44/04/06
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من السُّنة/
مما يضاف الى روايات الطائفة الثالثة ما ورد مستفيضاً في المحاسن وغيره ، ففيه عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سارعوا في طلب العلم فوالذي نفسي بيده لحديث واحد تأخذه عن صادق خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضة.)[1]
والإستدلال بقوله (عن صادق) الدال على حجية نقل الخبر فحتى لو قلنا أنَّ المراد بــالصادق هو خصوص الإمام عليه السلام فالأخذ عن المعصوم يكون حجة ويكون خيراً من الدنيا وما حملت، نعم لو ورد التعبير (من صادق) وفسِّر بالإمام خاصة فلا دلالة فيها على حجية خبر الواحد لأنه يكون قطعياً حينئذٍ.
ومنها قولهم عليهم السلام: (..فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرنا، ونحملهم إياه إليهم..)[2]
ولكن الإستدلال بها يواجه إشكالاً وهو أنَّ الرواة الذين أمروا بعدم التشكيك فيما رووه عنهم عبروا عنهم بـــ (ثقاتنا) الظاهر في أنهم من خواصهم عليهم السلام ، كما أنَّ ذيل الحديث ظاهر في لذلك أيضاً وهذا أخص من الثقة فلا دلالة فيه على حجية خبر الواحد الظني الذي نشك في نقله بشكل صحيح.
ومنها مرفوعة الكناسي (عن محمد الكناسي عمن رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز ذكره: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ قال: هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتبعون أبدانهم حتى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلوه إليهم ، فيعيه هؤلاء ويضيعه هؤلاء ، فأولئك الذين يجعل الله عز ذكره لهم مخرجاً ويرزقهم من حيث لا يحتسبون..)[3]
وقد يقال في تقريب الإستدلال بها أنّ فيها دلالة على أنَّ نقلة الحديث ضيعوه والمنقول إليهم انتفعوا به وهو يستلزم الحجية الخبر.
ولكن المرفوعة ليست في مقام بيان حجية خبر الواحد وإنما هي في مقام بيان أنّ الخبر قد يستفيد منه سامعه ولا يستفيد منه ناقله على غرار (رُبَّ حامل فقه الى من هو أفقه منه) فليست بصدد بيان حجية خبر الناقل وإنما هي تفترض أنَّ الخبر الذي يكون حجة قد ينتفع منه السامع ولا ينتفع منه الناقل وفرق بين الأمرين.
الطائفة الرابعة: وهي روايات الكثيرة التي يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد ، فمنها ما تقدم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله فقيهاً عالماً يوم القيامة).
إستدل بها على حجية خبر الواحد باعتبار الحث على حفظ الأحاديث ونقلها وإذاعتها المستفاد من قوله (على أمتي).
ويلاحظ عليه:
أولاً: من المحتمل أن يكون الغرض من الحث على حفظ الحديث هو صيانته عن الضياع والتلف فلا تكون ناظرة الى حجية نقل الخبر بالنسبة الى السامع.
وفيه: إنَّ قوله (على أمتي) فيه دلالة على أنَّ الغرض من الحفظ هو العمل بهذه الأحاديث وهذا ما يدفع هذا الإعتراض.
وثانياً: أن يقال إنّ الرواية ليس فيها دلالة على الحجية التعبدية لإحتمال أن يكون الغرض من حث كل واحد على حفظ أربعين حديثاً هو الحجية في صورة حصول العلم بمطابقة الخبر للواقع على غرار ما قلناه في آية الأذن والحذر وغيرهما من أنه لا مانع من إطلاق السؤال لكن وجوب القبول يكون مقيداً بما إذا حصل منه العلم وتمكنا هناك من تصوير الفائدة على هذا الإحتمال ومعه لا تكون دلالة الإقتضاء ودعوى الملازمة التي يعتمد عليها الإستدلال تامة.
ومنها ما ورد في الترغيب في الرواية والحث على إبلاغ ما في كتب الشيعة مثل قوله عليه السلام: (حدثوا بها فإنها حق)
ومن ذلك : (..عن داود بن القاسم أنَّ أبا جعفر الجعفري قال: أدخلتُ كتاب يوم وليلة الذي ألفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفح كله ثم قال هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله)[4]
و كذلك الحديث 31 عن إبن فضال ومحمد بن عيسى عن يونس جميعاً قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه السلام على أبي الحسن عليه السلام فقال: هو صحيح)
والحديث 32 (عن أبان ابن أبي عياش قال هذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثم الهلالي رفعه إلى أبان بن أبي عياش وقرأه وزعم أبان انه قرأ على علي بن الحسين (ع) قال صدق سليم رحمة الله عليه هذا حديث نعرفه.)[5]
وتقريب الإستدلال بهما أنَّ تصحيح الكتاب وتصديقه يعني العمل به وهو يعني الحجية.
