الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد بالكتاب / آية النبأ

تقدم ذكر إعتراض الشيخ الأنصاري قده على التقريب الثاني الذي يعتمد على مفهوم الشرط وحاصله هو أنَّ القضية في المقام هي من باب السالبة بانتفاء الموضوع، والقضايا التي من هذا القبيل لا مفهوم لها بلا إشكال لأنها تعني أنَّ الموضوع ليس محفوظاً والحال أنَّ المفهوم يعني إنتفاء الحكم عن الموضوع المذكور في المنطوق عند إنتفاء الشرط، فلابد من إفتراض أنّ إنتفاء الشرط لا يلازم إنتفاء الموضوع ومتى ما كان كذلك فالقضية لا مفهوم لها، فإنتفاء الشرط (رزق الولد) في قضية (إن رزقت ولداً فإختنه) يلازم إنتفاء الموضوع وهو (الولد) ولا يبقى محفوظاً حتى يقال (لا تختنه) وهذه هي السالبة بانتفاء الموضوع ، وإنما يثبت المفهوم إذا كانت القضية بنحو السالبة بانتفاء المحمول لأنها تعني بقاء الموضوع مع إنتفاء الحكم عنه.

وهذا الرأي مبني على إفتراض أنَّ الموضوع في الآية الشريفة ﴿إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟﴾ هو (نبأ الفاسق) والشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ) فكأنه قال: (نبأ الفاسق إذا جاءكم به الفاسق فتبينوا) وحينئذ يصح كلامه إذ متى ما إنتفى الشرط بأن لم يأتِ الفاسق بالنبأ فسينتفي الموضوع (نبأ الفاسق) فإنتفاء الشرط يلازم إنتفاء الموضوع فلا تكون الجملة دالة على المفهوم وتكون من قبيل (إن رزقت ولداً فإختنه).

وقد ذكر المحقق الخراساني قده أنَّ الموضوع ليس هو (نبأ الفاسق) وإنما هو ذات وطبيعي (النبأ) والشرط هو (فسق الجائي بالنبأ) فكأنَّ الآية تقول: (النبأ إذا جاءكم به الفاسق فتبينوا) ، فإذا فرضنا أنَّ الفاسق لم يأتِ بالنبأ فهذا لا يلازم إنتفاء النبأ إذ يمكن أن يتحقق النبأ بمجيء العادل به، فيكون للجملة مفهوم وهو (النبأ إن لم يأتكم به الفاسق فلا تتبينوا) وهو المطلوب وتكون الجملة سالبة بإنتفاء المحمول ، والسر فيه هو ما تقدم من أنَّ إنتفاء الشرط إن كان يلزم منه إنتفاء الموضوع فلا يثبت المفهوم وإن لم يلزم منه ذلك بل بقي الموضوع محفوظاً فيثبت المفهوم.

وقد أضاف المحقق الخراساني قده إحتمالاً ثالثاً ذكره بنحو الإستدراك، فقال نعم لو كان الموضوع هو (طبيعي النبأ) وكان الشرط (مجيء الفاسق بالنبأ) وليس (فسق الجائي بالنبأ) فعلى هذا التقدير لا يكون للقضية مفهوم وتكون حينئذٍ سالبة بإنتفاء الموضوع ، ولكنه لم يعلل ذلك، وسيأتي توضيحه.

فمن هذه الكلمات نفهم أنَّ الإحتمالات الثبوتية في الآية ثلاثة:

الأول: أنّ الموضوع هو (نبأ الفاسق) والشرط (مجيء الفاسق بالنبأ).

الثاني: أنّ الموضوع هو (طبيعي النبأ) والشرط هو (فسق الجائي بالنبأ).

الثالث: أنَّ الموضوع هو (طبيعي النبأ) أيضاً والشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ).

ولابد من تمحيص هذه الإحتمالات الثبوتية أولاً ببيان ثبوت المفهوم أو عدم ثبوته فيها قبل البحث الإثباتي وبيان ما نستظهره من الآية الشريفة.

أما الإحتمال الأول الذي ذكره الشيخ الأنصاري قده فالظاهر أنه صحيح على فرض أنَّ الموضوع هو (نبأ الفاسق) فلا مفهوم لهذه الجملة وتكون سالبة بانتفاء الموضوع، فإذا لم يأتِ الفاسق بالنبأ فلا نبأ حينئذٍ للفاسق، ولو فرض مجيء العادل بالنبأ فلا وجود لنبأ الفاسق، فينتفي الموضوع بانتفاء الشرط بلا إشكال ويصح كلام الشيخ.

هذا والظاهر أنه لا مفهوم للجملة على هذا الإحتمال من دون فرق بين أن يكون الشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ) أو (فسق الجائي بالنبأ) فعلى كِلا التقديرين لا مفهوم لهذه الجملة فما دام الموضوع هو (نبأ الفاسق) فإنتفاء الشرط على يلازمه إنتفاء الموضوع كِلا التقديرين، أما الأول فإذا إنتفى (مجيء الفاسق بالنبأ) إنتفى (نبأ الفاسق) كما هو واضح، وأما الثاني فينبغي أن يكون واضحاً أيضاً إذ لو إنتفى (فسق الجائي بالنبأ) فينتفي (نبأ الفاسق) أيضاً ، فالظاهر أنَّ كون القضية لا مفهوم لها وأنها مسوقة لبيان تحقق الموضوع يكفي فيه أن يكون الموضوع هو(نبأ الفاسق) مهما كان الشرط وذلك لأنَّ إنتفاء الموضوع لازم لانتفاء الشرط على كل تقدير.

