44/03/13
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ
كان الكلام فيما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية والظاهر منه هو أنه لا فرق بين القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع وبين القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق المحمول في أنَّ أداة الشرط في كُلٍ منهما تدل على التعليق ، ولازمه إنتفاء المعلَّق عند الإنتفاء المعلَّق عليه ، والمعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم دائماً وهذا يعني إنتفاء سنخ الحكم بإنتفاء الشرط سواء كانت القضية سالبة بإنتفاء الموضوع أو المحمول ، فتكون الجملة دالة على المفهوم حتى لو قلنا أنَّ الآية هي شرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع وذلك لتعليق سنخ الحكم على الشرط (مجيء الفاسق بالنبأ) فإذا لم يأت الفاسق بالنبأ إنتفى طبيعي وجوب التَّبيُّن وهو المطلوب.
وقلنا أنَّ هذا يعتمد على ثلاث مقدمات سلَّمنا الأولى والثانية وإنما الإشكال في الثالثة فهل المعلَّق في القضية الشرطية هو سنخ الحكم دائماً ؟
الظاهر أنه ليس كذلك بل يختلف بإختلاف القضية الشرطية فإن كان المعلَّق هو شخص الحكم فلا مفهوم لهذه القضية وإن كان المعلَّق هو سنخ الحكم فلهذه القضية مفهوم ، وقد تقدم أنَّ القضية إذا كانت مسوقة لبيان تحقق المحمول فالمعلّق هو سنخ الحكم دائماً فيكون للجملة مفهوم وهذه هي السالبة بإنتفاء المحمول ، والنكتة في ذلك هو أنَّ هذه القضية تشتمل على تعليقين وربطين ربط الحكم بموضوعه وربط الحكم بالشرط ففي قولك (إن جاءك زيد فأكرمه) ربط للحكم بموضوعه وربط للحكم بالشرط فالمعلَّق على الشرط هنا لابد أن يكون هو سنخ الحكم ، ولو كان المنتفي هو شخص الحكم لإكتفى المتكلم بربطه بموضوعه بل لإنتفى عقلاً بإنتفاء أي قيد من قيود الموضوع ، فإذا كان غرض المتكلم من تعليق الحكم على الشرط هو بيان إنتفاء شخص الحكم بإنتفاء الشرط فهذا أمر زائد إذ يمكنه أن يقول (أكرم زيداً) وبإنتفاء الموضوع ينتفي شخص الحكم من دون حاجة الى التعليق الإضافي على الشرط في القضية المسوقة لبيان تحقق المحمول.
وأما القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع كقولك (إن رزقت ولداً فإختنه) فلا يُستفاد منها وجود التعليقين المذكورين وإنما هناك تعليق وربط واحد هو ربط الحكم بموضوعه وذلك لأنَّ الشرط فيها محقق للموضوع بل هو نفس الموضوع وإنما يختلفان بالإعتبار فلا فرق بينها وبين القضية الحملية (إختن ولدك) ، فإذا إتضح ذلك فسيكون المعلَّق على الشرط - الذي هو عبارة أخرى عن الموضوع - هو شخص الحكم لا سنخه لأنَّ المنتفي بإنتفاء الموضوع أو أحد قيوده هو دائماً شخص الحكم ، ولذا إتفقوا على أنَّ جملة اللقب لا مفهوم لها وذلك لما ذكرنا من أنَّ الحكم مرتبط بموضوعه وينتفي بإنتفائه وهذا لا ينافي ثبوته لموضوع آخر فالذي ينتفي بإنتفاء الموضوع هو شخص الحكم.
ومن الواضح أنَّ التعليق والإرتباط في القضية المسوقة لبيان تحقق المحمول لابد أن يكون المعلَّق هو سنخ الحكم لأنَّ المفروض من تعليق شيء على شيء وربطه به هو بيان ارتباطهما وأنَّ المعلَّق ينتفي بإنتفاء المعلَّق عليه فإذا كان المعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم أفاد التعليق فائد جديدة لم تكن موجودة في تعليقه على موضوعه وربطه به لأنَّ هذا الربط يعني ربط شخص الحكم بموضوعه لا سنخه ، ولذا لم يقل أحد بمفهوم اللقب وإشتهر قولهم أنَّ إثبات شيء لشيء لا ينفي ثبوته لما عداه ، وأما إذا كان المعلَّق هو شخص الحكم فلا فائدة في هذا تعليق الإضافي على الشرط لأنَّ الغرض منه هو بيان إنتفاء شخص الحكم عند إنتفاء الشرط وهو متحقق بتعليق الحكم بموضوعه وربطه به فيكفيه أن يقول (أكرم زيداً) ولا داعي لقوله (إن جاءك زيد فأكرمه).
