44/04/03
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من السُّنة/
الآية الخامسة وهي قوله تعالى:
﴿وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱلنَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنࣱۚ قُلۡ أُذُنُ خَیۡرࣲ لَّكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ وَرَحۡمَةࣱ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ التوبة :61
وتقريب الإستدلال بها كما ذكره الشيخ في الرسائل هو أنَّ الآية يُفهم منها مدح النبي صلى الله عليه وآله بأنه ﴿أُذُنُ خَیۡرࣲ لَّكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ والمقصود به هو تصديقه للمؤمنين وترتيب الآثار على إخبارهم وليس مجرد أنه يسمع لهم وهذا يدل على أنَّ تصديق المؤمنين وترتيب الآثار على إخبارهم أمرٌ حسن وهو معنى الحجية.
ونوقش فيه:
أولاً: بأنَّ المراد من (الأذُن) هو سريع التصديق وعلى أساسه مدح الله النبي لما فيه من الإعتناء بالمؤمنين وطرح الثقة بهم وليس المقصود به ترتيب الآثار على إخبارهم فتكون الآية أجنبية عن محل الكلام.
وثانياً: إنَّ المقصود من التصديق الممدوح هو التصديق الظاهري وليس التصديق الواقعي الذي يعني ترتيب الآثار على الخبر والنافع في إثبات الحجية هو الثاني ، وبعبارة أخرى إنّ مدحه تعالى للنبي هو على أنه لا يُبادر الى تكذيب من يُخبره ويظهر له التصديق لأنّ ذلك نافع في جذب قلوب المؤمنين بخلاف إظهار عدم التصديق لهم ، إلا أنَّ هذا التصديق تصديق ظاهري وإنما يعمل النبي في الواقع بما يقتضيه الإحتياط ، وعليه لا يُمكن إستفادة حجية خبر الواحد منها.
ثم ذكر الشيخ قرينتين على حمل التصديق في الآية على التصديق الظاهري لا الواقعي وهما:
الأولى: لو كان المراد هو التصديق الواقعي لم يصدق قوله ﴿أُذُنُ خَیۡرࣲ لَّكُمۡ﴾ الظاهر في أنه خير لجميع المؤمنين وإنما يكون (أذُن خير) لمن سمع منه الخبر ولعله يكون أذُن شر بالنسبة الى من نقل عنه الخبر كما لو فرضنا أنه أُخبر بارتداد فلان أو زنا فلان أو أنَّ فلاناً شرب الخمر فإذا سمع المخبر وصدقه تصديقاً واقعياً فلا يكون أذُن خيرٍ للجميع والحال أنَّ الآية تقول أنه أذُن خير للجميع ولا يكون كذلك إلا إذا حملنا التصديق على التصديق الظاهري لأنه لا يرتب عليه الأثر على الخبر بالنسبة الى المنقول عنه.
الثانية: تكرار الفعل مع تعدي الأول بالباء وتعدي الثاني باللام ﴿یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ الذي يكون قرينة على إختلاف المراد من الفعلين والمراد من الإيمان بالله هو التصديق الواقعي بلا إشكال فلابد أن يكون المراد من الإيمان للمؤمنين معنى آخر غير التصديق الواقعي وهو التصديق الظاهري الذي يناسبه التعدية باللام.
وإذا تمت هاتان القرينتان تكون الآية أجنبية عن محل الكلام ولا يمكن الإستدلال بها على حجية خبر الواحد لأنَّ المراد بها ليس هو التصديق الواقعي وترتيب الأثر الذي يعني الحجية وإنما المراد هو التصديق الظاهري.
نكتفي بهذه المقدار من الآيات التي إستدل بها على حجية خبر الواحد وتبيَّن أنها غير تامة.
الدليل الثاني السُّنة
ينبغي الإلتفات الى أنه لا يصح الإستدلال بالسُّنة على حجية خبر الواحد إلا إذا كانت قطعية وإلا كان من باب الإستدلال على حجية الظن بالظن وهو دور ، ومن هنا لابد أن تكون هذه الأخبار متواترة أو شبه متواترة تُفيد القطع بالصدور.
ومن الواضح أنَّ الأخبار التي إستُدل بها ليست متواترة تواتراً لفظياً فيقع الكلام في تواترها تواتراً معنوياً وإذا لم تكن كذلك فهل هي متواترة تواتراً إجمالياً أم لا ، ومن هنا قسموا التواتر الى اللفظي والمعنوي والإجمالي.
