44/03/12
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ
تقدم أنَّ الآية الشريفة لا يظهر منها إفتراض النبأ موضوعاً في رتبة سابقة على الشرطية ثم حمل الحكم بوجوب التَّبيُّن عليه مع إشتراط فسق الجائي بالنبأ حتى يقال أنَّ الموضوع هو طبيعي النبأ ، وإنما الظاهر منها هو إفتراض النبأ الذي يجيء به الفاسق وحمل الحكم بوجوب التَّبيُّن عليه ، فالموضوع هو (نبأ الفاسق) لا مطلق النبأ فمفادها هو (النبأ الذي يجيء به الفاسق يجب التَّبيُّن فيه) وهو يفترق عن (النبأ يجب التَّبيُّن فيه إن جاءكم به فاسق) الذي يكون موضوع وجوب التَّبيُّن فيه هو طبيعي النبأ وليس هو مفاد الآية.
والحاصل: أنَّ المذكور في الآية ﴿إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟﴾ هو التعبير المتعارف عندما يُراد جعل الموضوع هو نبأ الفاسق.
ومن هنا يصح الإحتمال الأول الذي إستظهره الشيخ الأنصاري قده وحينئذٍ لا يصح الإستدلال بالآية على حجية خبر العادل للاعتراض الأول الذي وجهه الشيخ وهو أنَّ هذه القضية سالبة بإنتفاء الموضوع فلا تدل على المفهوم، هذا هو الإعتراض الأول على الإستدلال بالآية على حجية خبر العادل على أساس مفهوم الشرط، وتبيَّن أنه وارد وتام.
هذا وقد ذكر صاحب الكفاية قده أنَّ القضية حتى لو كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع وكان موضوعها هو (نبأ الفاسق) إلا أنها تدل على المفهوم وذلك بإعتبار ظهورها في إنحصار موضوع وجوب التَّبيُّن في النبأ الذي جاء به الفاسق ولا موضوع له غيره وهذا يعني أنَّ وجوب التَّبيُّن ينتفي بانتفاء موضوعه فإذا إنتفى نبأ الفاسق ووجد موضوع آخر - وهو نبأ العادل - ينتفي عنه وجوب التَّبيُّن وهو المطلوب حتى إذا كانت القضية من السالبة بإنتفاء الموضوع.
فالظاهر من كلامه هو أنَّ أداة الشرط إذا كانت دالة على التعليق كما هو المفروض فلا فرق في دلالتها على ذلك بين ما إذا وقعت في شرطية مسوقة لتحقق المحمول أو شرطية مسوقة لتحقق الموضوع أي سواء كانت الشرطية من السالبة بانتفاء المحمول أو كانت من السالبة بانتفاء الموضوع فتدل الأداة في كل منهما على التعليق ففي مثل قولك (إن رزقت ولداً فإختنه) تدل الأداة على تعليق وجوب الختان على رزق الولد بلا فرق بينها وبين (إن جاءك زيد فأكرمه) من جهة التعليق الذي هو مدلول أداة الشرط ، وحيث أنَّ المفروض أنَّ المعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم بوجوب التَّبيُّن - لا شخصه - فلا إشكال في إنتفائه بإنتفاء ما عُلِّق عليه حتى لو قلنا أن القضية من السالبة بإنتفاء الموضوع، فكما ينتفي سنخ وجوب الإكرام بإنتفاء مجيء زيد كذلك ينتفي سنخ وجوب الختان بإنتفاء رزق الله الولد ، فحاصل كلامه يتضح بثلاث مقدمات:
الأولى: أنَّ أداة الشرط دالة على التعليق.
الثانية: أنَّ التعليق في القضيتين الشرطيتين واحد.
الثالثة: أنَّ المعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم لا شخص الحكم.