وفيه: أنَّ هذه شهادة من قبل الإمام عليه السلام بصحة تلك الكتب وهذا لا يفيد جعل الحجية التعبدية عند الشك في الخبر المنقول إلينا.
ومنها ما عن المفضل بن عمر قال: (قال لي أبو عبد الله (ع) اكتب وبث علمك في إخوانك فان مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلا بكتبهم.)
والاستدلال بها على غرار ما تقدم من دعوى الملازمة بين الأمر بنقل العلم وبث الأحاديث وبين قبولها.
وفيه: ما تقدم من إنكار الملازمة بين الإطلاقين وإن سلمنا الملازمة بين أصل وجوب بث الحديث وبين وجوب قبوله، وهذا إشكال سيال في سائر الروايات التي يستدل بها مما كان من هذا القبيل.
ومن ذلك ما دلَّ على ترخيص النقل بالمعنى وهي روايات كثيرة تبدأ من صفحة 301 من ج1من جامع أحاديث الشيعة، فمنها:
الحديث 103 (عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص، قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس.)
والحديث 104(عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء، قال: فتعمد ذلك ؟ قلت: لا ، قال: تريد المعاني ؟ قلت: نعم قال: فلا بأس (.
والحديث 105 عن المنقول عن الشيخ الصدوق في كتابه المفقود (مدينة العلم) بسنده عن إبن المختار أو غيره رفعه (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أسمع الحديث منك فلعلي لا أرويه كما سمعته فقال: إذا أصبتَ الصُلب منه فلا بأس، إنما هو بمنزلة تعال وهلم واقعد واجلس.) الى غير ذلك.
ولكن لا دلالة فيها على حجية خبر الواحد وإنما هي ناظرة الى بيان وظيفة الناقل وجواز النقل بالمعنى ولا نظر لها الى السامع ولا الى وجوب قبول الخبر المنقول إليه.
ومن جملة هذه الأخبار ما ورد مستفيضاً بل متواتراً من قولهم (اعرفوا منازل الرجال منا بقدر روايتهم عنا) ، وهي روايات كثيرة منها الحديث 65 ص 290 (عن علي بن حنظلة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا).
وهكذا الحديث 48 والحديث 51
ولكن لا دلالة في هذه الأحاديث على حجية خبر الواحد أيضاً وإنما فيها مدح للرواة الذين يكثرون الرواية عنهم عليهم السلام فكلما كان الراوي أكثر رواية لحديثهم فله منزلة أعلى ممن تقل روايته عنهم ، وليست ناظرة الى بيان الحجية التعبدية لنقل الشخص الذي يكثر الرواية عنهم.
وهذه المناقشات تمنع من الإستدلال بهذه الروايات حتى لو كانت على مستوى الإحتمال.
ويدخل في هذا الباب أيضاً ما دلَّ على وجود من يكذب عليهم كابن المغيرة وأبو الخطاب وهي روايات كثيرة ، وقرر الشيخ الأنصاري دلالة هذه الأخبار بقوله:
(فإنّ بناء المسلمين لو كان على الإقتصار على المتواترات لم يكثر القالة والكذابة، والإحتفاف بالقرينة القطعية في غاية القلة)[6]
وكأنَّ مراده هو أنَّ بناء المسلمين لو كان على مقتصراً العمل بالمتواترات لم تكثر الكذابة ويريد الإستدلال ببطلان اللازم على بطلان الملزوم أي أنَّ بناء المسلمين لا يقتصر على المتواترات وهو يعني عملهم بخبر الواحد.
أقول: هذا إستدلال بسيرة المتشرعة وليس استدلالاً بالسنة.
الطائفة الخامسة: ما ورد بعنوان التسليم لما ورد عنهم عليهم السلام والإنقياد له، مثل رواية الحسن بن الجهم:
(.. قال: قلت للعبد الصالح (عليه السلام): هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم ؟ فقال: لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا ، فقلت : فيروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) شيء ويروى عنه خلافه ، فبأيهما نأخذ ؟ فقال: خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه.)
وظاهرها هو وجوب التسليم والإنقياد لما يصدر عنهم، ولكن التعبير بــــ (ورد علينا منكم) لا دلالة فيه على جعل الحجية التعبدية بخلاف ما لو قال (ما روي عنكم) وشبهه، وأما التسليم لما صدر منهم فمما لا إشكال فيه.
الطائفة السادسة: ما دلّ على أنَّ سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل قرن من يحفظ الدين:
ومن ذلك حديث إسماعيل بن جابر الحديث 72 (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين، وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين، كما ينفي الكير خبث الحديد)
وكذا الحديث 71 (يحمل هذا العلم من كل خلف عدول، ينفون عنه تحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين وتأويل الغالين.)
وفيه: أنه غير ظاهر في الراوي وإنما المنظور فيه هو جماعة وصلوا في العلم الى غايته وهم مؤهلون للتصدي والدفاع عن الدين ورد الشبهات وإزالة ما علق بالدين من انحرافات.