44/04/04
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من السُّنة/
الطائفة الأولى ما ورد في الخبرين المتعارضين وما ذُكر فيها من الأخذ بالأعدل والأفقه والأصدق، وهي أخبار:
الأول: مقبولة عمر بن حنظلة ننقله عن جامع أحاديث الشيعة وهو الحديث 1من الباب 6 حجية أخبار الثقات:
(..في رجلين اختار كلّ واحد منهما رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، فاختلفا فيما حكما به، وكلاهما اختلفا في حديثنا ، قال: فإنَّ الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث وأورعهما...)[1]
وهي ظاهرة في تعارض الحاكمين فيما يحكمان به ولكن كل منهما يستند الى حديث غير ما يستند إليه الآخر
الثاني: مرفوعة العلامة المروية في عوالي اللئالي وهو الحديث 2 من الباب نفسه:
(... قلت جعلت فدك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال عليه السلام: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر. فقلت: يا سيدي، إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم، فقال عليه السلام: خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك..)[2]
وهي ظاهرة في تعارض الخبرين وتُرجح ببعض الأمور من قبيل الشهرة وصفات الراوي.
الثالث: رواية الحسن بالجهم نقلاً عن الإحتجاج، وهو الحديث رقم20 من هذا الباب:
(..عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام أنه قال قلت للرضا عليه السلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال: ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منا وإن لم يشبهها فليس منا، قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق، فقال: إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.)[3]
وذيل الرواية ناظر الى تعارض الحديثين فيدخل في هذه الطائفة، وقوله عليه السلام (فموسع عليك بأيهما أخذت) يستفاد منها التخيير في باب التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أعلام الطائفة.
الرابع: رواية الحارث بن المغيرة
(الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه.)[4]
هذه أربعة روايات ذكرها الشيخ في هذه الطائفة وقال في مقام الإستدلال أنّ دلالتها على إعتبار الخبر الظني واضحة ولم يُبين وجه ذلك، والظاهر أنَّ الوجه في وضوح دلالتها هو أنّ موردها تعارض الخبرين ونفس إفتراض تعارض الخبرين والسؤال عن كيفية علاجه يستبطن إفتراض حجية كل واحد من الخبرين في حد نفسه بقطع النظر عن المعارض ، أي لولا التعارض لعمل السائل بالخبر وإنما السؤال عن الموقف بعد تعارضهما وهذا يعني أنَّ كلاً منهما مستكمل لشرائط الحجية ، وإذا ضممنا لذلك أنَّ مورد الروايات هو تعارض الخبرين الظنيين فيثبت المطلوب وهو أنَّ الخبر الظني حجة في حد نفسه ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام تقريب الإستدلال بهذه الطائفة.
ويمكن أن تُذكر قرينة على أنَّ الرواية ناظرة الى الأخبار الظنية لا القطعية وهي الترجيح بالأصدقية والأعدلية إذ لا معنى للترجيح بذلك إذا كانت هذه الأخبار قطعية وإنما يكون لهذه المرجحات معنى إذا كانت ظنية ، فإذا فُرض أنها ناظرة الى الأخبار الظنية وفرض الفراغ عن أنَّ كل واحد من الخبرين مستكمل لشرائط الحجية فهذا يكفي في إثبات حجية الخبر الظني بشروط معينة.
وهنا ملاحظات:
الأولى: إنَّ خبر الحارث بن المغيرة لا يصح على جعله من أخبار هذه الطائفة إذ لم يفرض فيه التعارض بل هو من ألسنة جعل الحجية لخبر الثقة.
الثانية: قد يُستشكل على خبر الحسن بن الجهم بأنه فرض فيه وجود الحق في أحد الخبرين المتعارضين بقوله: (..قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق) فكأنَّ السائل إفترض وجود الحق في أحد الخبرين بمعنى أنه لا يمكن أن يكون كلٌ منهما غير صحيح فلو دلَّ على حجية خبر الواحد فإنما يدلُّ في هذا الفرض وهو العلم بوجود الحق إجمالاً وأما في فرض الشك البدوي وإحتمال عدم صحة كِلا الخبرين المتعارضين فلا يمكن التعدي منه اليه، وكلامنا في الأعم من مورد الرواية أي سواءً علمنا بوجود الحق في أحد الخبرين أو لم نعلم بوجوده.
ويمكن دفع هذه الملاحظة بأنَّ المقصود بالحق ليس هو بمعنى المطابقة للواقع وإنما المقصود هو أننا لا نعلم أيهما الصحيح أو قل لا نعلم أيهما الحجة وعبَّر السائل عن ذلك بالحق.
وهناك روايات أخرى تشتمل على الترجيح بصفات الراوي لكن عدها من أخبار هذه الطائفة مشكل لظهورهما في تعارض الحاكمين منها الحديث الخامس والحديث السادس من الباب نفسه[5] .