فما ذكره المحقق الخراساني قده إنما يتم في القضية الشرطية إذا كانت دالة على تعليق الحكم بالشرط إضافة الى تعليقه بموضوعه وهذا يكون في الشرطية المسوقة لبيان تحقق المحمول دون الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع ، وعليه فما ذكره من أنَّ أداة الشرط تدل على التعليق دائماً صحيح لكن ذلك لا يستلزم دلالتها على المفهوم لأنَّ المعلَّق على الشرط في الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع هو شخص الحكم وهو الذي ينتفي بإنتفائه لا سنخ الحكم حتى تدل على المفهوم.
والحاصل: أنَّ هناك أمر مسلَّم وهو عدم دلالة القضية الحملية (أكرم زيداً ، إختن ولدك) على المفهوم والإنتفاء عند الإنتفاء مع أنه لا إشكال في أنَّ شخص الحكم المنشأ في هذه القضية ينتفي بإنتفاء موضوعه ، ومن هذا يتبين أنَّ المعلّق على الموضوع في القضية الحملية هو شخص الحكم لا سنخه ولا فرق في ذلك بين القضية الحملية (إختن ولدك) وبين القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع المعلَّق فيها هو شخص الحكم لا سنخ الحكم.
الإعتراض الثاني على الإستدلال بالآية على أساس مفهوم الشرط يقول لو سلّمنا دلالة الآية على المفهوم وبالتالي على حجية خبر العادل إلا أنَّ التعليل المذكور فيها ﴿فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ﴾ يشير الى العلة في وجوب التَّبيَّن في خبر الفاسق وهو الوقوع في المفسدة الناشئة من الجهل ، فخبر الفاسق جهل والعمل به قد يؤدي الى مفسدة ، والعلة تخصص وتعمم وهي موجودة في سائر الأمارات غير العلمية ولا تختص بخبر الفاسق فكما لا يجوز العمل بخبر الفاسق بإعتباره عملاً بغير العلم فكذلك لا يجوز العمل بسائر الأمارات غير العلمية ومنها خبر العادل لوحدة العلة بينهما ، وهذا نظير (لا تأكل الرمان لأنه حامض) الذي يعم كل ما هو حامض ، فعموم التعليل هنا يقتضي وجوب التَّبيُّن في خبر العادل والمفهوم يقول خبر العادل حجة وهما متنافيان فإما أن نلغي المفهوم ولو بقرينة عموم التعليل وإما أن نقدم عموم التعليل عليه وعلى كِلا التقديرين لا يصح الإستدلال بالآية على حجية خبر العادل.
والحاصل: أنَّ مفاد التعليل هو أنَّ الأخذ والعمل بخبر الفاسق هو في معرض إصابة قوم بالضرر بسبب الجهل وعدم العلم بمطابقته للواقع وهذا يشمل خبر العادل إذ لا علم بمطابقه للواقع ، بل يشمل كل أمارة ليست علمية.
وأجيب عنه بوجوه:
الوجه الأول: هو دعوى تقديم المفهوم على عموم التعليل فيصح الإستدلال بالآية على حجية خبر العادل، ووجه تقديم المفهوم على عموم التعليل هو الأخصية فإنَّ المفهوم يختص بخبر العادل وعموم التعليل يشمل جميع الأمارات غير العلمية فالنسبة بينهما هي العموم المطلق فيتقدم المفهوم على عموم التعليل بالأخصية.
ولوحظ عليه:
أولاً بما نُقل عن السيد الخوئي قده من إنكار الأخصية وذلك لأنَّ قوام المفهوم بالإطلاق فيتقدم عليه عموم التعليل لأنَّ العام إذا تعارض مع المطلق تقدم عليه كما هو المقرر في باب التعارض ، ومعه لا يكون للآية مفهوم ولا يصح الإستدلال بها على حجية خبر العادل.
وأما كون قوام المفهوم بالإطلاق فلما ذُكر في باب المفاهيم من أنَّ الشرط علة منحصرة للجزاء ، والانحصار يثبت بالإطلاق وذلك بأن نقول أنَّ مقتضى إطلاق الجملة هو ترتب الحكم على الشرط مطلقاً أي سواء قارنه شيء أم لم يقارنه وتقدم عليه شيء أم لم يتقدم عليه وتأخر عليه شيء أم لم يتأخر ، فيترتب الجزاء عليه مطلقاً فتثبت العلية الإنحصارية وتدل الجملة على المفهوم ، هذا أحد وجوه إثبات العلية الإنحصارية فإذا ثبت الإطلاق وعارضه عموم التعليل تقدم العموم على الإطلاق.