الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على عدم الحجية

كان الكلام في الأخبار التي ورد فيها عنوان المخالفة والتي دلت على أنَّ الميزان في قبول الخبر ورده هو المخالفة وعدمها، ومن هنا نشأ الإشكال بأن هذا الميزان يشمل الأقسام الثلاثة للمخالفة - التباين والعموم والخصوص من وجه والعموم والخصوص المطلق - وهذا يعني أنَّ الخبر حتى إذا كانت نسبته الى الكتاب هي نسبة الخاص الى العام فهو يكون مخالفاً أيضاً ولابد من طرحه، وهذا مشكل لأنّ أكثر الأخبار التي نتعامل معها نسبتها الى الكتاب من هذا القبيل، وذكرنا أنهم حاولوا أن يثبتوا عدم شمول المخالفة للقسم الثالث فينتفي الإشكال في هذا القسم وتختص المخالفة بنحو التباين والعموم والخصوص من وجه.

أما الوجه الأول فهو ما نقلناه عن الشيخ الأنصاري قده وهو عدم صدق المخالفة عرفاً على الخاص بالنسبة الى العموم القرآني وإنما يكون مفسراً للمراد الجدي من العام وأنه هو ما عدا الخاص، فإذا كان كذلك فلا يكون الخاص مخالفاً للعام، فلا إشكال ولا تشمل أخبار العرض القسم الثالث وتختص المخالفة بالقسمين الأول والثاني، وقد تقدم الإشكال عليه.

الوجه الثاني: وهو للشيخ الأنصاري أيضاً وهو مبني على دعوى القطع والعلم إجمالاً بصدور أخبار نسبتها الى الكتاب نسبة العموم والخصوص المطلق فكيف تكون أخبار العرض شاملة لها فهذا يعني أن الخاص مخالف للكتاب ويصدق عليه أنه (زخرف، وباطل، ولم نقله) فكيف يمكن الجمع بين العلم الإجمالي بصدور أخبار من هذا القسم وبين شمول أخبار هذه الطائفة لها؟ فلابد من نفي شمول هذه الأخبار للقسم الثالث وإلا لزم التنافي بين العلم الإجمالي بصدورها وبين نفي صدورها بمقتضى أخبار هذه الطائفة.

وبعبارة أخرى بعد فرض العلم الإجمالي بصدور ما يكون نسبته الى الكتاب هي نسبة العموم والخصوص المطلق يدور الأمر في الأخبار من القسم الثالث بين التخصيص والتخصُّص أي بين الإخراج من الحكم وبين الإخراج من الموضوع، ويتعين الثاني وهو يعني أنَّ القسم الثالث لا يصدق عليه المخالفة أصلاً، وأما التخصيص بمعنى صدق المخالفة على هذا القسم إلا أنه يجوز العمل به ففيه إنَّ ألسنة في هذه الطائفة (زخرف، باطل، لم نقله) تأبى عن التخصيص فلا محيص عن التخصُّص فنُخرج القسم الثالث من موضوع تلك الطائفة وننفي صدق المخالفة عليه، ومعه لا مانع من العمل بالأخبار من القسم الثالث إذا دلَّ الدليل على حجيتها.

وهذا الوجه يتوقف أولاً على الإلتزام بأن هذه الطائفة مفادها نفي صدور الخبر المخالف للكتاب، وهي كذلك.

ويتوقف ثانياً على أنَّ العلم الإجمالي المدعى في المقام غير مُنحل فيأتي السؤال كيف نجمع بين العلم الإجمالي بالصدور وبين أخبار هذه الطائفة؟ وأما إذا فرضنا إنحلال هذا العلم الإجمالي الى علم تفصيلي بصدور عدد من الروايات من هذا القبيل لا يقل عن المعلوم بالإجمال فينحل العلم الإجمالي المذكور الى علم تفصيلي وشك بدوي في باقي الأخبار، فمثلاً لو حصل لنا علم إجمالي بصدور مائة خبر في ضمن مجموع الأخبار وكانت نسبتها الى الكتاب هي نسبة الخاص الى العام ثم حصَّلنا بالفحص مائة خبر لها هذه النسبة الى الكتاب فهنا ينحل العلم الإجمالي الى علم تفصيلي في هذه الأخبار المائة وشك بدوي في الباقي، ومعه لا مانع من العمل بأخبار هذه الطائفة في الباقي والإلتزام بعدم حجية الخبر وأنه (زخرف، باطل، ولم نقله) على تقدير المخالفة، فيتم هذا الوجه إذا لم ينحل العلم الإجمالي المذكور وأما إذا إنحلَّ ولو بهذا الشكل فلا يكون تاماً.

الوجه الثالث: هو دعوى أنَّ لسان هذه الطائفة من الأخبار هو لسان التحاشي والإباء عن صدور هذه الأخبار عنهم عليهم السلام كما هو واضح، فيدعى إنَّ هذا اللسان لا يتناسب مع دعوى شمول المخالفة للقسم الثالث وإنما يناسب الخبر المباين للكتاب فيُستنكر صدوره منهم عليهم السلام، وكذا يناسب القسم الثاني، وأما القسم الثالث فلا يناسبه هذا اللسان لأنه على أسوأ التقادير يكون مخالفاً لعموم أو إطلاق قرآني وليس مخالفاً لأصل الكتاب فلابد من إختصاص هذه الأخبار بالقسمين الأول والثاني.

وقد يًعترض على هذا الوجه بأنه كما يقتضي خروج القسم الثالث عن أخبار المخالفة فكذلك يقتضي خروج القسم الثاني - أي العموم والخصوص من وجه - إذ لا يناسبه لسان الاستنكار والتحاشي أيضاً فإنه إنما يخالف الكتاب في مادة الإجتماع فيبقى الكتاب حجة في غيرها، وإذا فرضنا تقديم الخبر على الكتاب في مادة الإجتماع فلا يعني أكثر من تحديد النص القرآني ومنع شموله لمادة الإجتماع دون المخالفة لأصل الآية وهذا لا يناسبه لسان الاستنكار والتحاشي، فيختص هذا اللسان بالقسم الأول ولكنه فرد نادر أو معدوم فيلزم حينئذٍ حمل هذه الطائفة على الفرد النادر أو المعدوم وهو محذور.

الوجه الرابع: أن يقال إنَّ هذه الأخبار لا يصح الإستدلال بها على عدم حجية خبر الواحد وذلك لأنها إن كانت أخبار آحاد فعدم صحة الإستدلال بها على عدم الحجية واضحة، إذ يلزم من حجيتها عدم حجيتها أو كذبها كما تقدم، وإن لم تكن كذلك بأن إدعي تواترها فالسؤال أي نحو من أنحاء التواتر هذا؟

ومن الواضح أنه ليس تواتراً لفظياً ولا معنوياً فغاية ما يقال إنه تواتر إجمالي بمعنى أننا نعلم بأنَّ واحداً منها على الأقل صادر من المعصوم عليه السلام من دون تمييز أي خبر هو، ولا يثبت بهذا التواتر - لو تم - إلا أخص المضامين من هذه الأخبار ويكون حجة، والأخص مضموناً هو ما يدل على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب بنحو التباين فإنه محل إتفاق جميع الأخبار، ولكن هذا لا يضر القائل بحجية خبر الواحد بل هو مما يُسلِّمه.