44/04/09
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من السُّنة/
الطائفة السابعة: ما دلَّ على لزوم ضبط الأحاديث وعدم الزيادة والنقصان فيها كرواية أبي بصير ص301 الحديث 100: (قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله جل ثناؤه: ﴿ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤ﴾ ؟ قال: هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه.)
ومثله الذي بعده 101: (..قال: هم المسلِّمون لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سمعوا الحديث أدوه كما سمعوه لا يزيدون ولا ينقصون.) ونحوها غيرها بمضمونها
ولكن الإستدلال بهذه الطائفة ليس له تقريب واضح فهذه الروايات ناظرة الى ناقل الحديث الذي لا يزيد فيه ولا ينقص ولا نظر لها الى حجية قوله، بل يصح خطابه بذلك حتى إذا لم يكن قوله حجة، فالأمر بالضبط لا يعني حجية قول الناقل.
الطائفة الثامنة: ما دلَّ على المنع من رفض الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام لمجرد عدم موافقتها لذوق الإنسان واستحسانه وعقله الناقص، فمنها الحديث 5 في ص271 رواية الحذاء:
(سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكَفَّر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أُسنِد، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا.)
وهي صحيحة السند ومضمونها عال جداً وهو النهي عن المسارعة الى تكذيب الأحاديث لمجرد أنها لا تلائم ذوق الإنسان وعقله الناقص، نعم لا تسارع الى تصديقه من دون ثبوت حجيته ولا تسارع أيضاً الى تكذيبه فلعله منهم خرج وإليهم أُسنِد وهذا المضمون لا إشكال فيه إلا أنه لا يرتبط بحجية الحديث إذ ينسجم هذا النهي مع كون الحديث حجة أو عدم كونه كذلك، بل نقول إنَّ مورد النهي هو الخبر الذي لم تثبت حجيته ولذا يسارع السامع الى تكذيبه وأما ما ثبتت حجيته فلا يُسارع الى تكذيبه عادة ، فليس في النهي عن التكذيب دلالة على حجية الخبر ، وبعبارة أوضح عدم حجية الخبر لا يعني عدم صدوره.
الطائفة التاسعة: ما دلَّ على الترجيح بموافقة الكتاب
والظاهر منها أنَّ الترجيح بموافقة الكتاب باعتباره قطعي الصدور فالخبران الظنيان إذا تعارضا وكان أحدهما موافقاً للكتاب - بمعنى موافقاً لإطلاقه أو لعمومه لا بمعنى وجود نفس مضمون الخبر وإلا لم يكن ظنياً كما أنَّ المخالفة لا تعني المخالفة لصريح الكتاب إذ لا تصل النوبة الى التعارض إلا بعد الفراغ من إستكمال كل واحد من المتعارضين لشرائط الحجية ولو كان مخالفاً كذلك لسقط عن الحجية بلا إشكال - فهذه الأخبار ترجح الموافق على المخالف مع بقاء كل من الخبرين ظنياً فتكون ناظرة الى محل الكلام وأنَّ الخبر الظني يكون في نفسه حجة لولا المعارضة ، فهذه الطائفة فيها دلالة على الحجية في الجملة.
الطائفة العاشرة: ما دلّ على أنّ من دان الله بغير سُماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة:
منها الحديث 123 ص 307: (عن المفضل بن عمر قال: قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من دان الله بغير سُماع عن صادق ألزمه الله التيه إلى العناء ومن ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك وذلك الباب المأمون على سر الله المكنون.)
ومثله الحديث 124: (عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: من دان الله بغير سُماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة)
الى غيرها مما كان بهذا المضمون، ويقال في تقريب الإستدلال بها أنَّ فيها دلالة على أنَّ من يدين الله بسماع من صادق فهو أمر جائز وليس منهياً عنه وأما من دان الله بسماع من غير صادق فمنهي عنه، ولا موجب لتخصيص الـــ (صادق) بالمعصوم، بل هو عام يشمل كل مخبر صادق، والمقصود من (دانَ الله) هو إثبات الحكم الشرعي واعتباره حكم الله عز وجل ، وعليه لا إشكال في من دان الله بسماع من صادق.
وفيه: أنه قال (من دان الله بغير سُماع من صادق) والظاهر أنها ناظرة الى إثبات الأحكام الشرعية إعتماداً على الذوق والاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها فالتقابل يكون بين من دان الله بسماع من صادق ومن دان الله بغير سماع من صادق ولم تقل (بسماع من غير صادق) كما في التقريب، فالظاهر منها هو إثبات الأحكام الشرعية عن صادق ، ففيها دلالة على حجية قول الصادق في نقل الأحكام الشرعية.
