43/11/20
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد/ الكتاب العزيز
توضيح: قبل الوجه الثالث ذكرنا ثلاثة أجوبة عن الوجه الثاني الذي استدل به لتقريب دلالة آية النبأ على أساس مفهوم الوصف على حجية خبر الواحد، وتقدمت مناقشة الإستدلال وتقدم رد هذه المناقشات.
أما الوجه الثالث فتوضيحه بما يلي:
وأجيب عنه ثالثاً باختيار الشق الثاني - أي أنَّ وجوب التَّبيُّن ثابت في خبر العادل - ومع ذلك لا يلزم ما ذُكر من لزوم كون العدالة دخيلة في عدم الحجية وهو غير معقول، وذلك لأنه مبنيٌ على تخيُّل أنَّ الحكم بوجوب التَّبيُّن - أي عدم الحجية - لابد أن يكون على أساس وجود ملاكٍ يقتضي عدم الحجية فإذا جُعل على عنوان خبر العادل كان معناه أنَّ العدالة ملاك لعدم الحجية وهو غير معقول، ولكنه تصور باطل فإن عدم الحجية يكفي فيها عدم وجود ملاك يقتضي الحجية ولا يتوقف على وجود ملاك يقتضي عدم الحجية، وعليه يمكن افتراض جعلٍ آخر في مورد إنتفاء الوصف يكون ثابتاً لعنوان خبر العادل لكن باعتبار أنَّ خبر العادل ليس فيه ملاك يقتضي الحجية لا باعتبار أنَّ فيه ملاك يقتضي عدم الحجية حتى يرد ما ذكره.
وهذا الجواب يكون واضحاً إذا إلتزمنا بأنَّ وجوب التَّبيُّن كناية عن عدم الحجية فيقال أنَّ الحكم بعدم الحجية قد يكون لعدم وجود ملاك للحجية لا لوجود ملاك يقتضي عدم الحجية حتى يقال بأنَّه غير معقول، وأما إذا لم نلتزم بذلك والتزمنا بالوجوب النفسي أو الوجوب الشرطي فلا معنى لأن يقال أنَّ الحكم بوجوب التَّبيُّن إنما هو لعدم وجود ملاك يقتضي عدم الوجوب، ففرق بين الوجوب وبين عدم الوجوب وبين الحجية وبين عدم الحجية فإنَّ عدم الحجية يمكن أن يكون ناشئاً باعتبار عدم وجود ملاك يقتضي الحجية وأما الحجية فلابد لها من ملاك يقتضيها كالوجوب الذي لابد له من ملاك يقتضي الوجوب، هذا على تفسير التَّبيُّن بالإرشاد الى عدم الحجية أما إذا فسرناه بالوجوب الشرطي فهو بحاجة الى ملاك يقتضي الوجوب ولا يكفي فيه عدم وجود الملاك، والحجية كذلك تتوقف على وجود ملاك يقتضي الحجية وأما عدم الحجية فيكفي عدم وجود ملاك يقتضيها.
وعلى هذا الإساس نُفرق بين الإحتمالات الثلاثة:
الأول أن يكون وجوب التَّبيُّن إرشاد الى عدم الحجية فالمستفاد من الآية هو عدم الحجية، فيصح الجواب الثالث لأنَّ عدم الحجية لا يتوقف على وجود ملاك يقتضي الحجية حتى يقال إنه لا يعقل أن تكون العدالة ملاكاً لعدم الحجية بل يكفي فيه عدم وجود ملاك يقتضي الحجية.
وأما على الثاني والثالث - أي الوجوب النفسي والوجوب الشرطي - فهو يعني أنَّ وجوب التَّبيُّن شرط عند العمل بالخبر وهذا الوجوب لا يعقل أن يثبت لعدم وجود ملاك يقتضي الوجوب بل لابد أن يكون ثابتاً على أساس وجود ملاك يقتضي الوجوب.