أما التواتر اللفظي فهو تواتر المضمون بألفاظ معينة فتكون الألفاظ هي المتواترة بحيث يمتنع إجتماع جميع الناقلين على الكذب في نقلها، ومن الواضح أنه غير متحقق في محل الكلام فيدور الأمر بين التواتر المعنوي والتواتر الإجمالي.
وأما التواتر المعنوي فعرَّفوه بأنه إتفاق المخبِرين على نقل مضمون واحد وإن إختلفوا في العبائر المؤدية والمعبرة عنه ، وقالوا لا فرق بين دلالة الألفاظ على المضمون الواحد بين الدلالة المطابقية أو التضمنية أو الإلتزامية فكلها داخلة في التواتر المعنوي وإن تكن على نسق واحد.
وأما التواتر الإجمالي بحسب إصطلاح صاحب الكفاية وغيره هو أن تكون هناك أخبار كثيرة جداً لا تتفق على مضمون واحد كما لا تتفق في ألفاظ معينة ولكن صحة واحد منها ينتج قضية متواترة يُعبر عنه بالتواتر الإجمالي ، فمثلاً إذا أخذنا ألف خبر بشكل عشوائي من كتاب الوسائل فيحصل لنا القطع بأنَّ واحداً منها على الأقل صادر واقعاً ولا يحتمل بحساب الإحتمالات كذب الجميع فإنه إحتمال قريب من الصفر لا يعتني العقل به فيمنو الإحتمال المقابل له وهو صدق واحد منها على الأقل حتى يصل الى درجة اليقين أو ما يقرب منه.
إلا أنَّ هذا التواتر لا ينفعنا في المقام لأن الأخبار لا تتفق على مضمون واحد حتى يمكن إثباته بهذا الطريق بخلاف التواتر المعنوي الذي يشير الى مضمون واحد.
ثم تعرضوا الى جملة من الروايات يمكن أن يُستفاد منها حجية خبر الواحد وقسمها الشيخ الأنصاري قده الى طوائف نستعرضها تبعاً له وقد نضيف إليها طوائف أخرى مستفادة من كلمات السيد الشهيد قده.
ويقع الكلام في أنَّ هذه الأخبار هل هي متواترة لفظاً أو معنى أو إجمالاً ؟ والظاهر أنَّ التواتر المعنوي متحقق فيها ولكن على تقدير أن تكون دالة على حجية الخبر الواحد.
وذكر صاحب الكفاية أنه لا فرق بين أن يكون التواتر في هذه الأخبار تواتراً معنوياً أو إجمالياً فعلى كلا التقديرين يمكن الإستدلال بها على حجية خبر الواحد ، أما على التواتر المعنوي فواضح لثبوت المضمون الذي تتفق عليه جميع الأخبار ، وأما على التواتر الإجمالي فباعتبار أنَّ أخص هذه الأخبار مضموناً إذا كان دالاً على حجية خبر الواحد مطلقاً فيمكن إثبات الحجية به لأنه هو ما تتفق عليه هذه الأخبار ، ويمثل له بما لو فرض أنَّ هذه الأخبار بعضها يدل على حجية خبر العادل وبعضها يدل على حجية الخبر المشهور وبعضها يدل على حجية الخبر الذي عمِل به الأصحاب وبعضها يدل على حجية خبر الثقة ، فإذا عثرنا على خبر واجد لجميع هذه الخصوصيات أي يرويه عادل ثقة ويكون الخبر مشهوراً وقد عِمل به الأصحاب فيكون حجة قطعاً بنفس هذه الأخبار لأنه أخصها مورداً ، مثلاً لو كانت الرواية المعروفة (..أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني فقال: نعم(. خبر مشهور وعمل به الأصحاب ويرويه عادل وثقة فيثبت به حجية خبر الثقة مطلقاً أي سواءً عمل به الأصحاب أو لا وكان مشهوراً أو لا ورواه عادل أو لا ، فيمكن إثبات ما هو أوسع دائرة إذا وجدنا خبراً واجداً لهذه الخصوصيات.
أما هذه الأخبار فذهب بعضهم الى أنها دالة جميعاً على حجية خبر الواحد فيتحقق عنده التواتر، وذهب بعضهم الى أنَّ الدال منها لا يتجاوز عشرين رواية وهذا لا يُحقق التواتر ، فلابد من إستعراض طوائف هذه الأخبار :
الطائفة الأولى ما ورد في الحديثين المتعارضين من الأخذ بالأعدل والأصدق والمشهور والتخيير عند التساوي ، وهي عبارة عن مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة التي نقلها العلامة ورواية الحسن بن الجهم ورواية الحارث بن المغيرة.