الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على عدم الحجية

تبين مما تقدم أنَّ الإستدلال في المقام على عدم حجية خبر الواحد أو على حجيته بأخبار الآحاد غير صحيح فلابد من أن تكون أخبار متواترة يُقطع بصدورها أو يُطمأن بصدورها على الأقل، ونستعرض هنا الأخبار التي اُستدل بها على عدم حجية خبر الواحد وهي على طوائف نذكر منها هنا طائفتين:

الطائفة الأولى: ما دلَّ على النهي عن العمل بما لا يُعلم صدوره عن الإمام عليه السلام وخبر الواحد لا يعلم صدوره عنه عليه السلام وإنما يحتمل فيه ذلك.

ويلاحظ عليها:

أولاً: إنها أخبار آحاد وقليلة العدد - روايتان أو ثلاثة - فلا يمكن التعويل عليها لإثبات عدم حجية خبر الواحد، ولا يُحتمل فيها ميزة وخصوصية توجب حجيتها دون سائر الأخبار فتكون نافية لحجية غيرها من أخبار الآحاد.

وثانياً: إنها غير تامة سنداً فلا يصح الإستدلال بها من هذه الجهة.

وثالثاً: هذه الأخبار معارضة بأخبار أكثر وأصح منها وقد يقال إنها موجة للقطع بحجية خبر الواحد وسيأتي التعرض لها في المقام الثاني، وقد يقال بتواترها المعنوي، على أنها توافق مع عليه عمل المتشرعة وعمل العقلاء بخبر الواحد.

الطائفة الثانية: ما دلَّ على رد ما لا يوافق الكتاب وهي على ألسنة مختلفة فمنها: ما دلَّ على رد ما لا يوافق الكتاب، ومنها: ما دلَّ على رد ما يخالف الكتاب ومنها: ما دلَّ على رد ما ليس عليه شاهد أو شاهدان من الكتاب، وهي كثيرة فيقال إنها تدل على عدم حجية خبر الواحد إذا لم يكن عليه شاهد من الكتاب، بمعنى إذا لم يرد مضمون الخبر في الكتاب فليس بحجة، فكأن المعيار في قبول الخبر هو وجود مضمونه في الكتاب فيكون عليه شاهد من الكتاب ويقال إنه يوافق الكتاب.

وقد أرجعوا هذه الألسنة المتعددة الى عنوانين رئيسيين: (موافقة الكتاب) و (مخالفة الكتاب) فمن الأخبار ما يقول ما خالف قول ربنا فهو زخرف وباطل، وبعضها يشترط الموافقة للكتاب وإلا فلا يكون حجة، بمعنى وجود مضمونه في الكتاب ولكن وما أكثر الأخبار التي لا يوجد مضمونها في الكتاب! فالعنوان الرئيسي هو (الموافقة) وتكون شرطاً في حجيته فما لا يوافقه لا يكون حجة، أو عنوان (المخالفة) فيقال أنَّ المخالفة تُسقط الخبر عن الحجية.

أما عنوان (الموافقة) ففُسرت بأنَّ كل خبر لا يوجد مضمونه في الكتاب فهو ليس بحجة ولا يمكن القول إنه موافق للكتاب، فهل يمكن الإلتزام بذلك؟

أجاب المحقق الخراساني قده عن ذلك بما حاصله: إنَّ هذه الروايات وإن كانت كثيرة لكنها ليست متوترة لا لفظاً ولا معنى وإنما هي متواترة إجمالاً على أفضل التقادير، ويقصد من التواتر الإجمالي هو أنَّ الأخبار لا تشترك لا في مدلولها مطابقي ولا في مدلولها الإلتزامي ولكن واحداً منها على الأقل صحيح، فمثلاً لو اخذنا مائة خبر بشكل عشوائي من الكتب الأربعة فسيحصل لدينا بحساب الإحتمالات علم بأن واحداً منها على الأقل صحيح وذلك لأنَّ إحتمال أن يكون الجميع مخالفاً للواقع منفي بحساب الإحتمالات وهذا ما يصطلح عليه بالتواتر الإجمالي مع عدم إشتراك هذه الأخبار في شيء، فيقول قد يكون هذا التواتر الإجمالي موجوداً في هذه الأخبار، بمعنى أنَّ هذه الأخبار الكثيرة والمختلفة بألسنتها واحد منها على الأقل صحيح ومطابق للواقع، والقاعدة في التواتر الإجمالي تقتضي الإقتصار على أخص هذه الأخبار فنلتزم به ويكون حجة، فلو فرضنا أنَّ بعض الأخبار يقول إنَّ الخبر لابد أن يكون موافقاً للكتاب، وبعضها يقول لابد أن لا يكون مخالفاً للكتاب.. فالأخص من هذه الأخبار هو الخبر الذي يكون مخالفاً للكتاب والسنة فجميع هذه الأخبار تتفق على عدم حجيته، نعم بعضها تثبت عدم الحجية في دائرة أوسع لكن في التواتر الإجمالي لابد من الإقتصار على أخص هذه الأخبار بحيث يكون هو القدر المتيقن منها ، فعلى سبيل المثال لو دلت بعض الأخبار على إشتراط الوثاقة في حجية الخبر وبعضها دلت على أنَّ المعتبر هو العدالة، فالقدر المتيقن منها هو الخبر الذي يرويه ثقة عدل فيكون هذا الخبر حجة قطعاً لأنَّ جميع هذه الأخبار المتواترة إجمالاً تُشير الى حجيته، وفي محل الكلام يكون أخص الأخبار والذي نقطع بأنه ليس حجة بمقتضى التواتر الإجمالي هو الخبر الذي يكون مخالفاً للكتاب والسنة.

