الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ

كان الكلام في الملاحظة الثالثة في مناقشة دعوى حكومة المفهوم على عموم التعليل وهي ملاحظة فنية وحاصلها أنَّها حكومة مضيقة بمعنى أنَّ المفهوم يُخرج خبر العادل من عموم التعليل ومن شروطها أن يكون الدليل الحاكم وارداً بلسان نفي الموضوع وإن كان الغرض منه هو نفي الحكم وهذا من قبيل (لا ربا بين الوالد وولده) وأما إذا كان وارداً بلسان نفي الحكم فيكون مخصصاً لا حاكماً كما لو قيل (لا يحرم الربا بين الوالد وولده) فهذا إخراج من الحكم وهو معنى تخصيص ، ومحل الكلام من قبيل الثاني فهناك حكم يقول (خبر الفاسق يجب التبين فيه) وبعموم التعليل عممَّ لكل خبر لا يفيد علماً فينتج ( كل ما لا يكون علماً يجب التبين فيه) وهو الدليل المحكوم والحاكم بحسب الدعوى هو المفهوم الدال على حجية خبر العادل الذي لسانه نفي الحكم (خبر العادل لا يجب التبين) وليس نفي العلمية ومع ينفي الحكم في الدليل المحكوم يكون مخصصاً من قبيل (يجب إكرام العلماء) مع ( لا يجب إكرام زيد العالم) الذي يخصص الأول بلا إشكال ، ولكن لا يمكن الإلتزام بالتخصيص أيضا لما تقدم من دعوى أنَّ المفهوم أخص مطلقاً من عموم التعليل ، وتقدم الجواب عنها.

والمناقشة فيها: ألظاهر أنَّ الحكومة لا تنحصر بما إذا كان الدليل وارداً بلسان نفي الموضوع لأنها على قسمين:

الأول أن يكون تصرف الدليل الحاكم في موضوع الدليل المحكوم إنما هو لغرض إثبات الحكم والأثر الشرعي أو نفيه بحيث لا يصح التعبد به إلا بلحاظ الأثر الشرعي وإلا كان كاذباً وهذا من قبيل (لا ربا بين الوالد وولده) الذي لو لم يكن بلحاظ الحكم لكان كاذباً لأنه ربا حقيقة ، هذا في الدليل النافي للموضوع ، وكذا في الدليل المثبت للموضوع من قبيل (الفقاع خمر إستصغره الناس) فإنه يتصرف في الموضوع - الفقاع - بلحاظ الحرمة وإلا لكان الدليل كاذباً.

وهذا القسم لا ينطبق في محل الكلام بإعتبار أنَّ المستفاد من المفهوم أولاً وبالذات هو (عدم وجوب التبين في خبر العادل) وبالالتزام يستفاد منه جعل الحجية لخبر العادل ، وذلك في قبال خبر الفاسق الذي يجب فيه التبين ولازمه عدم الحجية ، وعليه لا يدخل محل الكلام في هذا القسم لأن المفهوم ينفي الحكم إبتداءً.

الثاني هو ما إذا كان الموضوع قابلاً بنفسه للتعبد نفياً أو إثباتاً من دون الحاجة الى ملاحظة الأثر الشرعي ومثاله العلم إذ يصح أن يعبدنا الشارع بجعل أمارة ظنية علماً وإن لم يكن للعلم أثر شرعي ، وحينئذٍ تترتب على الأمارة الآثار العقلية المترتبة على العلم كالتنجيز والتعذير وهذا معنى قيام الأمارة مقام القطع الطريقي ، ومحل الكلام من هذا القبيل بمعنى أنَّ المفهوم يستفاد منه أولاً وبالمطابقة عدم وجوب التبين في خبر العادل لكنه يدل بالإلتزام على حجية خبر العادل وهو يعني إعتباره علماً على مسلك جعل الطريقية والعلمية فيكون حاكماً على عموم التعليل بإعتبار إخراجه خبر العادل من موضوع عموم التعليل ، هذا هو الجواب المطروح عن الملاحظة الثالثة.

