43/11/08
الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على عدم الحجية
الكلام في الطائفة الثانية التي إستدل بها على عدم حجية خبر الواحد، وقلنا أنَّ فيها ألسنة مختلفة ولكن يمكن إرجاعها الى لسانين: لسان الموافقة ولسان المخالفة، ومعنى لسان الموافقة أنه يشترط أن يكون مضمون الخبر موجوداً في الكتاب، ومعنى لسان المخالفة هو رد الخبر الذي يخالف الكتاب ولا يعمل به، والكلام فعلاً في اللسان الأول فهل يمكن قبول إشتراط الموافقة بهذا المعنى، فإن كان مضمونه غير موجود في الكتاب فيسقط عن الحجية؟
الإستدلال بهذه الطائفة واجه مناقشات عديدة إنتهى الكلام الى المناقشة الثانية والتي تقول لا يمكن الإلتزام بهذا المضمون لأننا نعلم إجمالاً بوجود إخبار صادرة عن الأئمة عليهم السلام وهي لا توافق الكتاب بهذا المعنى أي أنَّ مضمونها لا يتعرض له الكتاب لا نفياً ولا إثباتاً بحسب ما نفهمه نحن، وهذه المناقشة تتم فيما إذا كان لسان هذه الأخبار هو لسان نفي الصدور فهي بهذا اللسان تقول الخبر الذي لا يوافق الكتاب لم يصدر منا، كالألسنة التي تصف الخبر المخالف بأنه زخرف وباطل مما يعني التحاشي عن صدوره منهم عليهم السلام فهذه المناقشة تكون تامة إذ لا يمكن الجمع بين العام الإجمالي بصدور بعض الأخبار التي لا توافق الكتاب بهذا المعنى وبين ما تدل عليهم هذه الطائفة من أنَّ كل خبر لا يكون موافقاً للكتاب فهو لم يصدر منا.
وأما إذا كان لسان هذه الأخبار هو لسان نفي الحجية من قبيل (فالذي جاءكم به أولى به) و (ردوه إلينا) فيمكن أن يقال في دفع هذه المناقشة أنه لا منافاة بين العلم الإجمالي بصدور بعض هذه الأخبار التي لا توافق الكتاب وبين مفاد هذه الطائفة التي تنفي الحجية بل يجتمعان فنحن نعلم بصدور هذه الأخبار ويمكن الإلتزام بها إذا تمت، ويكون هذا من قبيل عدم المنافاة بين علمنا إجمالاً بطهارة أحد الأواني واستصحاب النجاسة فيها جميعاً بمقتضى الحالة السابقة لكل إناء، نعم تتحقق المنافاة فيما لو علمنا إجمالاً بنجاسة بعض الآنية فلا يمكن إجراء أصالة الطهارة في الجميع لأنه ينافي العلم الإجمالي بنجاسة البعض، وما نحن فيه من هذا القبيل فنحن نعلم إجمالاً بصدور بعض هذه الأخبار التي لا توافق الكتاب بهذا المعنى وهذا العلم الإجمالي لا ينافي عدم حجية الأخبار غير الموافقة للكتاب، فيمكن الإلتزام بذلك وحينئذٍ لا تتم هذه المناقشة.
المناقشة الثالثة: أن يقال أنَّ المقصود بالموافقة ليس هو المعنى المذكور أي أن يكون في الكتاب نص يوافقه الخبر وإنما المقصود هو الموافقة للمزاج العام للقرآن وأن لا يكون مخالفاً لروح الكتاب أو لمسلَّمات الشريعة مما يكون واضحاً ولا يمكن الإشارة إليه وتحديد في آية معينة فيقال إذا لم يكن الخبر موافقاً لهذه المسلَّمات ولهذا الجو العام فلا يكون معتبراً، فإذا فسَّرنا الموافقة بهذا التفسير فلا تكون مانعة من العمل بأخبار الآحاد التي هي محل الإبتلاء لأنها تنسجم مع مُسلَّمات الشريعة وروح القرآن الكريم، فهذه الطائفة من الأخبار حتى لو إلتزمنا بأنها دالة على النهي عن العمل بالخبر الذي لا يوافق الكتاب فالمقصود بها أخبار معينة لا توافق روح الشريعة ومسلَّماتها.
والذي يمكن أن يذكر كقرينة لهذا التفسير هو أنَّ هذه الطائفة عبَّرت عن هذه الأخبار غير الموافقة للكتاب بالزخرف والباطل وأخبار الآحاد التي لا يوجد مضمونها في الكتاب ليست زخرفاً ولا باطلاً بل هي أمر واقع، وهذا التعبير لا يناسب تفسير الموافقة بالمعنى المتقدم وإنما يناسب تفسيرها بمسلَّمات الشريعة وروح القرآن فيكون ما لا يوافقها زخرف وباطل، فهذا يؤيد حمل الموافقة على هذا المعنى.
المناقشة الرابعة: أن نحمل الموافقة على عدم المخالفة فليس الشرط في قبول الخبر هو أن يكون الخبر موافقاً للكتاب بالمعنى الدقي للموافقة وإنما المقصود هو أن لا يكون مخالفاً للكتاب وعُبر عن عدم المخالفة بالموافقة، فالشرط هو عدم المخالفة ولا مشكلة حينئذٍ في ذلك ونلتزم بسقوط الخبر المخالف للكتاب عن الحجية، وأما إذا لم يكن مخالفاً للكتاب فيكون حجة إذا تمت الأدلة على حجيته وإن لم يكن موافقاً للكتاب بالمعنى المتقدم ، ويشهد لهذا التفسير هو أنَّ الأمر بالأخذ بالخبر الموافق للكتاب وترك غير الموافق له يعني أنَّ الموافق حجة، فحينئذٍ يقال لا معنى لهذه الحجية إذا كان المقصود بها تعرض الكتاب لمضمون الخبر فإنَّ جعل الحجية للخبر يكون بلا فائدة بخلاف ما إذا فسرنا الموافقة بعدم المخالفة فالخبر الذي يوافق الكتاب حجة بمعنى الخبر الذي لا يخالف الكتاب حجة ويعقل حينئذٍ جعل الحجية له ولا يكون لغواً، وهذا ما يؤيد هذا الحمل.
كما أنه ينافي الصدور في هذه الطائفة أي أنَّ الخبر الذي لا يوافق الكتاب بمعنى أنه يخالف الكتاب لم يصدر منا فهذا يستنكر صدوره منهم عليهم السلام ويصح فيه أن يقال إنه زخرف وباطل، وأما إذا كانت الموافقة بمعنى وجود مضمونه في الكتاب فكيف يكون زخرفاً والحال نحن نعلم يقيناً بأنَّ بعض ما لا يوافق الكتاب بهذا المعنى قد صدر عنهم عليهم السلام فلا يناسبه التعبير بالزخرف.
نعم تبقى من هذه الطائفة الأخبار التي وردت باللسان (ما ليس عليه شاهد أو شاهدان من الكتاب) فهذه لا يمكن حملها على عدم المخالفة أو يصعب حملها عليه، ولكن يأتي فيها الإشكال المتقدم بأنها نفسها ليس عليها شاهد من الكتاب فكيف يُستدل بها على عدم حجية ما ليس عليه شاهد من الكتاب!
ولو كانت حجة في إثبات مفادها لشملت نفسها، ولا نحتمل المزية فيها لتكون هي الحجة دون ما سواها، ولو فرض حجيتها مع عدم المزية لكان غيرها حجة كذلك فيلزم من حجية غيرها كذبها وهذا يعني أنه يلزم من صدقها كذبها.