أما الوجه الثالث وهو ما ذكره الشيخ الأنصاري من أنَّ الآية فيها وصفان أحدهما ذاتي وهو كونه خبراً والآخر عرضي وهو كونه خبر فاسقٍ، فإذا قلنا أنَّ العلة لوجوب التَّبيُّن هي كِلا الأمرين فهذا خلاف ظاهر الآية لأنَّ المناسب حينئذٍ تعليل الحكم بالوصف الذاتي لأنه الأسبق والمعلول يستند الى أسبق علله لكن الآية عللت الحكم بالوصف العرضي!
وأما إذا قلنا أنَّ علة وجوب التَّبيُّن هي الوصف العرضي فيثبت المطلوب لأنَّ علة وجوب التَّبيُّن حينئذٍ هي الفسق فإذا انتفى ثبتت الحجية.
وأجبنا عنه أولاً بالمنع من كون أحد الوصفين ذاتياً والآخر عرضياً بل كل منهما عرضي لأنَّ الكلام في خبر الواحد في مقابل الخبر المتواتر وكما أنَّ وصف التواتر في الخبر عرضي فكذلك وصف الواحد - وهو بمعنى الظني - في الخبر فالخبر تارة يكون خبر آحاد وأخرى يكون خبراً متواتراً وكل منها وصف عرضي للخبر.
ويمكن أن يلاحظ على هذا الجواب بأنَّ مراد الشيخ الأعظم بالذاتي ليس هو الذاتي في باب الكليات وإنما هو الذاتي في باب البرهان بمعنى ما يكون من لوازم الشيء وهو ما لا يمكن التفكيك بينه وبين معروضه ولا يتوقف ذلك على ملاحظة شيء آخر، كإنتزاع الزوجية من الأربعة بمجرد تصورها ، وكنجاسة الدم التي هي من الذاتي بمعنى عدم تصور الانفكاك بين الدم وبين النجاسة مع أنه ليس من الذاتيات في باب الكليات، وبناءً على هذا يكون مراد الشيخ من خبر الواحد هو ما لا يُفيد القطع ويحتمل الصدق والكذب، فيأتي كلامه بأن أحد الوصفين إذا كان ذاتياً بهذا المعنى فالمعلول لابد أن يستند الى أسبق علله وهو الوصف الذاتي ولا يصح اسناده الى الوصف العرضي إلا إذا فرضنا أنَّ الوصف الذاتي ليس علة لوجوب التَّبيُّن.
وثانياً: إنَّ القضية المذكورة (أنَّ المعلول يستند الى أسبق علله) هل هي قضية تامة، وما هو المقصود بالأسبقية هل هي الأسبقية الرتبية أم الزمانية؟
من الواضح أنَّ المقصود هو الأسبقية الزمانية فإذا كانت هناك علتان أحداهما أسبق زماناً من الأخرى فالمعلول يستند الى الأسبق منهما، ولكن لا نحرز الأسبقية الزمانية بين الوصف الذاتي والوصف العرضي نعم الوصف الذاتي أسبق رتبة من العرضي، فإذا اختصت القاعدة بالأسبق زماناً فلا تنطبق على محل الكلام.
هذا الوجوه الثالث مع جوابه.
الوجه الرابع والأخير وهو بيان آخر لما ذكره الشيخ الأنصاري في الوجه السابق ولكنه من طريق آخر فيقال:
إنَّ خبر الواحد إذا كان لا يقتضي الحجية فعدم الحجية لابد أن يكون من جهة عدم المقتضي ويُسند إليه لا الى وجود المانع، وهذه قضية عرفية، أما إذا اُسنِد عدم الحجية الى وجود المانع فنستكشف من ذلك وجود المقتضي للحجية، وظاهر الآية هو إسناد عدم الحجية الى المانع وهو يعني أنَّ الخبر الذي دلت الآية على عدم حجيته فيه مقضي الحجية فإذا إنتفى فسق المخبر فالمقتضي موجود والمانع مفقود وعليه لا مانع من العمل بخبر الواحد بعد فرض وجود المقتضي.