لكن الصحيح أن يقال أنَّ وجوب التبين في خبر الفاسق في منطوق الآية هل هو حكم تكليفي نفسي محض أو هو إرشاد الى عدم الحجية ؟

فإذا قلنا أنه حكم تكليفي محض ويستكشف منه عدم الحجية فـتأتي فيه الملاحظة المتقدمة ويكون مخصصاً لعموم التعليل ، ولكن الجواب المتقدم يقول أنَّ وجوب التبين إرشاد الى عدم الحجية فيكون عدمه في المفهوم إرشاد الى الحجية وكأنه قال خبر العادل حجة وهو يعني إعتباره علماً على مسلك جعل الطريقية ، ومعه يكون حاكماً على الدليل القائل (يجب التبين في كل ما لا يكون علماً) وهذا إخراج من موضوع الدليل تعبداً وهو معنى الحكومة ، فالمهم هو تحقيق هذه النقطة.

والصحيح هو الثاني بل هذا اللسان - أي وجوب التبين - من ألسنة عدم الحجية كما أنَّ لسان عدم وجوب التبين من ألسنة الحجية وهو على مسلك جعل الطريقة يعني إعتباره علماً فيكون حاكماً على عموم التعليل.

     عرض وتذكير بمفاصل البحث

كان الكلام في الإستدلال على حجية خبر العادل بآية النبأ وهو تارة يكون على أساس مفهوم الوصف وفرغنا منه ، وأخرى يكون على أساس مفهوم الشرط ، وقد واجه الإستدلال إعتراضات:

الأول أنَّ الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها ، وهو إعتراض وارد.

الثاني أنَّ المفهوم معارض بعموم التعليل ، فيكون التقديم لعموم التعليل على المفهوم أو تقع المعارضة بينهما وعلى كِلا التقديرين لا يصح الإستدلال بالمفهوم على حجية خبر العادل.

وأجيب عن هذا الإعتراض بوجوه:

الأول: سلمنا المعارضة لكن التقديم للمفهوم بالأخصية ويصح الإستدلال بالآية.

الثاني: التقديم للمفهوم أيضاً ولكنه بالحكومة ، ولكنه غير تام للملاحظة الأولى المتقدمة وهي أنهما في عرض واحد فلا حكومة بينهما لإعتبار النظر والطولية في الدليل الحاكم بالنسبة الى الدليل المحكوم.

الثالث: ما إختاره المحقق الخراساني والمحقق النائيني والسيد الخوئي ، وحاصله:

أنَّ المعارضة المذكورة تنبتي على تفسير الجهالة في الآية بعدم العلم وأما إذا قلنا أنَّ المراد بها هو السفاهة وهو العمل غير العقلائي فالعلة المذكورة في المنطوق لا تعم خبر العادل لأنَّ العمل به ليس سفاهة ومع عدم شمول العلة له لا تتحقق المعارضة مع المفهوم الدال على حجية خبر العادل فيرتفع الإعتراض الثاني.

واختلفوا في تقييم هذا الجواب فرضفه جماعة منهم الشيخ الأنصاري وفسَّر الجهالة بعدم العلم ورد هذا الجواب في الرسائل بأمور منها:

أولاً أنه خلاف الظاهر فإنَّ الجهالة مشتقة من الجهل وهو يعني عدم العلم.

ثانياً أنَّ العقلاء لا يُقدمون على أي أمر إلا بعد التثبت والتروي والوثوق ، والآية تدل على وجوب التبين في خبر الفاسق - الوليد - وتنهى العقلاء من العمل بخبره ولكن لا يصح تسمية العمل بخبر الوليد سفاهة ولو كان كذلك لم يُقدم عليه العقلاء فلابد أن لا يكون المقصود من الجهالة هو السفاهة وإنما هو العمل بغير العلم.