فإن تمت هذه المقدمات ثبت المفهوم لإنتفاء سنخ الحكم بإنتفاء الشرط ، وتطبيقه في المقام هو أنَّ الآية الشريفة إستعملت أداة الشرط (إن) وهي تدل على تعليق وجوب التَّبيُّن على مجيء الفاسق بالنبأ ، وأنَّ المعلَّق هو سنخ الحكم - وهو معنى إنحصار وجوب التَّبيُّن بمجيء الفاسق بالنبأ - فلابد من إنتفاء سنخ الحكم بإنتفاء الشرط حتى لو كان الشرط مسوقاً لبيان تحقق الموضوع ، وهذا هو المطلوب.
وأجيب عنه بإنكار المقدمة الثانية أي أنَّ الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع لا تدل على التعليق أصلاً وأنَّ مفادها هو قضية حملية، فمرجع الآية الى وجوب التَّبيُّن في خبر الفاسق كما أنَّ مرجع قضية (إن رزقت ولداً فإختنه) الى وجوب ختان الولد وهذه قضايا حملية لا تدل على التعليق وإن ذكرت بصورة القضية الشرطية فإنَّ الشرط والموضوع فيها واحد ويراد من ذكر الشرط بيان تحقق الموضوع مقدمةً لإثبات الحكم له.
ولوحظ على هذا الجواب بأنَّه يستلزم تعدد الوضع في أداة الشرط أي أنَّ الأداة إن وقعت في قضية مسوقة لبيان تحقق المحمول فتدل على التعليق وإن وقعت في قضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا تدل على المفهوم أو أنَّ الأداة تدل على التعليق في مورد خاص وهو ما إذا كانت القضية مسوقة لبيان تحقق المحمول، وهذا غريب!
والصحيح أن يقال: لا ننكر أنَّ أداة الشرط مفادها التعليق والارتباط ، وهذه الدلالة مطردة في جميع القضايا الشرطية فالمقدمتان الأولى والثانية مسلمتان ، إلا أنَّ الكلام في المقدمة الثالثة فهل المعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم دائماً أم يختلف بإختلاف نوع القضية الشرطية ؟
بمعنى أنَّ القضية إن كانت مسوقة لبيان تحقق المحمول نحو (إن جاءك زيد فأكرمه) فالمعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم فتدل الجملة على المفهوم ، والسر فيه هو أنَّ المستفاد من هذه القضية هو تعليق الحكم على الشرط بعد الفراغ عن تعليقه على ما هو عليه - أي على الموضوع - أي أنَّ هناك تعليق إضافي للحكم غير تعليقه وارتباطه بموضوعه وهو تعليقه على شرطه ، وذلك لأنَّ هذه الشرطية فيها أمران يرتبط بهما الحكم وهما الموضوع وهو زيد والشرط وهو مجيئه وهذا ما يوجب أن يكون المعلَّق هو سنخ الحكم وإلا فلا حاجة إلى التعليق على الشرط وذلك لإنتفاء شخص الحكم بإنتفاء موضوعه بلا إشكال وتكون حينئذٍ كالقضية الحملية ( أكرم زيداً ) فينتفي شخص هذا الحكم المنشأ بإنتفاء موضوعه (زيد) ، فمن تعليق الحكم على الشرط نعرف أنَّ المعلَّق لابد أن يكون هو سنخ الحكم لا شخص الحكم.
وإن كانت القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فالظاهر منها أنَّ المعلَّق على الشرط هو شخص الحكم لا سنخه لأنَّ الشرط فيها لا يزيد عن الموضوع فرزق الولد هو نفس الولد ومجيء الفاسق بالنبأ هو نفس نبأ الفاسق وإنما الإختلاف بينهما بالإعتبار كالإختلاف بين الوجود والإيجاد فليس فيها إلا إرتباط الحكم بموضوعه وإن عُبِّر عن ذلك بصورة القضية الشرطية (إن رزقت ولداً فإختنه) فليس هنا إلا تعليق الحكم على موضوعه وهو يدل على أنَّ المعلَّق هو شخص الحكم والذي ينتفي بإنتفاء موضوعه.