ولكن هذا لا يضر القائل بحجية خبر الواحد لأنه يقول بذلك أيضاً وإنما يُثبت الحجية في الخبر الذي لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة، فيمكن الإستدلال على حجية الخبر غير المخالف للكتاب والسنة بالأدلة الآتية، ولا تكون هذه الطائفة مانعة من ذلك لأنَّ المتيقن منها هو عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة.

والملاحظة على ما ذكره المحقق الخراساني قده هي أنَّ تطبيق التواتر الإجمالي في المقام غير واضح وذلك لعدم وجود مثل هذا العدد الذي يُقطع معه بصدور واحد منها على الأقل، فقد قيل أنَّ عدد هذ الأخبار لا يتجاوز السبعة ولا يتحقق بهذا العدد ولا أكثر منه التواتر الإجمالي فيبقى إحتمال كذبها وارداً.

المناقشة الثانية: لا يمكن الإلتزام بظاهر هذه الأخبار فإنَّ الموافقة فُسرت بوجود مضمون الخبر في الكتاب، وأنَّ عليه شاهداً من الكتاب، وذلك لأننا نعلم قطعاً بوجود أخبار لا يوجد مضمونها في الكتاب وهي حجة وصادرة عن المعصوم عليه السلام، بل أكثر الأخبار لا يوجد مضمونها في الكتاب فلو كانت نسبتها 90% فبعضها صادر عن المعصوم قطعاً فكيف يُقال أنَّ كل خبر لا يوجد مضمونه في الكتاب ليس بحجة! فهذا لا يمكن الإلتزام به للعلم الإجمالي بصدور أخبار كثيرة جداً عنهم عليهم السلام ولا يوجد مضمونها في الكتاب.

ومع عدم إمكان الإلتزام بمضمون هذه الأخبار يتعين حملها على محامل أخرى، وقد ذكر البعض أنه لابد أن تُحمل على باب التعارض أي أنها في مقام علاج حالة التعارض بين خبرين تامين سنداً فتأتي المرجحات ومنها موافقة الكتاب، وليس المراد بها أن تكون الموافقة هي الميزان في قبول الخبر.

وهذه المناقشة واضحة فيما إذا كانت هذه الأخبار دالة على عدم صدور الخبر الذي لا يوجد مضمونه في الكتاب والسنة فتكون نافية للصدور، وهذه من قبيل الأخبار التي ورد فيها التعبير بالزخرف والباطل ويُضرب به عرض الجدار وما شاكل ذلك مما يكون ظاهراً في نفي الصدور، فيمكن الإلتزام بهذا الجواب في مثل هذا اللسان ويقال كيف تدل هذه الأخبار على عدم الصدور والحال أننا نعلم بصدور كثير من الأخبار التي لا يوجد مضمونها في الكتاب والسنة.

وأما إذا كان اللسان هو لسان نفي الحجية لا نفي الصدور من قبيل: (.. إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاء كم به أولى به.) بناءً على تفسير (أولى به) هو أنه أعلم بمضمون هذا الخبر وكونه صادقاً أو كاذباً، وهذه كناية عن عدم الحجية فالرواية هنا لم تنفِ الصدور وإنما غاية ما يُستفاد منها هو عدم الحجية، ففي مثل هذا اللسان قد يقال هذه المناقشة لا تكون تامة لأنَّ العلم الإجمالي بصدور أخبار لا توافق الكتاب لا ينافي عدم حجية كل خبر من هذه الأخبار، فهذا نظير العلم الإجمالي بطهارة بعض الأواني فإنه لا ينافي الإلتزام بنجاسة جميعها بالإستصحاب، نعم العلم الإجمالي بنجاسة بعض الآنية ينافي إجراء اصالة الطهارة في الجميع لكنه لا ينافي إستصحاب النجاسة في جميع الآنية، فكأنه يُراد أن يقال إنَّ ما نحن فيه من هذا القبيل وليس من قبيل إجراء أصالة الطهارة في جميع الآنية مع العلم الإجمالي بنجاسة بعضها فهذا غير صحيح.