44/04/05
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من السُّنة/
الكلام في الإعتراضات على أخبار الطائفة الثانية والتي عنونها الشيخ بما دلّ على إرجاع آحاد الرواة الى آحاد أصحابهم:
وحاصل الإعتراض الأول: أنَّ هذه الطائفة تدل على جواز الرجوع في حالة القطع بالصدق وعدم الكذب لا في حالة إحتمال الكذب كما هو المفروض في محل الكلام.
الإعتراض الثاني: أنَّ الإحالات في هذه الروايات هي من الإحالة على الفقيه لأخذ الفتوى منه لا إحالة على الراوي لأخذ الرواية منه.
والتعليق: الإنصاف أنَّ الإعتراض الأول وارد على هذه الأخبار في الجملة، فمثلاً في الحديث 12 من الباب 6 قوله عليه السلام: (..يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني واقرأه منى السلام) يمكن أن يكون إحالة شخصية
وفي الحديث 13: (قال الصادق عليه السلام لأبان بن عثمان إنّ ابان بن تغلب قد روى عني رواية كثيرة فيما رواه لك عنى فاروه.) يمكن أن يكون إحالة شخصية أيضاً.
وكذا الكلام في الأحاديث 20، 21، 23، 25 فيمكن أن يكون الإرجاع فيها شخصياً ويكون الإعتراض وارداً فيها ، ولكن هناك أخبار لا يحتمل فيها ذلك مثل الحديث 24:
(جعلت فداك إني لا أكاد أصل إليك أسئلك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال: نعم.)
ولا توجد إحالة هنا وإنما السؤال عن وثاقة هذا الراوي ، بل هي ظاهرة كما قالوا في الفراغ عن حجية قول الثقة.
ونحوه الحديث 22: (..شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني فقال من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا..)
ولا إحالة فيه، وإن كانت فيه فهي معللة بأنه (المأمون على الدين والدنيا) وليست إحالة صرفة وهذه إشارة الى أنَّ السبب في الإحالة على زكريا بن آدم هو كونه مأموناً على الدين والدنيا فيمكن أن يُستفاد منها أن كل من يكون كذلك يجوز الرجوع إليه.
وهكذا الحديث 19: (إنه ليس كل ساعة ألقاك ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه قال فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه قد سمع من أبي وكان عنده مرضياً وجيهاً.)
فهنا توجد إحالة إلا أنها معللة أيضاً فيمكن التعدي الى غيره إذا كان مرضياً وجيهاً ويكون كلامه حجة.
فالاعتراض الأول يصح في بعض الروايات ولا يصح في بعض آخر.
أما الإعتراض الثاني الذي يقول أنَّ الإرجاع الى الفقيه لأخذ الفتوى لا إلى الراوي للعمل بروايته فهو أيضاً لا يصح في جميع هذه الروايات وإنما يصح في الجملة، فمثلاً يمكن أن يصح الإعتراض في الحديث 12:
(إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك) فميكن أن يقال أنَّ الإرجاع في الدين بمعنى الإرجاع في الفتوى فلا يكون ناظراً الى الإرجاع الرواية.
وهكذا الحديث 22 الذي فيه (فعمن آخذ معالم ديني) والتي هي الحلال والحرام فيكون من الإرجاع في الفتوى.
ونحوه الحديث 23(إني لا ألقاك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال خذ من يونس بن عبد الرحمن).
وكذا الحديث 24 المتقدم.
ومثله الحديث 25(إنّ شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت فآخذ معالم ديني من يونس مولى آل يقطين قال نعم)
فيمكن أن يقال في هذه الأحاديث أنه إرجاع الى الفقيه لا إلى الراوي فلا تنفعنا في محل الكلام، ولكن ليس جميع الأخبار كذلك ففي بعض الأخبار الإرجاع فيها الى الراوي لا الى الفقيه، ومن ذلك:
الحديث 13(قال الصادق عليه السلام لأبان بن عثمان إنّ أبان بن تغلب قد روى عني رواية كثيرة فيما رواه لك عني فاروه.) وهو ناظر الى رواية الراوي لا الى فتوى الفقيه.
ونحوه الحديث 14 (قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فلما أردت أن أفارقه ودعته وقلت أحب أن تزودني قال إئتِ أبان بن تغلب فإنه قد سمع منى حديثاً كثيراً فما روى لك عني فاروه عني) وهو ناظر الى الرواية كما هو واضح.
وهكذا الحديث 20 المتقدم (فإذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس).
