44/03/29
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من الكتاب / آية النَّفر
كان الكلام في مناقشة المحقق الأصفهاني قده للتقريب الأول والذي ذكر فيه أنَّ (لعل) موضوعة لمطلق الترقب لا لخصوص ترقب المطلوب والمحبوب، وجبنا بHkhgsdhr dEtd] `hg; أأجبنا عنه بأنَّ سياق الآية ووقوع الحذر غاية للنفر الواجب يجعلها ظاهرة في ترقب المحبوب والطلوب فتأتي الملازمة - إن تمت - بين محبوبية الحذر ووجوبه بالدليل المتقدم - وهو أنَّ الحذر إن كان مقتضيه موجوداً فهو واجب وإلا فلا معنى للحذر أصلاً - ولكننا لم نقبل هذا الجواب.
ويمكن الإشكال على هذا التقريب بعد الفراغ من أنَّ (لعل) دالة على مطلوبية الحذر ولو بإعتبار السياق، فنقول:
إنَّ هذا الحذر لا يخلو من أحد أمرين فإما أن يكون حذراً من العقاب وإما أن يكون حذراً من مخالفة الواقع، أما على الأول فيكون معنى الآية هو إفتراض المنجزية وإستحقاق عقاب في مرحلة سابقة على الآية ، والآية تطلب من المنذَر أن يحذر من العقاب عند إنذار المنذِر ، وهذا يعني أنَّ المنجزية لا تُستفاد من الآية كما هو المطلوب في المقام فإنَّ المراد هو إثبات حجية خبر الواحد وهذا يعني أنَّ المنجزية تثبت بالآية الشريفة لا قبلها ، وبناءً على هذا الإحتمال قالوا أنَّ الشبهة لا تكون منجزة قبل الآية إلا في حالتين الأولى في الشبهة قبل الفحص والثانية في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي وكلاهما شائع وإذا خالف المكلف فيهما إستحق العقاب ، فكأن الآية ناظرة الى هذين الموردين فيكون مفادها:
إذا كان التكليف منجزاً عليك إما لكون الشبهة قبل الفحص أو لكون الشك مقروناً بالعلم الإجمالي فعليك الحذر من هذا العقاب الذي تنجز في مرحلة سابقة ، فلا تكون الآية دالة حينئذٍ على حجية خبر الواحد بالمعنى المطلوب إثباته.
وأما على الثاني - أي الحذر من مخالفة الواقع - فلا ملازمة بين محبوبية هذا الحذر وبين وجوبه ولا ضير في أن يكون الحذر مطلوباً وليس واجباً كما هو الحال في موارد إستحباب الإحتياط وذلك باعتبار إيصاله الى الواقع ، ومع عدم الملازمة بين مطلوبية الحذر وبين وجوبه لا يتم هذا التقريب.
ومن هنا يظهر أنَّ التقريب الأول غير تام.
وأما التقريب الثاني الذي يعتمد على دلالة الإقتضاء والمؤلف من مقدمتين:
الأولى: أنَّ وجوب الإنذار يلازم وجوب الحذر وإلا كان وجوب الإنذار لغواً إذ لا نتصور إن يوجب المولى الإنذار على المنذِرين ولا يوجب القبول والحذر على السامعين ، فصونا لكلام الحكيم عن اللغوية لابد من الإلتزام بوجوب الحذر.
الثانية: إذا كان الإنذار واجباً مطلقاً فلابد أن يكون الحذر واجباً مطلقاً وإلا لزم ثبوت وجوب الإنذار في مورد من دون ثبوت وجوب الحذر وهو خلاف دلالة الإقتضاء.
والملاحظة عليه: إنَّ دعوى الملازمة بين إطلاق وجوب الإنذار وإطلاق وجوب الحذر يمكن التشكيك فيها فيمكن أن يوجب المولى الإنذار على النافرين مطلقاً -أي أفاد العلم أو لم يفده - ويقول للسامع يجب عليك الحذر إذا أفاد قول المنذِر العلم ، وإنما يقول يجب الإنذار مطلقاً لضمان عدم فوات إنذار كثير من المنذِرين إذ لا يُحرزون عادة حصول العلم من إنذارهم لدى السامع فيفوت غرض المولى فيحتاط بالوجوب مطلقاً تحصيلاً لغرضه ، ومن هنا يتبين عدم وجود ملازمة بين إطلاق وجوب الإنذار وإطلاق وجوب الحذر وإن سلّمنا الملازمة بين أصل وجوب الإنذار وأصل وجوب الحذر لمحذور اللغوية المتقدم.
وأما التقريب الثالث الذي يعتمد على أنَّ الحذر غاية للإنذار الواجب فيكون واجباً لأنَّ غاية الواجب واجبة.
فيلاحظ عليه أنه يبتني على الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته كقولك (سافر للعلاج) فالسفر مقدمة لغاية هي العلاج فإذا وجب العلاج وجب السفر مقدمة له ، ولكنه إنما يتم إذا كان المخاطب بالتكليف واحداً كما في المثال وأما إذا كان الخطاب موجه لشخصين كما في محل الكلام فلا يتم هذا التقريب ، وبيانه:
الإنذار واجب على المنذِرين بينما الحذر واجب على المنذَرين ولا معنى لترشح الوجوب على الإنذار من وجوب الحذر على السامعين مع إختلاف المكلف بالإنذار والحذر ، وإنما يتصور ذلك فيما إذا كان المخاطب واحداً كما في (سافر للعلاج) وأما في محل الكلام فلا يمكن القول أنَّ وجوب المقدمة ترشح من وجوب ذيها ، وهذا من قبيل (زر زيداً لعله يستقبلك) فوجوب المقدمة وهي الزيارة ثابت في حق المخاطب بينما وجوب الإستقبال ثابت في حق زيد ولا يمكن فيه القول فيه بأنَّ غاية الواجب واجبة.
فتبين مما تقدم عدم تمامية التقريبات الثلاثة المتقدمة لإثبات إستفادة وجوب الحذر مطلقاً من الآية وعليه لا يتم الأمر الأول الذي يبتني عليه الإستدلال.
أما الأمر الثاني - وهو أنَّ وجوب الحذر مطلقاً يلازم الحجية - فيبدو أنه مسلًّم عندهم ولكن قد يقال أنَّ التأمل فيه له مجال وذلك بإعتبار أنَّ هذه الملازمة إنما تتم إذا كان وجوب الحذر مرتباً على الإخبار نحو (إذا أخبرك زيد بشيء يجب عليك الحذر) فإطلاق وجوب الحذر عند إخبار زيد يلازم الحجية ، ولكن قد تقدم أنَّ الإنذار غير الإخبار فيشكل إثباته.