الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ

كان الكلام في البحث الإثباتي وتحديد ما هو المستظهر من الآية الشريفة من بين الإحتمالات الثبوتية الثلاثة، وتقدم أنَّ هنا أقوال:

الأول: أنَّها ظاهرة في الإحتمال الأول وهو أنّ الموضوع هو (نبأ الفاسق) والشرط (مجيء الفاسق بالنبأ) وهذا ما إستظهره الشيخ الأنصاري قده.

الثاني: أنَّها ظاهرة في الإحتمال الثاني وهو أنّ الموضوع هو (طبيعي النبأ) والشرط هو (فسق الجائي بالنبأ)، والفرق بينه وبين (مجيء الفاسق بالنبأ) هو أنَّ (المجيء) ليس دخيلاً في الشرط على الأول بل يكون دخيلاً في الموضوع وعلى الثاني يكون (المجيء) دخيلاً في الشرط، فكأنه قيل (النبأ الذي جيء به إذا كان الجائي به فاسقاً فتبينوا) ، وهذا ما استقربه المحقق الخراساني قده.

الثالث: أنَّها ظاهرة في الإحتمال الثالث وهو أنَّ الموضوع هو (طبيعي النبأ) والشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ)، وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف ، ونحن استقربنا ثبوت المفهوم كما تقدم.

وهذا القول الثالث هو ما إستظهره المحقق الخراساني من عبارة الشيخ الأنصاري ، وكذا إستظهره السيد الشهيد قده من الآية ، فالأقوال ثلاثة ، والقولان الثاني والثالث يشتركان في أنَّ موضوع القضية هو (طبيعي النبأ).

وإستدل عليه كما في كلمات السيد الشهيد قده بأنَّ الضمير المقدَّر في قوله تعالى ﴿فَتَبَیَّنُوۤا۟﴾ يعود الى النبأ وهو في الآية مطلق والشرط (هو مجيء الفاسق به).

وإعترض عليه بأنَّ هذا البيان لا يكفي في إستظهار الموضوع وذلك بإعتبار أنَّ الضمير المقدَّر يعود الى المراد الجدي من مرجع الضمير وهو (نبأ الفاسق) قطعاً وإن كان المرجع بحسب اللفظ الى (النبأ) من دون تقييد بالفسق ، وبعبارة أخرى ما نفهمه من هذا الكلام هو أنَّ المتكلم يقول: يجب عليكم التَّبيُّن في نبأ الفاسق ، ومع الجزم بمراد المتكلم كيف يقال أنَّ الموضوع في القضية هو مطلق النبأ! فهذا من قبيل قولنا (إن جاءك رجل فأكرمه) فهل يمكن أن يقال بإمكان تطبيق وجوب الإكرام على (الرجل غير الجائي) بدعوى أنَّ الرجل في القضية لم يُذكر مقيداً ؟! هذا ليس صحيحاً لأنَّ المتكلم يريد إكرام الرجل الجائي قطعاً ولا يريد إكرام الرجل غير الجائي ، فكذلك يقال في الآية ﴿إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟﴾ فإنَّ النبأ وإن كان فيها مطلقاً ولكن المراد الجدي للمتكلم هو التَّبيُّن في نبأ الفاسق لا في طبيعي النبأ.

ويلاحظ عليه: إنَّ هذا الإعتراض وقع فيه الخلط بين ما يؤخذ من القيود في الموضوع واقعاً وثبوتاً وبين ما يؤخذ في الموضوع في مقام الإثبات، وكلامنا في الثاني ، والسر في هو أنه لا إشكال في أنَّ المراد الحقيقي والجدي من (إن جاءك رجل فأكرمه) هو إكرام الرجل الجائي لكنه شيء وتحديد موضوع القضية الشرطية في مقام الدلالة والإثبات شيء آخر ويمكن أن يختلفا فيكون الموضوع بحسب مقام الدلالة هو مطلق الرجل لكنه يجب إكرامه إذا تحقق الشرط وهو (المجيء) ، وهذا لا يعني إنقلاب الموضوع من كونه (مطلق الرجل) الى خصوص (الرجل الجائي) ويكون الشرط هو الكاشف عن المراد الجدي الثبوتي للمتكلم هو (الرجل الجائي) ولكنه ليس محل الكلام وإنما الكلام في تحديد موضوع القضية الشرطية بحسب عالم الدلالة والإثبات ولا يصح الجواب عنه بما ذُكر.

