الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد / حجية الخبر مع الواسطة

قلنا أنَّ الإشكال بكلا جهتيه في جعل الحجية للخبر مع الواسطة يندفع بالإلتزام بأن الحكم في الحجية إنحلالي فيثبت لكل مصداق حكم غير ما يثبت لمصداق آخر ، وذلك لأنَّ الإشكال مبني على أنَّ الحكم بالحجية حكم واحد شخصي فإذا فرض متأخراً كيف يُفرض متقدماً وكيف يتحد مع موضوعه ، وأما إذا فُرض تعدد الحكم فلا إشكال لأنَّ الحجية الثابتة لخبر الكليني غير الحجية الثابتة لخبر علي بن إبراهيم.

وهذا هو الصحيح فإنَّ القضايا الحقيقية تبتني على إنحلال الحكم بعدد أفراد الموضوع ، وهذه القضايا قضايا شرطية في واقعها فقضية (الخمر حرام) ترجع الى (إذا كان هذا خمراً فهو حرام) فتثبت الحرمة كلما وجد الخمر ، والحجية من هذا القبيل فإذا وجد خبر العادل ثبتت له الحجية فإذا وجد الخبر الثاني بعد شمول الحجية للخبر الأول شمله دليل الحجية أيضاً وهو معنى الإنحلال ، والمقصود من كون الحكم إنحلالي هو انحلاله في عالم المجعول لأنه هو عالم تحقق الموضوع وفعلية الحكم وأما في عالم الجعل فلا تعدد في الحكم وليس هناك إلا قضية شرطية تعليقية مفادها ثبوت الحكم على تقدير تحقق الموضوع فإذا تحقق الخمر في الخارج ثبتت له الحرمة وإذا تحقق فرد آخر منه ثبتت له حرمة أخرى وهكذا، بل لا وجود للحكم في عالم الجعل لأنَّ الحكم يوجد بعدد أفراد موضوعه في عالم المجعول وأما في عالم الجعل فالحكم تقديري معلق على تحقق الموضوع.

تنبيه:

ذكروا أنَّ الإشكال في حجية الخبر مع الواسطة إنما يجري في الأدلة اللفظية الدالة على حجية خبر الواحد بمعنى أنَّ شمول الأدلة اللفظية الدالة على الحجية للخبر مع الواسطة يواجه الإشكال السابق فيقال إذا لم نتمكن من حله فلابد من تقييد هذه الأدلة اللفظية بخصوص الخبر بلا واسطة فتختص أدلة الحجية به وأما إذا دفعنا الإشكال فلا مانع من شمول أدلة الحجية لمطلق الأخبار.

وأما إذا كان الدليل على حجية الخبر دليلاً لُبياً كالسيرة فلا يأتي فيه هذا الكلام لأنه دليل قطعي فالسيرة إما أن تكون قائمة على العمل بالخبر مع الواسطة أو لا تكون كذلك وعلى الأول لابد من البناء على حجيته سواءً تمكنا من دفع الإشكال المتقدم أم لا ويكون الإشكال حينئذٍ من قبيل الشبهة في مقابل البديهة لأنَّ كشف السيرة على العمل بالخبر مع الواسطة بعد فرض إنعقادها يكون كشفاً قطعياً فيكون حجة بلا إشكال وأما الإشكال فإن تمكنا من حله فبها وإلا فهو شبهة في قبال بديهة.

إشكال آخر:

