44/03/14
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ
يلاحظ على الملاحظة الأولى المتقدمة على الجواب الأول أنَّ عموم التعليل ليس عموماً وضعياً حتى يقال بتقدمه على الإطلاق عند تعارضهما وإنما مرجعه الى أنَّ العلة المذكورة لا تختص بمورد الآية وتثبت في غيره وذلك كما أنَّ (الحامض) لا يختص بالرمان في قولك (لا تأكل الرمان لأنه حامض) وعليه لا يمكن تطبيق قانون التعارض وتقديمه على الإطلاق في صورة تعارضهما.
الملاحظة الثانية: أن يقال أنَّ النوبة لا تصل الى تقديم المفهوم على عموم التعليل بالأخصية - كما قيل في الجواب الأول - لأنَّ ذلك متفرع على تسليم ثبوت المفهوم للآية في قبال عموم التعليل والصحيح أنه غير مسلَّم وذلك لأنَّ عموم التعليل يقتضي تبدل الشرط من كونه (مجيء الفاسق بالنبأ) الى (مطلق ما لا يكون علماً) إذ لا خصوصية لمجيء الفاسق إلا بإعتباره أمارة غير علمية - أي جهلاً - فكأن الشرط هو (كل ما لا يكون علماً) وهذا من قبيل إلغاء خصوصية الرمان في (لا تأكل الرمان لأنه حامض) وإنما الخصوصية للحامض فيتحول الموضوع الى مطلق الحامض وهذا التبدل من لوازم التعليل ، وفي محل الكلام الشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ) والعلة المذكورة في الآية تحوله الى (مجيء كل ما لا يكون قوله موجباً للعلم) ، وبناءً على هذا يكون عموم التعليل بنفسه دالاً على وجوب التَّبيُّن في خبر العادل وهذه قرينة متصلة على إلغاء المفهوم في هذه الآية.
نعم إذ فرضنا أنَّ التعليل ورد في كلام منفصل فيثبت المفهوم ويمكن أن نقول بتقدمه على عموم التعليل بالأخصية وذلك لأنَّ القرينة المنفصلة لا تهدم أصل الظهور وإنما تهدم حجيته فيستقر المفهوم للجملة الشرطية ومع انحفاظه يمكن أن يقال بتقدمه، وأما حيث تكون القرينة متصلة كما هو الحال في الآية فهي تمنع من إنعقاد أصل الظهور وهذا معنى إلغاء التعليل للمفهوم.
وقد يقال: إذا كان الشرط في الآية هو مطلق ما لا يكون علماً وليس مجيء الفاسق بالنبأ فلِمَ لم يُذكر وذكر مجيء الفاسق بالنبأ ؟
والجواب عنه ما ذكروه من أنَّ الغرض منه هو التنبيه على فسق الجائي بالنبأ في مورد نزول الآية وهو الوليد بن عقبة.
الملاحظة الثالثة: مع التنزل عن الملاحظتين السابقتين يقال هل المفهوم يختص بخبر العادل حتى تدعى الأخصية ؟
الصحيح أنه لا يختص بخبر العادل وذلك بإعتبار أنّ المفهوم هو (إن لم يأتكم فاسق بنبأ..) وهذا بإطلاقه يشمل أن يأتي العادل بالنبأ أو يأتي به مجهول الحال أو لا يأتي بالنبأ أحد أصلاً ومع شموله لخبر العادل بالإطلاق لا يمكن القول بأنَّ المفهوم أخص من عموم التعليل وأنه يتقدم عليه بالأخصية ، وبعبارة أخرى النسبة بينهما ليست هي العموم والخصوص المطلق وإنما هي العموم والخصوص من وجه ، فكما أنَّ خبر العادل يشمل عموم التعليل بالإطلاق فكذلك المفهوم يشمله بالإطلاق فلا موجب لتقديم المفهوم بالأخصية.
الجواب الثاني: وهو تقديم المفهوم على عموم التعليل على أساس الحكومة ، وهذه الحكومة مبنية على مسلك جعل الطريقية والعلمية في باب جعل الحجية الذي إلتزم به المحقق النائيني قده وأتباعه ، وأما بيانها فبإعتبار أنَّ المفهوم يجعل خبر العادل حجة والحجية على هذا المسلك تعني جعله علماً وكاشفاً تاماً وحيث أنَّ عموم التعليل موضوعه (ما لا يكون علماً) فيكون المفهوم حاكماً عليه لأنه يُخرج خبر العادل من موضوع عموم التعليل ويدخله في العلم تعبداً، فيتقدم المفهوم على عموم التعليل بالحكومة بناءً على هذا المسلك ويصح الإستدلال بالآية ولا يكون الإعتراض وارداً.
فعموم التعليل يدل على عدم جواز العمل بكل ما لا يكون علماً ولا يكون حجة ولكنه لا يتعرض الى الصغرى ولا يقول هذا المورد علم وذاك ليس بعلم ، ومن هنا لا يكون منافياً للدليل - وهو المفهوم - الدال على أنَّ خبر العادل يكون علماً ولو بالتعبد.
ولوحظ على هذا الجواب بملاحظات:
الأولى: أنَّ هذا الجواب مبنائي يبتني على مسلك جعل الطريقية فمن لا يبني عليه لا يتم عنده هذا الجواب ، وبقطع النظر عن ذلك يمكن أنكار دعوى الحكومة حتى على القول بمسلك جعل الطريقية وذلك بإعتبار أنَّ الحكومة يعتبر فيها نظر الدليل الحاكم الى الدليل المحكوم وهذا يعني أنه اُفترض في الدليل الحاكم وجود الدليل المحكوم فلا معنى لـــ (لا ربا بين الوالد وولده) إذا لم يكن هناك دليل على حرمة الربا ، فالدليل الحاكم وإن ورد بلسان نفي الموضوع إلا أنَّ الغرض منه هو نفي الحكم كما هو واضح ، وفي محل الكلام يقال لإنكار دعوى الحكومة إنَّ جعل الحجية لخبر العادل في المفهوم معناه جعله علماً وعموم التعليل يقول يجب التَّبيُّن في خبر العادل وهو يعني أنه ليس حجة أي ليس علماً وهذان دليلان في عرض واحد بلا طولية لأحدهما على الآخر فيقع التعارض بينهما بلا حكومة بينهما ، وهذا من قبيل الدليل القائل (ثمن العذرة سحت) مع (لا بأس ببيع العذرة) فهما في عرض واحد من دون نظر لأحدهما الى الآخر ، فيشكل الإلتزام بالحكومة.
ولعل الشبهة التي أوجبت القول بالحكومة هي تفسير وجوب التَّبيُّن في عموم التعليل كحكم تكليفي مقدمة للعمل ، وأما الرأي الآخر المنكر للحكومة يقول أنَّ عموم التعليل إرشاد الى عدم الحجية فيكون في عرض الدليل الدال على جعل الحجية لخبر العادل فيكونان في عرض واحد بلا طولية بينهما.