44/03/21
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب/آية النبأ/ الإعتراضات
كان الكلام في الإعتراض الثالث على الإستدلال بآية النبأ وحاصله أنَّ المفهوم الذي يقتضي حجية خبر العادل ولو كان واحداً غير معمول به في مورد نزول الآية - وهو الارتداد - فلا بد من إلغائه وإلا لزم إخراج المورد وهو مستهجن.
وأجاب عنه الشيخ الأنصاري بإمكان الإلتزام بتقييد مورد الآية بانضمام عدل آخر إليه ومع هذا الشرط لا يكون المورد خارجاً.
ولاحظنا عليه بأنَّ المورد الفاقد لشرط الانضمام سيكون خارجاً عن المفهوم أيضاً فيعود المحذور.
ويمكن دفع هذه الملاحظة بأنَّ المستهجن عرفاً إنما هو خروج المورد عن أصل المفهوم وأما خروجه عن إطلاق المفهوم فاستهجانه غير واضح ، فمثلاً إذا سُئل الإمام عن عتق الرقبة الكافرة فأجاب: اعتق رقبة ، فإذا خصصنا الجواب المطلق بدليل آخر يدل على خصوص الرقبة المؤمنة فيلزم منه إخراج مورد السؤال ويكون مستهجناً ، وأما إذا كان الإخراج من إطلاق الكلام لا من أصله كما إذا فرضنا قيام دليل خارجي على أنَّ هذه الرقبة لابد أن تكون كتابية فهذا لا يكون مستهجناً وعلى الأقل نشكك في كونه كذلك ، والسر فيه أنَّ الفاقدة للشرط - وهو الرقبة الكافرة غير الكتابية - تخرج من إطلاق الكلام لا من أصله ولا وضوح في كونه إخراجاً مستهجناً ، ومحل الكلام هو من هذا القبيل وذلك باعتبار أن الآية تدل بمفهومها على عدم وجوب التبيُّن في خبر العادل الواحد فتثبت له الحجية مطلقاً أي سواءً إنضم إليه عدل آخر أم لا ، وهذا الإطلاق لا يمكن الإلتزام به في مورد نزول الآية - الإخبار بالارتداد - ولابد فيه من التعدد فنرفع اليد عن إطلاقه ونُقيده بانضمام عدل آخر فإخبار العدل الواحد خارج لكن من إطلاق المفهوم لا من أصله.
الملاحظة الثانية: إنَّ لازم جواب الشيخ الأنصاري هو التفريق بين المنطوق والمفهوم في الإطلاق والتقييد وهو محذور ، وذلك بإعتبار أنَّ شرط الانضمام أخذ في المفهوم دون المنطوق.
وفيها: سلّمنا الاختلاف المذكور بين المنطوق والمفهوم ولكنه ليس محذوراً وذلك باعتبار أنَّ المنطوق والمفهوم بمثابة دليلين مستقلين ولذا يقال بالحكومة أو التخصيص بينهما كما تقدم ولا محذور في دليل مطلق ودليل آخر مقيد ، بل له نظير في كلماتهم كما في الشرطيتين اللتين يتحد فيهما الجزاء (إذا خفي الأذان فقصر) و (إذا خفيت الجدران فقصر) فقالوا فيه بوقوع التعارض بين منطوق كل منهما مع مفهوم الأخرى وأحد الحلول المذكورة هناك هو تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فيكون مفهوم الأولى (إذا لم يخف الأذان فلا تقصر) مقيداً بمنطوق الثانية فينتج (إذا خفي الأذان فقصر وإذ لم يخف فلا تقصر إلا إذا خفيت الجدران) ، وهذا تقييد لمفهوم الجملة الشرطية مع بقاء منطوق الجملة الأخرى على إطلاقه ، فلا إشكال في تقييد المنطوق وإطلاق المفهوم أو العكس.
ومن ذلك أيضاً (إذا كان الماء قدر كُر لم ينجسه شيء) وهو مطلق يشمل الكر سواءً كان وارداً أو موروداً عليه فعلى كلا التقديرين لا ينجس بالملاقاة ومفهومه (إذا لم يبلغ الماء قدر كُر فينجس بالملاقاة) ولكنه ليس مطلقاً بل إذا كان موروداً عليه فقط ، فالمفهوم مقيد بما إذا كان موروداً عليه بينما المنطوق يبقى على إطلاقه ، فلا محذور في إختلافهما في الإطلاق التقييد.
ونكتفي بهذا المقدار من الملاحظات وبه يتم الكلام عن الإستدلال بآية النبأ على حجية خبر الواحد على أساس مفهوم الوصف ومفهوم الشرط.
حجية الخبر مع الواسطة
ذكروا هذا البحث في ذيل آية النبأ وليس له إرتباط واضح بها وحقه أن يذكر في ذيل أدلة حجية الخبر ، وحاصله أنَّ أدلة حجية خبر الواحد هل تشمل الإخبار مع الواسطة بعد وضوح شمولها للخبر من دون الواسطة ؟
وهذا السؤال إنما يطرح باعتبار ما ذُكر من إشكالات للإخبار مع الواسطة وسيأتي ذكرها بعد تمهيد مقدمة نافعة في المقام وهي:
هناك شروط لشمول أدلة الحجية لخبر الواحد وهي:
1. تحقق موضوع الحجية أي وجود الخبر وذلك باعتبار أنَّ ثبوت الحكم والحجية موقوف على تحقق موضوعه.
2. أن يكون الإخبار عن حس لا عن حدس.
3. أن يكون لمضمون الخبر - أي المخبر به - أثر شرعي عملي يترتب عليه حتى يُعقل التعبد بالخبر بلحاظه ، كما إذا كان المضمون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي فباثباته يثبت الأثر الشرعي المترتب عليه ، وأما إذا كان مضمون الخبر غير ذلك فلا معنى لجعل الحجية له كما لو أخبر الثقة بدرجة الحرارة في القمر فلا معنى للتعبد الشرعي بجعل الحجية لهذا الخبر.
هذه الشروط وخصوصاً الأول والثالث هي التي تنفعنا في محل الكلام لبيان المحاذير والإشكالات في شمول أدلة حجية خبر الواحد للإخبار مع الواسطة.