قد يقال أنَّ شمول أدلة الحجية للخبر مع الواسطة يواجه مشكلة أخرى باعتبار أنّ المفروض فيها هو أنها طولية وليست في عرض واحد كما تقدم في خبر الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم فيقال يمتنع أن تكون هذه الأخبار مرادة من الدليل الدال على حجية خبر الواحد لأنه دليل واحد بخلاف الأخبار التي تكون في عرض واحد كخبر زرارة وخبر محمد بن مسلم وخبر صفوان فلا مانع من شمول دليل الحجية لها إذ يمكن إرادتها في دليل واحد وذلك بأن يجعل عنوان مشير إليها ويحكم عليها بالحجية ، وأما في الأخبار الطولية المترتبة والتي لا يكون المتأخر موجوداً في زمان المتقدم فلا يمكن أن تكون مرادة من دليل الحجية وذلك لإستحالة لحاظ الأمور المترتبة بلحاظ واحد ، وبعبارة أخرى في مقام الإستعمال والإثبات لا يوجد إلا دليل الحجية وهو دليل وإنشاء واحد ولا يكون فيه إلا لحاظ واحد تُلحظ فيه جميع الأفراد بتوسط عنوان عام يشملها وهذا يمكن في الأفراد العرضية وأما في الأفراد الطولية فيستحيل لحاظها بلحاظ واحد لأنَّ الطولية تعني أنَّ الحكم المترتب على حكم آخر لا وجود له في مرتبة الآخر فإذا لوحظ الحكم المتقدم رتبة إستحال لحاظ المـتأخر وإلا لزم لحاظ الشيء في مرتبة سابقة على نفسه نعم يمكن ذلك بإنشاءين ودليلين لكن الكلام في الدليل الواحد.

وهذه مشكلة إثباتية وأما في مقام الثبوت فلا مشكلة فيه لأنَّ الحجية في مقام الثبوت تابعة لواقع الخبر وليست معلولة لحجية قبلها نعم إثباتاً لا تثبت الحجية لدينا لخبر علي بن إبراهيم إلا بعد ثبوتها لخبر الكليني وأما ثبوتاً فلا توقف لها وإنما تكون تابعة لتحقق موضوعها، فالإشكال في مقام الإثبات فكيف يمكن تعميم دليل الحجية الشامل لخبر الكليني الى خبر علي بن إبراهيم والحال أنه لا وجود له في مرتبة خبر الشيخ الكليني ؟

والجواب: يمكن الإشارة الى الأفراد الطولية بعنوان مشير إليها أيضاً ولكن من دون لحاظ خصوصياتها الفردية ولا يلزم منه من ذلك لحاظ الشيء في مرتبة سابقة على نفسه وإنما يلزم ذلك إذا لُحظت الأخبار بخصوصياتها الفردية ، فيمكن ملاحظتها إجمالاً بتوسط هذا العنوان العام فلا يكون هذا الإشكال مانعاً من الإلتزام بحجية خبر الواحد مع الواسطة.

وبعبارة أخرى إنَّ حجية خبر علي بن إبراهيم وإن كانت مترتبة على حجية خبر الشيخ الكليني إلا أنها ملحوظة في المرتبة السابقة بنحو الإجمال عن طريق ملاحظة المفهوم العام لمشير إليها والى غيرها من الأفراد الطولية فلا يلزم من ملاحظتها كذلك لحاظ الشيء في مرتبة سابقة على نفسه لما عرفت من أنها ملحوظة إجمالاً في تلك المرتبة ، نعم لو لم يمكن لحاظها لا إجمالاً ولا تفصيلاً لم يمكن الحكم عليها كما هو واضح.

ومما يدل على عدم الإشكال في جعل الحجية للخبر مع الواسطة هو إنعقاد سيرة المتشرعة على العمل بهذه الأخبار بل هو ديدن الأصحاب في زمن الأئمة عليهم السلام خصوصاً المتأخرين منهم إذ ينقلون الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة السابقين عليهم السلام مع الوسائط بل يمكن أن يقال أنَّ معظم الأخبار هي من هذا القبيل ، ولا يمكن إنكار عمل المتشرعة بهذه الأخبار وهذا يعني أنَّ هذا العمل لا إشكال فيه ، ومقدمات هذه السيرة تامة فهي منعقدة بلا إشكال والمتشرعة عملوا بهذه الأخبار بما هم عقلاء - أي سيرة المتشرعة بالمعنى الأعم بحسب إصطلاح السيد الشهيد قده - وقد تتمنا في بحث السيرة دلالتها وكشفها عن الدليل الشرعي.