والتعليق على هذا الإستدلال هو أنَّ دلالة هذه الطائفة على حجية خبر الواحد غير واضحة فهي وإن فرض السائل فيها حجية كل خبر في حد نفسه ولكن يحتمل أنه فرض ذلك لأنَّ كل منهما مفيد إما للإطمئنان أو للقطع أو لأنّ كلاً منهما محتف بقرائن تفيد العلم بصدوره ، أي أنَّ الشيء الذي فُرض وجوده في الخبرين وعلى أساسه كان مستكملاً للحجية مجهول عندنا، نعم لو أحرزنا أنّ التعارض كان بين خبرين ظنيين فيمكن القول بأنَّ هذه الأخبار تدل على حجية الخبر الظني في الجملة ، وهذا إنما ينفعنا في قبال السلب الكلي الذي يقول به السيد المرتضى وأما على فرض قطعية الخبرين المتعارضين فلا يصح الإستدلال بهذه الطائفة.
إن قلتَ: إنَّ قرينة الترجيح بالأصدقية والأعدلية لا تناسب الأخبار القطعية.
قلتُ: هذه القرينة - إن سلّمناها - مختصة ببعض هذه الأخبار لا في جميعها.
الطائفة الثانية: ما دلَّ على إرجاع آحاد الرواة الى آحاد أصحابهم وهي عديدة منها:
الاول: الحديث 12 من الباب الخامس نقلاً عن مستدرك الوسائل، يقول الشيخ النوري:
(عندي نهاية الشيخ بخط أبى المحاسن بن إبراهيم بن الحسين بن بابويه تاريخ كتابتها سنة سبع عشرة وخمس مائة وفي آخر المجلد الأول منها رسالة من الصاحب بخطه أيضاً في أحوال عبد العظيم الحسني المدفون بالري أولها:
قال الصاحب رحمة الله عليه: سألتَ عن نسب عبد العظيم الحسني المدفون بالشجرة صاحب المشهد قدس الله روحه وحاله واعتقاده وقدر عمله وزهده ... إلى أن قال:
وصف علمه روى أبو تراب الروياني قال سمعت أبا حماد الرازي يقول دخلت على علي بن محمد عليه السلام بسر من رأى فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيها ، فلما ودعته قال لي يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني واقرأه منى السلام.)[6]
والظاهر أنَّ المراد بالصاحب هو الصاحب بن عباد المعروف.
الثاني: الحديث 19 من الباب نفسه نقلاً عن رجال الكشي:
(.. عن عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (ع) انه ليس كل ساعة ألقاك ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه، قال فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه قد سمع من أبي وكان عنده مرضياً وجيهاً.)[7]
الثالث: الحديث 20 من الباب عن الكشي أيضاً بسنده عن المفضل بن عمر:
( ... عن المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله (ع) يوما ودخل عليه الفيض بن المختار فذكر له آية من كتاب الله عز وجل يؤولها أبو عبد الله ، فقال له الفيض جعلني الله فداك ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟
قال: وأي الاختلاف يا فيض ؟ فقال له الفيض: إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم حتى أرجع إلى المفضل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح اليه نفسي ويطمئن اليه قلبي ، فقال: أبو عبد الله عليه السلام أجل هو كما ذكرت يا فيض إنّ الناس أولعوا بالكذب علينا كأنّ الله إفترض عليهم لا يريد منهم غيره وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك لأنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون الدنيا وكلٌ يُحب أن يدعى رأساً ، إنه ليس من عبد يرفع نفسه إلا وضعه الله وما من عبد وضع نفسه إلا رفعه الله وشرفه فإذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس وأومى إلى رجل من أصحابه ، فسألتُ أصحابنا عنه فقالوا زرارة بن أعين.)[8]
الرابع: الحديث 21 عن الكشي أيضاً، وهو مهم وسنده صحيح، وهو أحد الأدلة التي يُستدل بها على حجية خبر الواحد:
(حدثني محمد بن قولويه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمد الحجال عن يونس بن يعقوب قال كنا عند أبي عبد الله (ع) فقال: أما لكم من مفزع أما لكم من مُستراح تستريحون اليه ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النضري - أو النصري -.)[9]
الخامس: الحديث 22 عنه أيضاً:
(... عن علي بن المسيب قال: قلت للرضا عليه السلام شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال: من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ، قال بن مسيب فلما انصرفت قدمت على زكريا بن آدم فسألته عما احتجت اليه.)[10]
وهناك روايات أخرى تدخل في عنوان إرجاع آحاد الرواة الى آحاد أصحابهم.
وإعترض على الإستدلال بهذه الطائفة بأنها لا تدل على الحجية التعبدية المطلوب إثباتها في محل الكلام وإنما تدل على إرجاعات شخصية تكفل الإمام عليه السلام بإحراز وثاقتهم وأنَّ كلامهم صحيح وأنهم لا يكذبون ولا يشتبهون وهذا لا ينفعنا في إثبات الحجية التعبدية لخبر نشكُ نحن في صحته.