الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب/آية النبأ/ الإعتراضات

إنتهينا الى إعتراض المحقق الأصفهاني على صاحب الكفاية حينما فسَّر الجهالة بالسفاهة ، والغرض من هذا التفسير هو منع شمول عموم التعليل لخبر العادل فيبقى المفهوم شاملاً له فيصح الإستدلال به على حجية خبر العادل ، والمحقق الأصفهاني يدعى أنَّ هذا الغرض لا يتحقق حتى على هذا التفسير وذلك لأنَّ العمل بخبر العادل من دون إفتراض حجيته هو عمل سفهي فيشمله عموم التعليل ويقع التعارض بينه وبين المفهوم.

وأُجيب عن إعتراض المحقق الأصفهاني بأننا نُسلم بأن العمل بغير الحجة هو عمل سفهي بنظر العقلاء لكن خبر العادل قامت عليه الحجة بقطع النظر عن الآية فلا يكون عملاً سفهياً وذلك بإعتبار قيام السيرة العقلائية على العمل به مع عدم ردع الشارع عنها وهذا كافٍ في إثبات الحجية.

ولكن هذا الجواب غير تام وهو خُلف الفرض فإنّ المفروض هو إثبات حجية خبر العادل بالآية الشريفة وهذا يعني عدم المفروغية من حجيته فكيف يقال إنه حجة بالسيرة العقلائية الممضاة شرعاً وبقطع النظر عن الآية!

والصحيح في الجواب:

أولاً ننكر كون العمل بخبر العادل عملاً سفهياً وإن لم يكن حجة شرعاً فإن المقصود من العمل السفهي هو العمل الذي لا يقدم عليه العقلاء ويلومون من يُقدم عليها والعمل بخبر العادل ليس كذلك وهو نظير العمل بالقياس والعمل بأخبار المنحرفين بناء على إشتراط العدالة فهو عمل بغير الحجة الشرعية إلا أنَّ العقلاء يعملون به ولا ملازمة بين عمل العقلاء وبين أن يكون الشيء حجة شرعاً ، وعليه فالعمل بخبر العادل ليس عملاً سفهياً ولا يشمله عموم التعليل فلا يتم هذا الإعتراض كلام المحقق الخراساني.

وثانياً أنَّ المفروض في محل الكلام هو تمامية دلالة الآية مفهوماً على حجية خبر العادل وإنما الكلام في أنَّ التعليل هل يمنع من الأخذ بهذا المفهوم أو لا يمنع منه ، وبناءً عليه إذا كان المراد من الجهالة السفاهة بمعنى العمل بالشيء مع عدم حجيته فلا يصلح التعليل لأن يكون مانعاً عن دلالة الآية على المفهوم بل دلالتها عليه تكون رافعة لموضوع التعليل وجداناً وحقيقة لأنَّ موضوعه هو العمل بغير الحجة والمفهوم يدل على أنَّ خبر العادل حجة فلا يكون العمل به عملاً بغير حجة فلا يكون سفهياً وهذا يعني أنَّ المفهوم يكون وارداً على التعليل.

الى هنا تم الكلام عن الإعتراض الثاني عن الإستدلال بالآية.

الإعتراض الثالث ما ذكره الشيخ في الرسائل وهو أنَّ مفهوم الآية غير معمول به في الموضوعات الخارجية - أي خبر العادل الواحد - ومنها مورد نزول الآية وهو إخبار الوليد بارتداد جماعة ، وعليه فإما أن نطرح المفهوم فلا يتم الإستدلال بها على حجية خبر العادل وإما أن نلتزم بالمفهوم وأنه دال على الحجية لكن مع إخراج مورد النزول عنه فلا يكون خبر العادل الواحد حجة ، ولكن إخراج مورد النزول مستهجن وقبيح لأنه القدر المتيقن من الدلالة فلا بد من أن يُصار الى الأول وهو إلغاء المفهوم وهذا هو المطلوب.

وهذا الإعتراض يختلف عن الاعتراض السابق فقد كان المانع من الأخذ بالمفهوم في الإعتراض الثاني من داخل الآية وهو عموم التعليل بينهما المانع هنا خارجي وهو ما دلَّ على أنَّ خبر العدل الواحد ليس حجة في الموضوعات.

قد يقال أنَّ هذا الإعتراض مبنائي فإنه مبني على عدم حجية خبر الثقة الواحد في الموضوعات الخارجية وأما إذا قلنا أنَّه حجة مطلقاً أي في نقل الأحكام وفي نقل الموضوعات الخارجية - كما هو الأقرب - فلا يرد هذا الإعتراض.

لكن الصحيح أنَّ الإعتراض يرد حتى على القول الآخر لأنَّ مورد نزول الآية ليس كسائر الموضوعات فإنه إخبار بارتداد جماعة ويترتب عليه أمور خطيرة كالقتل والأسر ونحوها وهذه لا إشكال عندهم في عدم كفاية إخبار العدل الواحد فيها حتى مع القول بحجيته في الموضوعات ، فالاعتراض وارد.

وقد أجاب الشيخ الأنصاري نفسه عنه بإمكان الإلتزام بالتقييد فيرتفع الإعتراض ومقصوده أنَّ المفهوم ثابت مطلقاً أي في مورد النزول وفي غيره وأن خبر العادل الواحد حجة حتى في مورد الارتداد غاية الأمر أنه مقيد في هذا المورد بانضمام عدل آخر إليه وهذا التقييد لا يوجب إخراج المورد بل هو إلتزام بدخوله في المفهوم لكن مع قيد إنضمام عدل آخر إليه.

ويلاحظ عليه: أنَّ المفروض في مورد النزول هو خبر الواحد بارتداد جماعة والتقييد بالانضمام يوجب خروج ما لا يكون واجداً للقيد عن المفهوم ، لأنّ المفهوم إذا قال إذا جاءكم عادل واحد بالنبأ فلا تتبينوا بشرط إنضمام عدل آخر إليه فهذا يدل على خروج نبأ العادل الواحد بالارتداد من دون الإنضمام فلا يشمله المفهوم لكنه هو مورد نزول الآية فيلزم إخراج المورد عن الآية فيعود المحذور، فهذا الجواب غير تام.