الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية خبر الواحد /الإستدلال على عدم الحجية

كان الكلام في الإستدلال على عدم حجية خبر الواحد بالآيات الناهية عن العمل بالظن وتقدم تقريب الإستدلال بها، وذكرت مناقشات على هذا الاستدلال، والمناقشة الأولى تقول إنَّ الآيات مختصة بأصول الدين فلا تنهى عن العمل بالظن في فروع الدين فلا تشمل خبر الواحد، والعمدة في الجواب عنه هو:

لو فرضنا أنَّ الآيات تنهى عن العمل بالظن وفرضنا أنها شاملة لفروع الدين ولكن ذلك لا ينافي العمل بخبر الواحد لأنَّ العمل به ليس لأنه ظن بل العمل به باعتباره حجة، فالعمل بالظن على نحوين: فتارة نعمل به باعتباره ظناً وهو الذي تنهى عنه الآيات، وأخرى نعمل به باعتبار دلالة الدليل على حجيته فالعمل هنا يكون بالدليل الذي أورث القطع بأنَّ هذا الخبر حجة، فهذه الآيات لا تنافي الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد.

وأما المناقشة الثانية وهي دعوى حكومة أدلة حجية خبر الواحد على الآيات الناهية عن العمل بالظن فتتقدم عليها بالحكومة فنعمل بأدلة الحجية، وقد تقدم بيان وجه الحكومة.

ويلاحظ عليها بعدم صحة دعوى الحكومة لأنها مبنية على مسلك الطريقية وأنَّ معنى جعل الحجية للأمارة هو إعتبارها علماً فتُخرج خبر الواحد عن موضوع الآيات الناهية تعبداً فتكون حاكمة عليها، ولكن إذا كان معنى الحجية هو إعتبار الشيء علماً فنفي الحجية يعني عدم إعتباره علماً وهذا يعني أنَّ الدليل الدال على الحجية والدليل النافي للحجية في عرض واحد ولا يكون أحدهما حاكماً على الآخر، فدليل حجية خبر الواحد يقول الخبر علم والآيات الناهية تقول الخبر ليس علماً ولا حكومة بينهما وإنما يقع التعارض بينهما، وهذا بناءً على أنَّ النهي في الآيات ليس نهياً مولوياً وإنما هي إرشاد الى عدم صحة الإعتماد على الظن، فهذه المناقشة غير تامة.

المناقشة الثالثة - وهي المناقشة التامة - دعوى تخصيص أدلة حجية الخبر للمطلقات القرآنية فالآيات وإن كانت عامة وشاملة للظن الخبري وشاملة لفروع الدين كما هي شاملة لأصول الدين لكن تبقى النسبة بينها وبين الدليل الدال على حجية الظن الخبري هي نسبة العموم والخصوص المطلق فيخصص العمومات ويقيد المطلقات فيتقدم عليها بالتخصيص والتقييد.

وهذا هو الجواب الصحيح، خصوصاً إذا كان الدليل على حجية خبر الواحد هو سيرة المتشرعة وهو أحد أهم أدلتها إذ لا يمكن الجمع بين إنعقاد سيرة أصحاب الأئمة عليهم السلام على العمل بخبر الواحد وبين أن تكون الآيات ناهية عن العمل به وحيث أنَّ السيرة محرزة فإذن لا إطلاق في الآيات بحيث يشمل الظن الخبري ولذا قلنا إنّ أدلة حجية الخبر تتقدم على الآيات بالتخصيص أو التقييد.

هذا ما يرتبط بما إستدل به على عدم الحجية من الكتاب العزيز.

وأما السنة فإن كانت قطعية الصدور فلا إشكال في صحة الإستدلال بها على عدم حجية خبر الواحد إذا تمت دلالتها أي إذا كانت حجة، لكنه فرض غير حاصل فإنَّ الحاصل فهو أنَّ السنة ظنية السند، وإن كانت قطعية فدلالتها غير واضحة وليست حجة كما سيأتي.