وأما الإحتمال الثاني وهو ما ذكره صاحب الكفاية قده أولاً وهو أنَّ الموضوع هو (طبيعي النبأ) والشرط هو (فسق الجائي بالنبأ) فيكون للجملة مفهوم كما هو واضح لأنَّ القضية على هذا التقدير هي (النبأ إن جاء به الفاسق فتبينوا) ومفهومها (النبأ إن لم يأتِ به الفاسق فلا يجب التَبيُّن فيه) فالنبأ هنا محفوظ، فإنتفاء الشرط هنا لا يلازم إنتفاء الموضوع فيكون للجملة مفهوم.

والظاهر أنه لا خلاف في هذين الاحتمالين أي عدم ثبوت مفهوم للجملة على الإحتمال الأول وثبوته لها على الإحتمال الثاني.

وأما الإحتمال الثالث الذي ذكره المحقق الخراساني قده بنحو الإستدراك فالظاهر أنه هو محل الخلاف وهو أن يكون الموضوع (طبيعي النبأ) والشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ) ، وليس الشرط (فسق الجائي بالنبأ) والفرق بينهما هو أنَّ المجيء على الثاني ليس دخيلاً في الشرط وإنما الدخيل هو الفسق فقط ، بينما على الأول يكون كُلاً من المجيء وفسق الجائي دخيلاً في الشرط ، وبناءً على هذا التفريق يكون الإحتمال الثالث هو محل الخلاف فصاحب الكفاية يرى عدم ثبوت المفهوم بينما يرى آخرون ثبوته وأنَّ الجملة ليست من السالبة بإنتفاء الموضوع.

من هنا يظهر أنه لا خلاف في عدم المفهوم إذا كان الموضوع هو (نبأ الفاسق) وأما إذا كان الموضوع هو (طبيعي النبأ) فالظاهر وجود خلاف بينهم ، وهو ينشأ من جهة الإختلاف في تحديد الشرط فإن قلنا هو (فسق الجائي بالنبأ) فلا خلاف في ثبوت المفهوم لهذه الجملة، وإن قلنا أنَّ الشرط هو (مجيء الفاسق بالنبأ) فهو محل الخلاف.

وبناءً على الإحتمال الثالث نقول:

نشعر بالوجدان بالفرق بين القضية الشرطية في الآية وبين جملة (إن رزقت ولداً فإختنه) من جهة ، وبين الآية وبين جملة (إن جاءك زيد فأكرمه)من جهة أخرى، فالشرط في الجملة الأولى يحقق الموضوع فبرزق الولد يتحقق الولد لكن هذا الشرط هو الطريق المنحصر والوحيد لتحقق الموضوع ولا طريق غيره، وأما الشرطية في الآية بناءً على الإحتمال الثالث فالشرط (مجيء الفاسق بالنبأ) يحقق الموضوع لكنه ليس هو الطريق الوحيد لتحقق النبأ بل يتحقق بمجيء العادل به، فمن يلاحظ هذا الفرق يميل الى القول بثبوت المفهوم في الآية الشريفة هذا من الجهة الأولى.

ومن الجهة الثانية الفرق بين الآية وبين جملة (إن جاءك زيد فأكرمه) واضح أيضاً فإن الشرط (المجيء) أجنبي عن الموضوع (زيد) في الجملة ولا يحققه وإنما يتحقق الموضع بعلله الخاصة، بينهما في الآية - بناءً على الإحتمال الثالث - الشرط (مجيء الفاسق بالنبأ) يحقق الموضوع (طبيعي النبأ) وإن كان يتحقق بمجيء غير الفاسق به أيضاً، فمن يلاحظ هذا الفرق يميل الى نفي المفهوم في الآية فهناك رأيان الأول على هذا الإحتمال.

ويُستدل على عدم المفهوم للقضية الشرطية في الآية بأدلة:

الأول: أنَّ مجيء الفاسق بالنبأ من مقومات الموضوع ومحققاته فكأن هذا كافٍ في إنكار المفهوم للآية.

ويلاحظ عليه: أنَّ الميزان في المفهوم وعدمه ليس هو كون الشرط محققاً للموضوع أو لا يكون كذلك وإنما الميزان هو أنَّ إنتفاء الشرط هل يلازم إنتفاء الموضوع أو لا يلازمه، وذلك لأنَّ المفهوم كما تقدم هو عبارة عن إنتفاء الحكم عن الموضوع المذكور في المنطوق عند إنتفاء الشرط، فزيد الذي ثبت له وجوب الإكرام عند تحقق الشرط وهو مجيئه ينتفي عنه الحكم عند إنتفاء الشرط ، وهذا هو معنى كون الموضوع المذكور في المنطوق محفوظاً في المفهوم ، وبتطبيق هذا الميزان على الآية الشريفة بناءً على الإحتمال الثالث نجد أنَّ إنتفاء الشرط لا يلازم إنتفاء الموضوع لأنَّ الموضوع هو (طبيعي النبأ) لا خصوص نبأ الفاسق بحسب هذا الإحتمال، فالموضوع يبقى محفوظاً حتى مع إنتفاء الشرط، ويكون تقدير الآية (النبأ إن جاءكم به الفاسق فتبينوا) فيمكن القول في المفهوم (النبأ إن جاءكم به العادل فلا تتبينوا) ، فهذه هي النكتة في ثبوت المفهوم أو عدم ثبوته وهي محفوظة هنا ، فهذا الدليل الذي إستدل به على عدم المفهوم غير تام.