43/11/13
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على عدم الحجية
خلاصة الوجه الرابع: إنَّ هذه الطائفة من الأخبار لا يصح الإستدلال بها على عدم حجية خبر الواحد لأنها إما أخبار أحاد فيلزم من حجيتها عدم حجيتها أو يلزم من صدقها كذبها على تقدير عدم الخصوصية فيها، وإما أن تكون متواترة إجمالاً وهذا التواتر لا يثبت به إلا الخبر الأخص مضموناً وهو هنا ما دلَّ على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب بنحو التباين، ولكنه لا يضر القائل بحجية خبر الواحد.
وإنما يتم هذا الوجه إذا قلنا أنَّ هذه الأخبار المستدَل بها هي أخبار آحاد ومخالفة للكتاب لأنها هي التي يلزم من ثبوت حجيتها عدم حجيتها لأنها مخالفة للكتاب أو يلزم من صدقها كذبها على تقدير عدم الخصوصية فيها الموجبة للأخذ بها دون ما سواها من أخبار الآحاد المخالفة للكتاب، وأما إذا فرضنا أنها ليست مخالفة للكتاب فلا مانع من الإستدلال بها على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب ولا يلزم شيء من المحاذير المتقدمة، كما لا يتوقف صحة الإستدلال بها على تواترها بل يكفي أن تكون حجة.
ولابد لتتميم هذا الوجه من إثبات أنَّ هذه الأخبار مخالفة للكتاب، وعدم كونها مخالفة للكتاب يبتني على إنكار دلالة الآيات الآتية - كآية النبأ والنفر والكتمان - على حجية خبر الواحد فحينئذٍ لا تكون هذه الطائفة مخالفة للكتاب، وأما إذا قلنا أنَّ هذه الآيات تدل على حجية خبر الواحد وأنَّ المتيقن منه هو الخبر المخالف للكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق فسوف تكون أخبار هذه الطائفة مخالفة للكتاب، فتأتي الإشكالات السابقة وهذا يعني عدم صحة الإستدلال بها على عدم حجية خبر الواحد.
فالحاصل إنَّ الاستدلال بهذا الطائفة موقوف على أن لا تكون مخالفة للكتاب وكونها كذلك يتوقف على إنكار دلالة الكتاب على حجية خبر الواحد.
ويمكن أن يدعى ويقال إنَّ هناك رواية تامة سنداً ودلالة وهي مشمولة لأدلة حجية خبر الواحد من السيرة والنصوص وأنَّ مفادها هو عدم حجية الخبر المخالفة للكتاب، وهي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال:
«الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، إنَّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلِّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه». [1]
ولسانها هو لسان عدم الحجية لا عدم الصدور، فيقال إنَّ هذه الرواية تشمل جميع أنواع المخالفة المتقدمة - أي التباين والعموم والخصوص من وجه والعموم والخصوص المطلق - فيمكن أن تسلب الحجية عن المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق، بخلاف ما لو كان لسانها هو لسان نفي الصدور فإنَّه لا يناسب المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق كما تقدم، إلا أنَّ صحيحة جميل لسانها هو لسان نفي الحجية ولا مانع من شمولها للخبر المخالف للكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق فيتم إستدلال المستدل بهذه الطائفة من الأخبار.
وبعبارة أخرى إنَّ تمامية الإستدلال بهذه الطائفة على عدم حجية خبر الواحد لا يتوقف على إنكار دلالة الكتاب على حجية خبر الواحد بل يمكن القول بذلك إذا لاحظنا الأخبار التي هي بلسان نفي الحجية كما في صحيحة جميل بن دراج فنتمسك بها لنفي حجية الخبر المخالف للكتاب ولو كانت مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق.
وسيأتي الجواب عن هذا الوجه عند الجواب عن الوجه الخامس الآتي.
الوجه الخامس: هو أن يقال إنَّ هذه الأخبار أو بعضها على الأقل يدل بنفسه على حجية الخبر المخالف للكتاب وذلك باعتبار أنَّ هذه الروايات واردة لعلاج حالة التعارض بين الخبرين ويعتبر في التعارض الفراغ عن حجية كل واحد من الخبرين المتعارضين في حد نفسه ثم تأتي أخبار العلاج بعد تنافي الخبرين فتقول (ما وافق الكتاب فخذوه وما خالف الكتاب فدعوه) فتقدم الموافق للكتاب على المخالف له، وهذا يعني أنَّ الخبر المخالف للكتاب لولا التعارض لكان حجة، فكيف يُستدل بهذه الأخبار على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب؟!
نعم المـُسلَّم هو أنَّ هذه الأخبار ليس لها إطلاق حتى نتمسك به لإثبات حجية الخبر المخالف مطلقاً وذلك لأنها ليست مسوقة لبيان المخالفة وأنواعها وأقسامها، وإنما هي ناظرة لعلاج حالة التعارض ورفع التحيُّر عند المكلف عندما يتعارض عنده الحديثان، فكأنها إفترضت في رتبة سابقة أنَّ أحد الخبرين مخالف والآخر موافق وتحكم بتقديم الموافق على المخالف، ومع عدم الإطلاق نقتصر القدر المتيقن وهو هنا الخبر المخالف للكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق، فهذه الطائفة تدل بنفسها على حجية خبر الواحد محل الكلام فكيف يُستدل بها على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق؟
إذن على الأقل يوجد في هذه الأخبار ما يدل على حجية خبر الواحد المخالف للكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق.
ومنه يظهر الجواب عن الوجه الرابع وهو أنَّ غاية ما يثبت بمثل صحيحة جميل هو الإطلاق بمعنى عدم حجية الخبر المخالف للكتاب وإن كان بنحو العموم والخصوص المطلق، ومن الواضح بأنَّ الرواية الدالة على حجية خصوص هذا القسم تكون مقيدة لهذا الإطلاق والمتيقن من هذه المخالفة هي ما كان بنحو العموم والخصوص المطلق، وبهذا نمنع الوجه الرابع.
ويتبين من هذا البحث أنَّ الوجوه الناهضة لدفع هذا الإشكال هو الوجه الثاني - القائل بأننا نقطع بصدور ما خالف الكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق فإما أن يُلتزم بتخصيصها أو بتخصُّصها، والأول متعذر لأنَّ لسان هذه الأخبار آبي عن التخصيص فيتعين التخصُّص بمعنى عدم صدق المخالفة على هذه الأخبار - والوجه الخامس.