وبعبارة أخرى السنة التي يُستدل بها على عدم حجية خبر الواحد هي من خبر الواحد فيُراد الإستدلال على عدم حجية خبر الواحد بخبر الواحد وهذا غير معقول فيما إذا فرضنا عدم إحتمال وجود ميزة وخصوصية لهذه الأخبار تميزها عن سائر الأخبار، وذلك باعتبار أنَّ هذه الأخبار إذا كانت حجة فلابد من إفتراض حجية سائر أخبار الآحاد وذلك لعدم وجود ميزة تميزها عنها بحسب الفرض، وإذا كانت سائر الأخبار حجة فيلزم كذب الأخبار الدالة على عدم حجية خبر الواحد فيلزم من حجيتها كذبها، ولذا لا يكون الإستدلال بها على عدم حجية سائر الأخبار معقولاً، هذا فرضنا القطع بعدم وجود ميزة وخصوصية تميزها عن سائر الأخبار.

وأما إذا فرضنا عدم القطع بعدم الخصوصية في هذه الأخبار أي إذا إحتملنا وجود خصوصية في هذه الأخبار تميزها عن سائر الأخبار فلا يرد المحذور السابق لأنَّ حجيتها لا يلزم منها كذبها بل يثبت مفادها وهو عدم حجية سائر الأخبار فيصح الإستدلال بها على هذا الإحتمال.

نعم قد يقال حتى مع الملازمة المذكورة يوجد محذور في افتراض حجية هذه الأخبار وهو أنه يلزم من حجيتها عدم حجيتها باعتبار أنها تشمل نفسها بالإطلاق لأنَّ مفادها عدم حجية خبر الواحد وهذا المفاد بإطلاقه يشمل نفس هذه الأخبار فلا تكون حجة.

لكن يمكن إبراز محذور في هذا الأطلاق وذلك بأن يقال إنَّ إطلاق المفاد غير معقول ولا يمكن أن يكون حجة ومعه لا يلزم المحذور المذكور لأنها تكون ناظرة الى سائر الأخبار ولا تشمل نفسها، وأما المحذور فبيانه هو إنَّ حجية الإطلاق فرع حجية سنده فكيف يعقل أن يكون هذا الإطلاق نافياً لحجية السند والمفروض توقف الإطلاق عليه لأنَّ معنى شمول الإطلاق لنفسه هو التمسك به لنفي حجة نفس الخبر مع أنَّ حجية الإطلاق متوقفة على حجية نفس الخبر أي أنَّ الإطلاق ينفي حجية السند والحال أنه متوقف على حجية السند ولا يعقل أن ينفي الإطلاق ما يتوقف هو عليه لأنه يستلزم نفي نفسه.

والخلاصة: إنَّ الإستدلال بهذه الأخبار على عدم حجية خبر الواحد غير معقول إذا قطعنا بعدم خصوصية في هذه الأخبار بحيث تكون حجة دون سائر الأخبار، نعم إذا إحتملنا وجود هذه الخصوصية بحيث أمكن التفكيك أي الإلتزام بحجيتها وعدم حجية سائر الأخبار فحينئذٍ لا محذور في الإستدلال به على عدم حجية سائر الأخبار، ودعوى أنه يشمل نفسه بالإطلاق فيلزم من حجيته عدم حجيته غير صحيحة كما عرفت أخيراً من إستحالة حجية هذا الإطلاق، وأما الجواب عنها بدعوى عدم شمول الدليل لنفسه على أساسٍ إستظهاري أو عقلي فغير مقبول.

أما ما استدل به على عدم حجية خبر الواحد من الأخبار فعلى طوائف:

الطائفة الأولى: ما كان لسانه النهي عن العمل بخبر لا يُعلم صدوره عنهم عليهم السلام.

ويمثل هذه الطائفة بالخبر (ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا.) أي ما لم تعلموا صدوره منا فردوه إلينا وهذا كناية عن التوقف بالعمل به.

الطائفة الثانية: ما دلَّ على رد ما لا يوافق القرآن الكريم أو ما ليس عليه شاهد من الكتاب أو ما ليس عليه شاهدان كما في نصوص أخرى وأن ما لا يوافق الكتاب فهو زخرف وباطل ويرمى عرض الجدار، حيث جعل المعيار في قبول الخبر هو موافقة الكتاب، وهذا يعني أنَّ كل خبر لا يرد بمضمونه نص من الكتاب لا يكون حجة كما يفهم منها إبتداءً.