فهذه الأحاديث تكاد تكون صريحة في الإحالة على الراوي لا على الفقيه، كما أنَّ بعضها مطلق يشمل كُلاً منهما فلا يرد عليها الإعتراض أيضاً ، ومنها:
الحديث 19 المتقدم فإنّ قول السائل (ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه) أعم من السؤال عن الحكم أو عن الرواية، وجواب الإمام عليه السلام (فإنه قد سمع من أبي) أعم من سماع الحكم أو سماع الرواية، فيمكن أن يقال أنّ هذا الحديث مطلق يشمل الإرجاع الى الراوي والإرجاع الى الفقيه.
فنستخلص من هذه الروايات ما كان خالياً من الإحالة الشخصية والإحالة على الفقيه ويمكن الإستدلال بها على حجية خبر الواحد.
الطائفة الثالثة: ما دلَّ على وجوب الرجوع الى الرواة والثقات والعلماء على وجه يظهر منها عدم الفرق بين فتاواهم بالنسبة الى أهل الاستفتاء وروايتهم بالنسبة الى أهل العمل بالرواية.
والمثال البارز لهذه الطائفة هو التوقيع الشريف (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)
فحتى لو فُسرت (الحوادث الواقعة) بالمسائل المستحدثة يبقى قوله (فإنهم حجتي عليكم) تعليلاً لهذا الإرجاع وهو أعم من الحوادث الواقعة وغيرها فسواءً نقل لنا رواية أو نقل الفتوى فيصدق أنه (حجتي عليكم)، مضافاً الى أنَّ التعبير بـــ(فارجعوا فيها الى رواة حديثنا) لا يخلو من الإشارة الى الرجوع إليهم بما هم رواة لا بما هم أهل فتوى، ولا أقل من أنه القدر المتيقن من هذا التوقع الشريف.
ونحوه الحديث 11نقلاً عن الشيخ في العُدة: (رُوي عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رُوي عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي فاعلموا به.)
وهي تدل على الأخذ بروايات الشيعة بل روايات العامة ولكن بقيد رواياتهم لها عن علي عليه السلام، ودلالتها على الأخذ برواياتنا بقوله (لا تجدون حكمها فيما رُوي عنا) ولم يُقيده بما إذا أفاد العلم فتكون دالة على حجية خبر الواحد في الجملة لأنّ المطلوب هو إثبات حجية خبر الواحد بنحو الموجبة الجزئية في قبال السلب الكلي الذي قال به السيد المرتضى وأتباعه.
وفي الباب 7 الحديث 118 نقلا عن الإحتجاج:
(..فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ..)
بتقريب أنَّ المراد من التقليد هنا ليس هو التقليد الإصطلاحي وإنما هو التقليد بمعناه اللغوي فيكون ناظراً الى قبول الخبر وتحذير العوام من قبول قول من عُرف بالفسق الظاهر وتجويز قبول قول من كان صائناً لنفسه حافظاً لدينه..الخ.
ومن ذلك أيضاً: (عن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) - أسأله عمن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما، فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على كل مُسنٍ في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى.)
وهي ظاهرة في وجوب الرجوع الى من كانت فيه هذه الصفات.
وهناك روايات كثيرة أخرى منها ما في الغيبة:
(وقال أبو الحسين بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه، قال: سئل الشيخ - يعني أبا القاسم رضي الله عنه - عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه: " خذوا بما رووا وذروا ما رأوا")
وهي ظاهرة في وجوب الأخذ بما رواه الثقات بالرغم من كونهم فطحية، ولذا طبقه الشيخ الحسين بن روح على كتب الشلمغاني.
ومن هذه الروايات: (..عن محمد بن عبد الحميد، عن عمه عبد السلام بن سالم، عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب وفضة.)
فهذه الطائفة يتم الإستدلال بها في الجملة بالبيان المتقدم.
الطائفة الرابعة: الأخبار الكثيرة التي يظهر من مجموعها جواز العمل بالخبر الواحد مثل النبوي المستفيض بل المتواتر (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً يعثه الله فقيها عالماً يوم القيامة)
وفيه دلالة على حجية خبر الواحد لأنّ حفظ الحديث يقتضي أن يرويه بسنده ثم يعلمه للآخرين فلابد أن يكون كلامه حجة وهذا أشبه بالملازمة المتقدمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول والملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر فلازم حفظ الحديث على الأمة هو أن تأخذ الأمة منه الحديث.