44/03/28
الموضوع: الظن/ أدلة حجية خبر الواحد من الكتاب / آية النَّفر
تنبيه: ذكرنا جواباً عن المناقشة الثانية وقلنا أنه منقول عن السيد الخوئي قده ولكنه نقل بصيغة يرد عليه إشكال الدور، وقلنا يحتمل أنَّ مراده هو شيء آخر ولا يريد أن يقول أنَّ موضوع وجوب الحذر هو الإنذار بالدين وبالأحكام الثابتة في الشريعة وإنما مراده هو ما قاله المحقق النائيني قده الذي هو الأصل في هذا الجواب وهو أنَّ الموضوع لوجوب الحذر هو الإنذار بما تفقه فيه المنذِر ، وحينئذِ لا يرد عليه ما تقدم من أنَّ العلم بما أنذر به المنذِر يعني العلم بمطابقته للواقع ولا معنى لجعل الحجية له.
وذكر أنَّ الحجية تثبت بقوله تعالى ﴿لَعَلَّهُمۡ یَحۡذَرُونَ﴾ أي يجب الحذر عند إنذار المنذر وهو يعني أنَّ كلامه حجة، وبعد ثبوت الحجية له نعلم أنَّ ما أنذر به هو من الدين تعبداً، فإحراز كون ما أخبر به المنذر من الدين يكون في طول ثبوت الحجية لإنذار المنذر وهذا يتوقف على أنَّ الحجية ووجوب الحذر موضوعه الإنذار بما تعلمه المنذِر ، ولكن على هذا الإحتمال يرجع هذا الجواب الى الجواب الأول ولا يكون جواباً آخر عن المناقشة.
أما المناقشة الثالثة فحاصلها هو أنَّ الآية ليست في مقام بيان حجية خبر الواحد وإنما في مقام بيان حجية الفتوى والرأي والنظر فتكون أجنبية عن محل الكلام، وأما استفادة ذلك فتكون من كلمة (الإنذار) فإنه لا يساوق الإخبار بل يستبطن معنى آخر فهو يصدق على الخبر المشتمل على التخويف ومن الواضح أنَّ الإخبار المشتمل على التخويف ليس من شأن الراوي وإنما هو من شأن صاحب الرأي الذي يفهم بنظره أنَّ الخبر مشتمل على التخويف فينذر قومه بذلك والآية تقول إنّ هذا المنذِر كلامه حجة ، وهذا لا يُفيد حجية قول الراوي والمخبر من دون إعمال نظره، والمطلوب في المقام هو الثاني، فلا يمكن الإستدلال بهذه الآية في محل الكلام.
وأجيب عنها أولاً: بأنَّ التفقه في زمان الأئمة عليهم السلام أبسط من التفقه في زماننا المتوقف على مقدمات كثيرة والذي يمتاز بالصعوبة وإذا كانت الآية دالة على حجية قول الراوي المتفقه في الدين فيمكن حينئذٍ التعدي الى غيره لعدم القول بالفصل أو بالقول بعدم الفصل فنصل الى النتيجة المطلوبة وهي إثبات حجية خبر الراوي الذي لا يعمل نظره والذي يكون واسطة في النقل فقط.
أقول: يمكن التأمل في هذا الجواب بإعتبار أنَّ صاحب المناقشة يريد إثبات أنَّ الآية تدل على حجية الفتوى والرأي ولا يريد أن يقول أنها دالة على حجية الخبر بشرط أن يكون المخبر متفقها في الدين ومجتهداً وصاحب نظر حتى يمكن التعدي منها الى المخبر من دون إعمال نظر ، أي التعدي من رواية يرويها صاحب نظر الى رواية يرويها غير صاحب النظر ، وعليه لا يمكن التعدي منها الى قول المخبر وعدم القول بالفصل لا يمكن تطبيقه هنا.
وثانياً: بما ذكره المحقق النائيني وهو: نحن نسلِّم بأنّ الإنذار هو الإخبار المشتمل على التخويف ولكن إشتماله على التخويف أعم من أن يكون مشتملاً عليه صراحة أو مشتملاً عليه ضمناً وإلا لم يصدق الإنذار على الفتوى لعدم التصريح فيها بالتخويف ، فيكفي في صدق الإنذار إشتمال الخبر على التخويف ولو ضمناً ، ومن الواضح أنَّ الإنذار بهذا المعنى يصدق على الإخبار لأنَّ المخبر بحرمة شرب الخمر يتضمن خبره التخويف لأنه يستبطن الإخبار عن إستحقاق العقاب على تقدير المخالفة ومع صدق الإنذار يمكن الإستدلال بالآية الشريفة على حجية خبر الواحد.
وفيه: أنَّ المناقشة تقول لا يكفي لصدق الإنذار مجرد إشتمال الخبر على التخويف وإنما لابد في صدق الإنذار من أن يكون المنذر قاصداً للتخويف ومريداً له وهو غير متحقق في محل الكلام، ولا أقل من التشكيك في صدق الإنذار على الخبر المجرد عن قصد التخويف.
ومن هنا يتبين أنَّ الظاهر ورود هذه المناقشة على الإستدلال بالآية بعد وضوح عدم تمامية كِلا الجوابين السابقين، فالآية ليست بصدد بيان حجية خبر الواحد وإنما الظاهر منها هو حجية الفهم والرأي ولو بمستوياته البسيطة وهذا أجنبي عن محل الكلام.
ومن هنا يتبين أنَّ المناقشات العامة غير تامة ما عدا الأخيرة.
الكلام في المناقشات الخاصة:
أما التقريب الأول الذي يتمسك لإثبات وجوب الحذر مطلقاً بـكلمة (لعل) وذلك لأنها موضوعة للترجي ومقتضى الأصل الأولي هو مطابقة الإثبات لمقام الثبوت فلابد أن يكون الترجي صادر بداعي الترجي الحقيقي وحيث أنه محال بالنسبة الى المولى سبحانه وتعالى لاستلزامه العجز والجهل فلابد من القول أنه صدر بداعي المحبوبية والمطلوبية فيثبت أنَّ الحذر مطلوب ويثبت بذلك وجوبه إذ لا معنى لأن يكون الحذر مستحباً، فمقتضي الحذر إن كان موجوداً فهو واجب ولا يتصور أن يكون مستحباً وإن لم يكن موجوداً فلا وجود للحذر لعدم المقتضي ، ومع ضم الإطلاق يثبت وجوب الحذر مطلقاً أي سواءً أفاد قول المنذر العلم أو لم يفد العلم وبذلك تتم المقدمة الأولى في الإستدلال.
والمناقشة الخاصة بهذا التقريب هي ما أثاره المحقق الأصفهاني قده وحاصلها إنَّ (لعل) ليست موضوعة للترجي بمعنى ترقب المحبوب وإما هي موضوعة لمطلق الترقب وإن لم يكن محبوباً ويشهد لذلك قوله عليه السلام في الدعاء (لعلك عن بابك طردتني) والطرد أمر غير محبوب بلا إشكال، وعليه فلا تدل الآية على مطلوبية الحذر حتى يقال لابد أن يكون واجباً.
ويمكن التأمل فيها بأنَّ (لعل) وإن سلَّمنا أنها موضوعة لمطلق الترقب إلا أنَّ سياق الآية يدل على ترقب المحبوب ، فإنَّ وقوع الحذر غاية للإنذار الواجب يكون قرينة على المطلوبية وتكون (لعل) الداخلة عليه دالة على ترقب المطلوب والمحبوب.