الطائفة الحادية عشر: ما دلَّ على الأمر بنقل بعض الأحاديث:
كحديث أبان بن تغلب 15 ص 274 :(عن أبي عبد الله (عليه السلام) يا أبان إذا قدمت الكوفة فاروِ هذا الحديث: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة...)
والذي بعده: عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام).. الى أن قال.. (يا جميل إروِ هذا الحديث لإخوانك فإنه ترغيب في البر)
والحديث الذي بعده:(علي بن الحسن بن فضال عن معاوية بن حكيم عن أبي مالك الحضرمي عن أبي العباس البقباق قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام قال: فقال لي: ارو عنى أن من طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فقد بانت منه.)
والإستدلال بها مبني على ما تقدم من دعوى الملازمة بين الأمر بالنقل والنشر والسؤال والإنذار من جهة وبين وجوب القبول من جهة أخرى وحيث أنَّ الأمر بالنشر مطلق فيكون وجوب القبول مطلق أيضاً أي سواءً أفاد العلم أو لم يُفده، والثاني هو المطلوب فإذا لم يُفد العلم وجب قبوله.
وقد تقدمت الخدشة في الملازمة بين الإطلاقين وإنَّ سلَّمناها بين أصل الوجوبين لثبوتها بمقتضى دلالة الاقتضاء، وصورنا الفائدة في إطلاق وجوب النشر والسؤال مع تقييد وجوب القبول بما أفاد العلم فلا يكون ذلك لغواً.
هذه هي الطوائف التي ذكرها الشيخ الأنصاري قده في الرسائل، وهناك روايات أخرى متفرقة مهمة:
الأولى: صحيحة محمد بن مسلم في ص 323 الحديث 38 عن الكافي:
(عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب، فيجيء منكم خلافه ؟ قال: إن الحديث يُنسخ كما ينسخ القرآن.)
والإستدلال بها مبني على أنها ظاهرة في أنَّ الذي لا يتهم بالكذب يكون خبره حجة، ولذا أجابه الإمام بأن الحديث يُنسخ ، وهو يعني أنه حجة ولكن نُسخ بما جاء من عندنا، مضافاً الى أنَّ تعجب السائل يعني أنه افترض أنَّ الحديث حجة ما ذلك إلا لأن رواته أقوام لا يتهمون بالكذب فتعجب وسأل كيف يأتي منكم ما يخالف هذا الخبر ؟! ولو لم يكن حجة لما تعجب من مجيء خلافه، والإمام أقره على فهمه وأجابه أنَّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.
الثانية: صحيحة الحميري ص 269 الحديث 1 في الباب الخامس وهي في أعلى درجات الصحة، ويقول السيد الشهيد قده عنها أنها قطعية الصدور نظراً الى سندها:
محمد بن عبد الله - يعني الحميري - ومحمد بن يحيى - يعني العطار - جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري قال:
(اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسئلك عنه فان اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجة الا إذا كان قبل القيمة بأربعين يوماً فإذا كان ذلك رفعت الحجة واغلق باب التوبة فلم يك ينفع نفساً ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً فأولئك شرار من خلق الله عز وجل وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكني أحببت ان ازداد يقيناً وإنَّ إبراهيم عليه السلام سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته وقلت من أعامل أو عمن آخذ وقول من أأأقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون ، وأخبرني أبو علي سأل أبا محمد عن مثل ذلك فقال له العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول امامين قد مضيا فيك، قال فخر أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك ، فقلت له: أنتَ رأيت الخلف من بعد أبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال اي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيده ، فقلت له فبقيت واحدة ، فقال لي هات: قلت فالاسم ؟ محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن أحلل ولا أحرم ولكن عنه عليه السلام فان الامر عند السلطان إنَّ أبا محمد عليه السلام مضى ولم يخلف ولداً وقُسِّم ميراثه واخذه من لا حقّ له فيه وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك.)
والإستدلال به بفقرتين:
الفقرة الأولى: قول الإمام الهادي عليه السلام: (العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي فإنه الثقة المأمون) التي يفهم منها التعليل وهذا يعني أنَّ الإرجاع لا يختص بالعمري وإنما في الحديث دلالة على التوسعة في موضوع الحجية وأنه كل من كان ثقة مأموناً.
وإعترض عليه بإعتراضات:
الأول: أنَّ الحديث دال على حجية خبر الثقة المطلق لا حجية خبر مطلق الثقة لأنَّ قوله (فإنه الثقة المأمون) متفرع على قوله (العمري ثقتي) فهذا هو الذي يرجع إليه، فالحديث دال على حجية قول من يكون ثقة للإمام وله منزلة خاصة بحسب هذه الإضافة ولا وليس دالاً على حجية خبر مطلق الثقة وإن لم يكن من ثقات الإمام عليه السلام.