو الحاصل من تتبع أقوال العلماء.
2. الإجماع العملي من قبل الفقهاء بمعنى عملهم بخبر الواحد في مقام إستنباط الأحكام الشرعية.
3. الإجماع العملي من قبل المتشرعة وهو المعبر عنه بسيرة المتشرعة.
4. الإجماع العملي من قبل العقلاء المعبر عنه بسيرة العقلاء.
والمهم هو الثالث والرابع أي سيرتي المتشرعة والعقلاء ، وأما الأول فالتشكيك فيه من جهة أنّ تحققه على وجه يكون كاشفاً عن رأي المعصوم غير واضح لنكتتين:
الأولى أنّ له معارض وهو دعوى الإجماع على عدم حجية خبر الواحد كما عن السيد المرتضى.
الثانية قوة إحتمال أن يكون هذا الإجماع مدركياً بمعنى استناده الى أحد الأدلة المتقدمة أو الآتية وقد ثبت في محله أنَّ الجماع المدركي لا أهمية له ولا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم.
وأما الثاني فاستشكل فيه بأنَّ العاملين بخبر الواحد في إستنباط الحكم الشرعي لهم مسالك مختلفة فبعضهم يعمل بالخبر باعتبار إحتفافه بقرائن تفيد القطع بنظره ، وبعضهم يعمل به بناءً على حجية مطلق الظن بناءً على الإنسداد ، وبعضهم يعمل به باعتباره مما قام الدليل الخاص على إعتبار حجية الظن الحاصل من خبر الواحد ، فمثل هذا الإجماع العملي لا يعتنى به إذ لا يكون هناك إجماع عملي على حجية خبر الواحد الظني وإنما هناك طائفة تعمل به وتدعي قيام الدليل على حجيته وفي قبالهم طائفة تعمل به باعتبار أنه يورث القطع لقرائن ، وطائفة تعمل به لحجية مطلق الظن من دون فرق بين الظن الحاصل من خبر الواحد والظن الحاصل من غيره ، فمثل هذا الإجماع العملي ليس إجماعاً في واقعه ، فالمهم في المقام هو سيرة المتشرعة و سيرة العقلاء.