الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على حجية خبر الواحد/ الكتاب العزيز

الجواب الثاني: أنَّ ثبوت وجوب التَّبيُّن عند إنتفاء الوصف لا ينحصر موضوعه بالشقين المذكورين - مطلق النبأ أو خصوص نبأ العادل - إذ يحتمل أن يكون ثابتاً في مورد إنتفاء الوصف بعنوان آخر والنسبة بينه وبين خبر الفاسق هي نسبة العموم والخصوص من وجه، وذلك من قبيل (خبر العادل الذي يُظن بخلافه) فهنا إنتفى الفسق وثبت وجوب التَّبيُّن ولكن بعنوان آخر، أو عنوان (خبر العادل الذي لا يُظن بصدقه)، فقاعدة إحترازية القيود تقول بانتفاء شخص الحكم الثابت في المنطوق ومع ذلك نحتمل وجود شخص آخر من الحكم ثابت عند انتفاء الوصف وموضوعه أحد هذين العنوانين، ونسبته مع خبر الفاسق هي نسبة العموم والخصوص من وجه لأنَّ الخبر تارة يكون المخبِر به فاسقاً وأخرى يكون عادلاً، والخبر الذي يجيء به الفاسق تارة نظن بخلافه وأخرى لا نظن بخلافه، ولا ضير في افتراض ثبوت وجوب تَبيُّن آخر غير الثابت في المنطوق وموضوعه الخبر الذي يُظن بخلافه، ومعه لا يلزم من إنتفاء شخص الحكم إنتفاء سنخ الحكم لإحتمال ثبوت شخص آخر من الحكم في مورد الفاقد للوصف بعنوان آخر غير ما ذُكر.

وهذا العنوان لا مانع من أن يكون دخيلاً في ملاك عدم الحجية كما قيل في العدالة ولا يلزم منه المحاذير المتقدمة، وبهذا يثبت أن لا ملازمة بين إنتفاء شخص الحكم بانتفاء الوصف وبين انتفاء سنخ الحكم في المفهوم.

الجواب الثالث: بالإمكان إختيار الشق الثاني من وجوب التَّبيُّن، يعني وجوب التَّبيُّن في خبر العادل ومع ذلك لا يلزم ما ذُكر من لزوم كون العدالة ملاكاً في عدم الحجية وهو غير معقول وذلك لأنه مبنيٌ على تخيُّل أنَّ الحكم بوجوب التَّبيُّن لابد أن يكون على أساس وجود ملاك يقتضي عدم الحجية فإذا جعل على عنوان خبر العادل كان معناه أنَّ العدالة ملاك لعدم الحجية وهو غير معقول، ولكنه تصور باطل فإن عدم الحجية يكفي فيها عدم وجود ملاك يقتضي الحجية ولا يتوقف على وجود ملاك يقتضي عدم الحجية، وعليه يمكن افتراض جعل آخر في مورد فقد الوصف يكون ثابتاً لعنوان خبر العادل لكن باعتبار أنَّ خبر العادل ليس فيه ملاك يقتضي الحجية لا باعتبار أنَّ فيه ملاك يقتضي عدم الحجية حتى يرد ما ذكره.

وهذا الجواب يكون واضحاً جداً عند افتراض أنَّ وجوب التَّبيُّن كناية عن عدم الحجية وأما إذا قلنا إنه وجوب نفسي أو قلنا إنه وجوب شرطي وليس كناية عن عدم الحجية فهذا الجواب لا يكون تاماً وذلك لإنتفاء عدم الحجية فلا يقال ما هو ملاك الحجية وهل هو العدالة وهذا غير معقول أم يكفي عدم وجود ملاك لها كما تقدم، وإنما هناك وجوب نفسي أو شرطي في المنطوق ويثبت شخص آخر منه في المورد الفاقد للوصف في المفهوم، ولا يرد عليه شيء ممن تقدم.

هذا كله في الوجه الثاني لتقريب الإستدلال بمفهوم الوصف.

الوجه الثالث: ما ذكره الشيخ قده في الرسائل من أنَّ خبر الفاسق فيه وصفان أحدهما ذاتي وهو الخبرية والآخر عرضي وهو فسق المخبِر وحينئذٍ نقول أنَّ علة وجوب التَّبيُّن في خبر الفاسق إما أن تكون الوصف الذاتي أو تكون الوصف العرضي والأول خلاف ظاهر الآية لأنه إما أن يكون الوصف العرضي علة أيضاً أو لا يكون كذلك، فإن لم يكن الوصف العرضي علة فهو خلاف إناطة الحكم في الآية الشريفة بالفسق، وإن كان علة أيضاً فحيث أنَّ الوصف الذاتي أسبق من الوصف العرضي فالمعلول يستند الى أسبق علله - أي يستند الى الخبرية - فكان المناسب إناطة الحكم به وهذا خلاف ظاهر الآية وإلا لقالت (إن جاءكم مخبر بخبر)، وأما الثاني فهو المطلوب إذ يثبت أنَّ علة وجوب التَّبيُّن هو الفسق وأنه لولا الفسق لم يجب التَّبيُّن، سواء قلنا أنَّ التَّبيُّن كناية عن عدم الحجية أو أنه وجوب نفسي أو شرطي.

ولهذا التقريب أجوبة نذكر الأول منها:

ننكر ما إدعي من أنَّ أحد الوصفين ذاتي والآخر عرضي، بل كلاهما - الخبرية والفسق - عرضي وذلك باعتبار أنَّ موضوع أدلة الحجية هو خبر الواحد في مقابل الخبر المتواتر والتواتر وصف عرضي للخبر كما هو واضح فكذا ما يقابله، وكون المخبر فاسقاً وصف عرضي أيضاً، فلا فرق بين التعليق على خبر الفاسق أو التعليق على خبر الواحد فكل منهما من التعليق على الوصف العرضي، فلا أسبقية بينهما حتى يقال أنَّ المعلول يستند الى أسبق علله، وعليه يمكن إختيار الإحتمال الثالث بمعنى أن يكون كُلاً منهما علة لوجوب التَّبيُّن ولا ينافيه إناطة الحكم بالفسق في الآية لأنَّ كُلاً منهما وصف عرضي يستند إليه المعلول وهو وجوب التَّبيُّن، فقد عُلل وجوب التَّبيُّن في المنطوق بالفسق ولا إشكال في أن نعلل وجوب التَّبيُّن عند إنتفاء الوصف بمطلق الخبرية وهو وصف عرضي أيضاً.