الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ

كان الكلام في الجواب الثاني على الإعتراض الثاني والذي يقول بتقدم المفهوم على عموم التعليل بالحكومة ، وذُكرت عليه ملاحظات تقدمت الملاحظة الأولى وحاصلها:

أنَّ المفهوم - لو تم - يُفيد جعل الحجية لخبر العادل إلا أنه بمعنى الإرشاد الى حجيته وإن ورد بلسان (لا يجب التبين في خبر العادل) بخلافه في خبر الفاسق إذ يجب فيه التبين بمعنى الإرشاد الى عدم الحجية ، فكأنَّ المفهوم يجعل الحجية لخبر العادل ، وبناءً على مسلك جعل الطريقة يكون معناه جعل العلمية لخبر العادل هذا بلحاظ المفهوم ، وأما التعليل فهو يسلب الحجية عنه بلا فرق بينه وبين خبر الفاسق أي يسلب العلمية عنه بناءً على هذا المسلك ، فهنا دليلان أحدهما يُثبت العلمية لخبر العادل والآخر ينفيها عنه وهما في عرض واحد ولا حكومة بينهما.

الملاحظة الثانية: أنَّ المفهوم إنما يصلح للحاكمية إذا فرضنا الإقتصار في التعليل على قوله تعالى ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ﴾ ولكن للآية تتمة وهي قوله تعالى ﴿فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ والمفهوم بملاحظة هذا الذيل لا يصلح أن يكون حاكماً على عموم التعليل وذلك لأنَّ الندم الحاصل بسبب العمل بخبر الفاسق يكون على مخالفة الواقع الوقوع في مفسدته كما لو أخبرك الفاسق بأنَّ هذا ماء فشربته فبان خمراً فوقعت في مفسدة مخالفة الواقع فتصبح نادماً لذلك ، إلا أنَّ هذا الذيل لا يختص بخبر الفاسق إذ يحتمل الوقوع في مخالفة الواقع حتى في خبر العادل ومع شموله له يقال أنَّ المفهوم لا يكون حاكماً على التعليل وذلك لأنَّ مفاد المفهوم ليس هو نفي الندم عن العمل بخبر العادل ونفي الندم على الوقوع في مفسدة مخالفة الواقع فلا يصلح أن يكون حاكماً على هذا الذيل ﴿فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ الذي هو بمثابة التعليل لعدم جواز العمل بخبر الفاسق من دون تَبيُّن صدقه لأنه عمل بالجهل وفيه إحتمال الندم على مخالفة الواقع ، وهذا الذيل لا يختص بخبر الفاسق بل يشمل خبر العادل أيضاً والمفهوم لا يرفعه وإنما يرفع الجهل فقط بناءً على مسلك جعل العلمية فلا يصلح أن يكون المفهوم حاكماً على التعليل المذكور في الآية ، وعليه يثبت بعموم التعليل وجوب التبين في خبر العادل كما يثبت في خبر الفاسق ولا يكون المفهوم حاكماً عليه وبالتالي لا يصح الإستدلال به على حجية خبر العادل.

والمناقشة فيها: أنَّ الندم في الآية تارة يفترض حصوله نتيجة العمل بغير الوظيفة الشرعية ويكون بإعتبار ما يترتب على هذه المخالفة من الإدانة وإستحقاق العقاب على مخالفة الشارع ، وأخرى يكون الندم على صرف مخالفة الواقع والوقوع في مفسدته مع العمل بالوظيفة ، والسؤال هل الندم في الآية يراد به الأول أو الثاني؟

والجواب: أنَّ الندم على مخالفة الواقع من العمل بالوظيفة الشرعية لا أثر له إذ لا يترتب عليه شيء من الإدانة وإستحقاق العقاب بل لا يصدق عليه المخالفة وتثبت هنا المعذورية في حق المكلف ، فالمراد بالندم في الآية هو الأول أي مخالفة الواقع مع ترك العمل بالوظيفة الشرعية ، وهذه مخالفة تترتب عليها الآثار من الإدانة وإستحقاق العقوبة ، والمفهوم يجعل الحجية لخبر العادل فإذا عمل المكلف على وفق الخبر واتفقت مخالفته للواقع فالندم إنما يكون على مخالفة الواقع فقط لأنه عمل بالوظيفة الشرعية وبذلك يمكن إثبات الحكومة بمعنى أنَّ المفهوم بجعله الحجية لخبر العادل يرفع موضوع الندم فيصلح أن يكون حاكماً على فقرة ﴿فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ﴾.

وبعبارة أخرى: أنَّ الوقوع في مفسدة الواقع تارة يكون مع العمل بالوظيفة الشرعية كما إذا عمل بالبينة في مورد ثم تبين عدم مطابقتها للواقع ووقع في المفسدة الواقعية ، وأخرى يكون مع ترك العمل بالوظيفة الشرعية ، والندم الذي يترتب عليه الأثر من حيث الإدانة وإستحقاق العقاب إنما هو الحاصل من القسم الثاني لعدم معذورية المكلف في مخالفة الواقع حينئذٍ ، وأما في القسم الأول فليس فيه ندم تترتب عليه الآثار لأنه عمِلَ بالوظيفة الشرعية المقررة في حقه فيكون معذوراً لو صادف مخالفة الواقع ، فلا ندم في الحقيقة وعلى تقدير تحققه لا يترتب عليه أي أثر ، وعليه فالندم الذي تحذر منه الآية هو الندم مع عدم المعذورية ، ومن الواضح أنَّ المفهوم يصلح أن يكون حاكماً على ذلك لأنه بجعله الحجية والعلمية لخبر العادل يكون مخرجاً له عن التعليل لثبوت المعذرية عند العمل به.

الملاحظة الثالثة: أنَّ الحكومة المضيقة إنما تتحقق عندما يكون الدليل الحاكم وارداً بلسان نفي الموضوع كـ (لا ربا بين الوالد وولده) النافي للحكم بلسان نفي الموضوع ، وأما إذا ورد بلسان نفي الحكم مباشرة كما لو فُرض قوله (لا يحرم الربا بين الوالد وولده) فهذا لا يكون حاكماً على عموم التعليل وإنما يكون مخصصاً لدليل حرمة الربا لأنه إخراج من الحكم ، والمفهوم في محل الكلام ينفي الحكم إبتداءً لأنَّ مفاده هو عدم وجوب التبيَّن في خبر العادل وهذا نفي للحكم وليس نفياً للموضوع حتى يقال بالحكومة ، وعليه يكون مخصصاً لما دلَّ على وجوب التبين في كل ما لا يكون علماً أي مخصصا لعموم التعليل لا حاكماً عليه.