والكلام هو الكلام في الآية الشريفة فنقول لا إشكال في أنَّ ما يجب التَّبيُّن فيه هو نبأ الفاسق لكنه لا بإعتبار أخذُ الفسق جزءاً من الموضوع وإنما بإعتباره أُخذه شرطاً للحكم، وعليه لا يرد هذا الإعتراض.

وبعبارة أخرى أنَّ المتكلم قد يريد تفهيم المفهوم - الإنتفاء عند الإنتفاء - للمخاطَب وقد لا يريد ذلك ، وعلى الأول لابد أن يجعل الموضوع في الجملة هو الطبيعي فينتفي الحكم بإنتفاء الشرط مع بقاء الموضوع موجوداً ، لو جعل الموضوع هو الحصة الخاصة - أي نبأ الفاسق- فلا تدل الجملة المفهوم وتكون من السالبة بإنتفاء الموضوع ، لأنَّ الموضوع (نبأ الفاسق) حينئذ ينتفي بإنتفاء الشرط (مجيء الفاسق بالنبأ) ، وعلى الثاني - أي لا يريد تفهيم المفهوم - يجعل الموضوع هو الحصة الخاصة (نبأ الفاسق) فلا تدل الجملة حينئذٍ على الإنتفاء عند الإنتفاء وتكون من السالبة بإنتفاء الموضوع ، مع أنه في الحالتين ما يجب تبيُّنه واقعاً وما يريده المتكلم هو نبأ الفاسق.

ويمكن أن نذكر وجهاً في مقام تأييد الإحتمال الأول الذي إستظهره الشيخ الأنصاري قده وحاصله:

إنَّ افتراض كون الموضوع في الآية هو (طبيعي النبأ) كما في الاحتمالين الثاني والثالث يتوقف على أحد أمرين على سبيل منع الخلو:

الأمر الأول: أن يكون النبأ في الآية معرفاً كما لو قالت (إن جاءكم فاسق بالنبأ) فهذا التعريف يعني إفتراض وجود نبأ في مرتبة سابقة على التعليق والاشتراط.

الأمر الثاني: أن يكون الموضوع متقدماً على الشرط كما إذا قيل (النبأ إن جاءكم فاسق به فتبينوا) فهو واضح أيضاً في وجود النبأ في مرتبة سابقة على التعليق والاشتراط.

والوجه في التوقف المذكور هو أنَّ عدم إفتراض أحد هذين الأمرين يعني أنَّ الموضوع لا يكون موجوداً في مرتبة سابقة على التعليق والاشتراط فلابد أن يكون الموضوع موجوداً في طول التعليق والاشتراط وهذا يعني أن الموضوع هو الحصة الخاصة فلابد أن يكون هو (نبأ الفاسق).

ومن الواضح أنَّ كُلاً من هذين الأمرين غير متحقق في الآية فالنبأ لم يُعرَّف ولم يُقدم على الشرط وإنما يكون الموضوع هو (طبيعي النبأ) بأحدهما على سبيل منع الخلو ، وعليه لا يكون الموضوع في الآية هو (طبيعي النبأ) وإنما هو (نبأ الفاسق).

والحاصل: أنَّ الآية إن كان فيها ما يدل على إفتراض النبأ موضوعاً في مرتبة سابقة على التعليق والاشتراط كان معنى ذلك أنَّ الشرطية ليست مسوقة لبيان تحقق الموضوع بل لبيان الإشتراط والتعليق بعد فرض الموضوع وحينئذٍ يكون لها مفهوم ويكون الموضوع ذات النبأ لا النبأ المقيد بالشرط - أي نبأ الفاسق - وما يدل على ذلك هو أحد الأمرين المتقدمين ومن الواضح أنَّ كُلاً منها غير متحقق في الآية فلا تعريف للموضوع ولا تقديم وهذا يعني أنَّ الشرطية مسوقة لبيان الموضوع ويكون الموضوع فيها هو الحصة الخاصة من النبأ وهي الحاصلة في طول الإشتراط والتعليق وكأنه قيل: (يجب التبين عن نبأ الفاسق إن جاءكم به) فيكون الموضوع هو (نبأ الفاسق)كما إستظهره الشيخ الأنصاري قده.